الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من العهد وهو الموثق، وإنما يكون بالقسم ونحوه، ويوافقن ينبغي أن يكتب بالألف، لأن النون الخفيفة تقلب ألفاً في الوقف، وهذا الموضع موضع وقف، وهو من الموافقة، وهو ضد المخالفة، وروي بدله:"ليوافين" مضارع وافيته، أي: أتيته وأغريته، متعدي غري بالشيء غرى، من باب تعب، أي: أولع به من حيث لا يحمله عليه حامل، وأغريته به إغراء، فأغري به، بالبناء للمفعول، والخلاف: المخالفة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والأربعون بعد الستمائة:
(644)
ألم ترني عاهدت ربي وإنني
…
لبين رتاج قائماً ومقام
على حلفة لا أشتم الدهر مسلما
…
ولا خارجاً من في زور كلام
على أن "خارجاً" معطوف على محل جملة "لا أشتم" الواقعة حالاً، فكأنه قال: حلفت غير شاتم، ولا خارجاً، فيكون الذي عاهد عليه غير مذكور، وهذا رأي عيسى بن عمر، والذي نسبه المصنف إلى المحققين، هو مذهب سيبويه، ومن تابعه، وهذا نصه في "الكتاب": وأما قول الفرزدق: "على حلفة لا أشتم الدهر .. البيت" فإنما أراد: ولا يخرج فيما أستقبل، كأنه قال: ولا يخرج خروجاً، ألا تراه ذكر "عاهدت" في البيت الذي قبله! وهو "ألم ترني عاهدت ربي .. البيت". ولو حملته على أنه نفى شيئاً هو فيه، ولم يرد أن يحمل على "عاهدت" لجاز، وإلى هذا الوجه كان يذهب عيسى بن عمر فيما نرى، لأنه لم يكن يحمله على "عاهدت" انتهى نصه.
قال السيرافي: فسر أبو العباس المبرد، والزجاج، في هذين البيتين، قول سيبويه وقول عيسى بن عمر. فأما قول سيبويه، فإنه جعل لا أشتم جواب يمين، إما أن يكون جواب "حلفة" كأنه قال: عاهدت ربي على أن أقسمت، وعلى أن حلفت، لا أشتم الدهر مسلماً، أو يكون عاهدت بمعنى أقسمت، كأنه قال: ألم ترني أقسمت، ويكون "خارجاً" في معنى المصدر، ويكون التقدير: ولا يخرج خروجاً، عطفاً على أشتم، وجعل خارجاً في معنى خروجاً. قال أبو العباس: ومثله: قم قائماً، أي: قم قياماً، ومثله من المصادر: العاقبة والعافية، فهو على لفظ فاعل. وفسرا قول عيسى أن خارجاً حال، وإذا كان حالاً، فهو عطف على ما قبله، وإذا كان كذلك، وجب أن يجعل الفعل في موضع الحال، فكأنه قال: لا شاتماً مسلماً، ولا خارجاً من في زور كلام، والفعل المستقبل يكون في موضع الحال، كقولك: جاءني زيد يضحك، أي ضاحكاً، وجعلا العامل في الحال، على مذهب عيسى، عاهدت. كأنه قال: عاهدت ربي لا شاتماً الدهر مسلماً، فالمعنى: موجباً على نفسي ذلك ومقدراً أن لا أفعله. وكلام سيبويه الذي حكاه عن عيسى يخالفه، لأنه يعني عيسى بن عمر لم يكن يحمله على "عاهدت" ومعنى قول سيبويه: لو حملته على أنه نفى شيئاً هو فيه، أي: نفي الحال وهو قوله: لا أشتم ولا خارجاً، فإذا لم يكن العامل في الحال "عاهدت" على ما حكاه سيبويه عن عيسى، كان نصبه على أحد وجهين: إما أن يكون المفعول الثاني من ترني، كأنه قال، ألم ترني لا شاتماً مسلماً، فهذا وجه ذكره أبو بكر مبرمان وما يعجبني هذا، لأن "عاهدت" في موضع المفعول الثاني، فقد تم المفعولان، وأجود منه أن يكون على حلفة، كأنه قال: على أن حلفة لا شاتماً مسلماً، والمصدر وهو "حلفة" يعمل عمل الفعل. إلى هنا كلام السيرافي.
أقول: جعل جملة "لا أشتم" في موضع المفعول الثاني لترني، توجيهاً لقول عيسى بن عمر، خلاف المفروض، ويلزم على قول عيسى بن عمر خلو القسم من جواب، وهو الذي عاهد عليه، ولهذا كان مذهب سيبويه أحق بالقبول، قال أبو علي في "الحجة" عند قوله تعالى:(لَمَا آتَيْتُكُم) من سورة آل عمران [الآية/ 81]: قرأ حمزة [وحده]، بكسر اللام ووجهه: أنه يتعلق بالأخذ، "كأن المعنى أخذ ميثاقهم لهذا، لأن من يؤتى الكتاب والحكمة يؤخذ عليهم الميثاق لما أوتوه من الحكمة، وأنهم الأفاضل وأماثل الناس، فإن قلت: أرأيت الجملة التي هي قسم، هل يفصل بينهما وبين المقسم عليه بالجار؟ قيل: قد قالوا: بالله، الجار والمجرور متعلقان بالفعل والفاعل المضمرين، كذلك قوله: "ألم ترني عاهدت ربي
…
على حلفة لا أشتم" فيمن جعل لا أشتم، يتلقى قسماً، وهو قول الأكثر، على قوله: على حلفة، بعاهدت، فكذلك قوله: (لما آتيتكم) في قراءة حمزة. انتهى كلامه. وأورد المبرد هذين البيتين في "الكامل" وذكر المذهبين إجمالاً، وقال: خارجاً اسم فاعل وضع موضع المصدر، والمصدر يقع في موضع اسم الفاعل تقول: ماء غور. أي: غائر، قال جل وعز (إنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا) [الملك/ 30] ويقال: رجل عدل، أي: عادل، ويوم غم، أي: غام. وهذا كثير جداً، فعلى هذا جاء المصدر على فاعل كما جاء اسم الفاعل على المصدر، ي قال: قم قائماً، وجاء من المصدر على لفظ فاعل حروف منها: فلج فالجاً، وعوفي عافية، وأحرف يسيرة، وجاء على مفعول نحو: رجل ليس له معقول، وخذ ميسوره، ودع معسوره، لدخول المفعول على المصدر، يقال: رجل رضى، أي: مرضي، وهذا درهم ضرب الأمير، [أي: مضروب]، وهذه دراهم وزن سبعة، أي: موزونة. انتهى.
وقوله: ألم ترني عاهدت .. إلخ. الرؤية هنا علمية، والمعاهدة: المعاقدة والمحالفة، وهي عقد القول وإحكامه على شيء، وجملة: وإنني إلى آخره، بكسر الهمزة، حال من التاء في "عاهدت" وبين رتاج: ظرف متعلق بمحذوف خبر "أن" واللام للتوكيد، وقائماً حال من فاعل متعلق الظرف، ويجوز رفعه على أنه خبر "أن"، وبين: متعلق به، ويجوز أن يكون خبراً بعد خبر، ومقام: معطوف على رتاج، والرتاج، بكسر الراء: الباب العظيم، والباب المغلق، وأراد به: باب الكعبة، كما أنه أراد بالمقام مقام إبراهيم الخليل، وقال المبرد في "الكامل": الرتاج: غلق الباب، أي: بفتحتين، ويقال: باب مرتج، أي: مغلق، ويقال: أرتج على فلان، أي: أغلق عليه الكلام، وقول العامة: أترج عليه، ليس بشيء، إلا أن التوزي حدثني عن أبي عبيدة قال: يقال: أرتج، ومعناه: وقع في رجة، أي: في اختلاط، وهذا معنى بعيد جداً. انتهى. وكتب ابن السيد البطليوسي في حاشيته على "الكامل" قوله: الرتاج: غلق الباب، أقول: الرتاج المغلق، ذكره صاحب "العين" وأنشد بيت الفرزدق، وقال: يعني: باب البيت، ومقام إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ويدل على هذا قول أبي شجرة السلمي:
مثل الرتاج إذا ما لزه الغلق
فهذا يدل على أن الرتاج غير الغلق، ومم يقوي قول المبرد قول الحطيئة في وصف بعيره:
إلى عجز كالباب شد رتاجه
…
ومستتلع في الكور ذو حبك سمر
والمستتلع: السنام، والحبك: طريق فيه من لون وبره.
والحلفة، بالكسر: العهد، وبالفتح، المرة الواحدة من الحلف، يقال: حلف بالله حلفاً، بكسر اللام، ويجوز تسكينها للتخفيف، وتؤنث الواحدة بالهاء، فيقال: حلفة. كذا في "المصباح". وقوله: على حلفة: حال من التاء في "عاهدت" متعلق