الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع والثمانون بعد الخمسمائة:
(587)
شربت بها والديك يدعو صباحه
…
إذا ما بنوا نعش دنوا فتصوبوا
على أنه استعمل الواو في غير ضمير العقلاء، قال سيبويه: وأما (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[الأنبياء/ 33] و (رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يوسف/ 4] و (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)[النمل/ 184] فزعم أنه جعلهم بمنزلة من يعقل ويسمع لما ذكرهم بالسجود، وصار النمل بتلك المنزلة حين حدث عنه كما يحدث عن الأناسي، وكذلك (فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)[الأنبياء/ 33] لأنها جعلت في طاعتها، وفي أنه لا ينبغي لأحد أن يقول: مطرنا بنوء كذا، فلا ينبغي لأحد أن يعبد شيئاً منها بمنزلة ما يعقل من المخلوقين، ويبصر الأمور. قال النابغة الجعدي:
شربت بها والديك يدعو
…
البيت
فجاز هذا حيث صارت هذه الأشياء عندهم تؤمر وتطيع، وتفهم الكلام، وتعبد، بمنزلة الآدميين. انتهى.
قال ابن خلف: الشاهد أنه جمع "ابناً" من غير ما يعقل، جمع العقلاء المذكرين، فقال: بنو، وكان ينبغي أن يقول: بنات نعش، واحدها ابن نعش، لأن ما لا يعقل من المذكر والمؤنث يجمع جمع السلامة والتكسير: حكمام وحمامات، وحمل بنو نعش على ما يعقل لما كان دورها على مقدار لا يتغير، فكأنها تقدر ذلك
الدور وتعقله، فجاز هذا حيث صارت هذه الأشياء عندهم تؤمر وتطيع وتفهم الكلام، وتعبد بمنزلة الآدميين. وقال: دنوا فتصوبوا، وكان ينبغي أن يقول: دنون فتصوبن.
والبيت من قصيدة عدتها ستة وثلاثون بيتاً للنابغة الجعدي، وقبله:
وصهباء لا تخفي القذى وهي دونه
…
تصفق في راووقها ثم تعطب
أي: رب صهباء لا تخفي القذى، أي: لا تستره إذا وقع فيها، لأنها صافية، فالقذى يرى فيها إذا وقع، وقوله: وهو دونه. يريد أن القذى إذا حصل في أسفل الإناء رآه الرائي في الموضع الذي هو فيه، والخمر أقرب إلى الرائي من القذى، وهي فيما بين الرائي، وبين القذى، يريد: أنها يرى ما وراءها، وتصفق: تدار من إناء إلى إناء، وتقطب: تمزج. وروي أيضاً:
وصهباء مثل المسك ساطع ريحها
…
تصفق في ناجودها ثم تقطب
والناجود، بالنون والجيم: كل إناء يجعل فيه الشراب من قصعة وغيرها، وقوله: شربت بها، أي: منها، أو شربتها، والباء زائدة، وفي شعره: تمززتها، أي: شربتها قليلاً قليلاً، وقوله: يدعو صباحه، أي: يدعو في وقت إصباحه، وقوله: دنوا، أي: مالت بنات نعش إلى جانب الأفق للغروب، والتصوب: الانحدار، وبعده:
فإن تأخذوا مالي وأهلي بظنة
…
فإني لحراب الرجال مجرب
صبور على ما يكره المرء كله
…
سوى العار إني إن ظلمت سأغضب