الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والثمانون بعد الخمسمائة:
(583)
وليل كموج البحر أرخى سدوله
[تمامه:
علي بأنواع الهموم ليبتلي]
على أن ليلاً مجرور برب المضمرة بعد الواو، وكذا قال غيره من شراح الألفية، وإنما هو معطوف على مجرور "رب" في بيت قبله وهو:
ألا رب خصم فيك ألوى رددته
…
نصيح على تعذاله غير مؤتلي
والألوى: الشديد الخصومة، كأنه يلتوي على خصمه بالحجج، والتعذال، بالفتح: العذل، والمؤتلي: المقصر، أي: غير تارك نصحي بجهده. ورددته: لم أقبل نصحه وهو جواب رب.
وقوله: وليل، معطوف على خصم، والجواب محذوف تقديره: سهرته، يقال: سهر الليل أو بعضه: إذا لم ينم فيه، وقوله: كموج البحر، أي: في كثافة ظلمته وهوله، وسدوله: ستوره، واحده: سدل، بفتح فسكون، وسدل ثوبه: إذا أرخاه، وقوله: ليبتلي، أي: ليمتحن ما عندي أأجزع أم أصبر، والبيتان من معلقة امرئ القيس وبعدهما:
فقلت له لما تمطى بصلبه
…
وأردف أعجازاً وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي
…
بصبح وما الإصباح فيك بأمثل
فيالك من ليل كأن نجومه
…
بكل مغار الفتل شدت بيذبل
وهذان البيتان الأخيران تقدم شرحهما في الإنشاد الرابع والخمسين بعد الثلاثمائة.
وقوله: فقلت له لما تمطى بصلبه. وروى الأسمعي: بجوزه، بفتح الجيم، ومعناه لما تمدد، بوسطه، وقوله: وأردف أعجازاً، قال الأصمعي: معناه حين رجوت أن يكون قد مضى أردف أعجازاً، أي: رجع، وناء بكلكل، أي: تهيأ لينهض، والكلكل: الصدر، وقال بعضهم: معنى البيت: ناء بكلكله، وتمطى بصلبه، وأردف أعجازاً، فقدم وأخر، وقوله:
…
بأمثل، أي: بأفضل، قال ابن أبي الإصبع في "تحرير التحبير" استعار لظلمة الليل السدول المرخاة، لما بين المستعار والمستعار له منا اجتماعهما في منع الأبصار من الإبصار، وفائدة الاستعارة نقل الأخفى إلى الأظهر، لأن السدول تدرك بحاستي البصر واللمس، والظلمة تدرك بإحداهما دون الأخرى، ثم تمم بكونه جعل السدول مرخاة، لأن ذكرها بدون هذا القيد لا يوفي بالمعنى الذي قصده من منع رؤيته ما وراءها، لاحتمال أن تكون مرفوعة، وكذلك قصد بقوله: لما تمطى بصلبه، فإنه أراد وصف الليل بالطول، فاستعار له صلباً يتمطى به، إذا كان كل ذي صلب يزيد في طوله عند تمطيه شيئاً، وبالغ في طوله بأن جعل له أعجازاً يردف بعضها بعضها، فهو كلما نفد عجز ردفه عجز فلا تفنى أعجازه، ولا تنتهي إلى طرف، كما قيل في قوله تعالى:(لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا)[النبأ/ 23] قال قتادة: أحقاباً: لا انقطاع لها كلما مضى حقب جاء حقب بعده، ثم أراد أن يصف الليل بعد نهاية الطول بالثقل على قلب ساهره، والضغط لمكابده، فاستعار له كلكلاً ينوء به ولأجل هذه المعاني كانت الاستعارة أبلغ من الحقيقة. انتهى.
وللنابغة الذبياني أبيات في طول الليل، وقد وقع البحث فيها مع أبيات امرئ القيس في أن أيهما أفضل، وقد ذكرنا التفصيل بينهما في الشاهد السابع والثلاثين بعد المائة من شواهد الرضي.