الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عمرت وأطولت التفكر خالياً
…
وساءلت حتى كاد عمري ينفد
فأضحت أمور الناس يغشين عالماً
…
بما يتقى منها وما يتعمد
جدير بأن لا أستكين ولا أرى
…
إذا الأمر ولى مدبراً أتبلد
على الحكم المأتي .. .. البيت
وعمرت: عشت عمراً طويلاً، من باب فرح، والمصدر العمر، بفتح العين وضمها مع سكون الميم فيهما، وساءلت: فاعلت من السؤال، أي: أكثرت من السؤال، وينفد: بالدال المهملة: يفنى، ويغشين: يأتين، وأراد بالعالم: نفسه، والفعلان بعده يجوز أن يكونا بالبناء للمعلوم، وبالبناء للمجهول، ويتعمد: يقصد، وجدير: خبر مبتدأ محذوف، أي: أنا جدير بأن لا أستكين، أي: لا أخضع ولا أذل، وأرى بالبناء للمفعول، وروي المصراع الثاني:
إذا حل أمر ساحتي أتبلد
أي: أتحير كالبليد.
وأبو اللحام: شاعر لص وهو جاهلي، واسمه حريث، بالتصغير، واللحام بفتح اللام وتشديد الحاء المهملة، وقد بسطنا ترجمته في الإنشاد التاسع والستين بعد الستمائة من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والثمانون بعد الخمسمائة:
(581)
بأيدي رجال لم يشيموا سيوفهم
…
ولم تكثر القتلى بها حين سلت
على أن الواو دخلت على الجملة الفعلية الحالية. قال ابن رشيق في باب "ما أشكل من المدح والهجاء "من العمدة" قال سليمان بن قتة في رثاء الحسين بن علي، رضي الله عنهما، وذكر آل الرسول، صلى الله عليه وسلم، ويروى للفرزدق:
أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم
…
ولم تكثر القتلى بها حين سلت
قال قوم: [أراد]: لم يغمدوا سيوفهم إلا بعد أن كثرت بها القتلى، كما تقول: لم أضربك ولم تجن علي، أي: إلا بعد أن جنيت علي، وقال آخرون:[أراد] لم يسلوا سيوفهم إلا و [قد] كثرت بها الفتلى كما تقول: لم ألقك ولم أحسن إليك، أي: إلا وقد أحسنت إليك، والقولان جميعاً صحيحان: لأنه من الأضداد. انتهى. يعني أن "شام" من الأضداد، يقال: شام سيفه، إذا سله، وشام سيفه: إذا غمده، وعلى المعنيين. جملة "قد" و"لم تكثر القتلى": حال من الواو، في يشيموا كما قرره ابن رشيق، ومثله، في وقوع الجملة حالية باعتبار كل من المعنيين، ما أنشده ابن السكيت في كتاب "أبيات المعاني" وأروده غفلاً:
كماة حماة لم يشيموا سيوفهم
…
ولم يخضبوها من دم متصبب
ولكن اقتصر ابن السكيت على معنى الإغماد، فقال: معناه لم يغمدوا سيوفهم حتى خضبوها، وكذا اقتصر الأخفش المجاشعي في كتاب "المعاياة" على معنى الإغماد في البيت الشاهد، ورواه هكذا:
أسود ضراء ما تشام سيوفهم
…
ولم تكثر القتلى إذا هي سلت
أراد: ما تشام سيوفهم إذا هي سلت، ولم تكثر القتلى، ولكنها تشام وقد كثرت القتلى. انتهى.
وتبعه المبرد، فقال: قال الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا .. .. البيت
وهذا البيت طريف عند أصحاب المعاني، وتأويل لم يشيموا: لم يغموا، ولم تكثر القتلى، أي: لم يغمدوا سيوفهم إلا وقد كثرت القتلى حين سلت.
وتبعه ابن الأنباري أيضاً فقال في كتاب "الأضداد": و"شمت" حرف من
الأضداد، يقال: شمت السيف: إذا أغمدته، و [شمته أيضاً: إذا أخرجته من غمده]، قال الفرزدق:
بأيدي رجال لم يشيموا .. .. البيت.
أراد: لم يغمدوا سيوفهم حتى كثرت القتلى، وأخبرنا أبو العباس عن سلمة عن الفراء، قال: يقال: أغمدت السيف وغمدته، وقال في المعنى الآخر:
إذا هي شيمت فالقوائم تحتها
…
وإن لم تشم يوماً عليها القوائم
أراد بشميت: سلت، وأخرجت من أغمادها، لأن السيف إذا أغمد كان قائمة فوقه، وإذا سل كان قائمه تحته. انتهى.
وقبل البيت الشاهد:
ألا إن قتلى الطف من آل هاشم
…
أذلت رقاب المسلمين فذلت
مررت على أبيات آل محمد
…
فلم أرها أمثالها قد تجلت
وكانوا سروراً ثم عادوا رزية
…
لقد عظمت تلك الرزايا وجلت
ألم تر أن الأرض أضحت حزينة
…
لفقد حسن والبلاد اقشعرت
أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم .. البيت
والطف، بفتح الطاء وتشديد الفاء. قال أبو عبيد البكري في "معجم ما استعجم": هو موضع بناحية العراق من أرض الكوفة، والصحيح أن على فرسخين من البصرة، وهناك الموضع المعروف بكربلاء الذي قتل فيها الحسين بن علي رضي الله عنهما، قال ابن رمح الخزاعي يذكر مقتله:
وإن قتيل الطف من آل هاشم
…
البيت
والطف كان قصر أنس بن مالك، وفيه مات سنة ثلاث وأربعين وهو إلى مائة عام وثلاثة أعوام. انتهى. وهذا غلط منه في التصحيح، فإن الطف: موضع بناحية
الكوفة، وكربلاء منه، وفيه قتل الحسين بن علي، قال الصاغاني: والطف: موضع بناحية الكوفة، وقال ابن دريد: الطف: ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق، وقال الأصمعي: إنما سمي طفاً، لأنه دنا من الريف، من قولهم: أخذت من متاعي ما خف وطف، أي: قرب مني، قال أبو دهبل الجمحي:
ألا إن قتلى الطف من آل هاشم .. البيت
وقال أيضاً:
تبيت السكارى من أمية نوماً
…
وبالطف قتلى ما ينام جميعها
انتهى. وكذا قال غيره، وقد راجعت ديوان أبي دهبل، فلم أجد هذا الشعر فيه، والصحيح أنه لسليمان بن قتة، بفتح القاف وتشديد المثناة الفوقية، قال الصاغاني: قتة اسم أم سليمان بن قتة من التابعين، ولم أقف على اسم أبيه. انتهى.
واقشعرت البلاد: أمحلت وأجدبت، وقوله: فلم أرها أمثالها: بدل من ها، تجلت: خلت من سكانها، من الجلاء، بالفتح والمد، وهو تفرق القوم من منازلهم، وقوله:
أولئك قوم لم يشيموا سيوفهم
روى مصراعه الثاني كذا:
ولم تنك في أعدائها حين سلت
وتنك: من النكاية، وهو مساو في المعنى للفظ الأول، وأولئك: لآل محمد، صلى الله عليه وسلم.
وقال ابن حجر في "تعجيل المنفعة في رجال الأربعة": سليمان بن قتة التيمي مولاهم البصري أخذ عن ابن عمر وابن عباس، ومعاوية، وأبي سعيد، وقال ابن خلفون في الثقات يكني أبا رزين، وكان أخذ القراءة عرضاً عن ابن عباس، فيقال: إنه عرض عليه ثلاث عرضات، قال: وكان شاعراً وهو القائل: