الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والعشرون بعد الستمائة:
(629)
ذاك الذي وأبيك تعرف مالك
على أن جملة "وأبيك" القسمية اعترض بها بين الموصول وصلته، وظاهره؛ أنه يجوز الاعتراض بينهما بجملة غير قسمية، بدليل البيت الثاني، وقد نص أبو علي وغيره: أنه لا يجوز الاعتراض بينهما إلا بجملة القسم، قال في "التذكرة القصرية" عند الكلام على قول الشاعر:
فأنت طلاق والطلاق عزيمة
…
ثلاثاً ومن يخرق أعق وأظلم
وتقدم نقل كلامه فيه في الإنشاد الثاني والسبعين من بحث "أل" فأما:
ذاك الذي وأبيك تعرف مالك
فضرورة، ولا يقاس عليه، ولو لم يكن ضرورة، لوجب أن يقاس عليه غيره، لأن القسم قد يدخل في مواضع لا يدخلها فيه نحو: إذن والله أكرمك، فدل ذلك على أنه ليس بجار عندهم مجرى الجمل، فلا يجوز من حيث الفصل بالقسم أن يفصل بغيره من الجمل، فإن القسم يجري مجرى ما يجتلب للتوكيد نحو (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ)[آل عمران/ 159] فلا يجوز أن يفصل بين الصلة والموصول بالجملة قياساً على القسم، فإن قلت: قد فصلوا بين الصلة والموصول بالنداء في قوله:
تكن مثل من يا ذئب يصطبحان
فالجواب عنه: أن النداء ضرب من التنبيه، فشابه المنادى "ها" التي ينبه بها في:
مررت بهذا، ونحوه. وقد تراها معترضة بين الجار والمجرور غير معتد بها، فحمل النداء، في ترك الاعتداد به فصلاً، مجرى "ها" هذه. فاعرفه. انتهى.
وقد اعترض ابن الحاج في نقده ل: "مقرب" ابن عصفور، قال: وما اقتضاه تصريحه من جواز الفصل بجملة الاعتراض بين الموصول وصلته فاسد، نص أبو علي في "الإغفال" على أن ذلك لا يجوز، وإن جاز ذلك بين المبتدأ والخبر، كقولك: إن زيداً –فافهم- رجل صالح، فهذا نص صريح في امتناع:"إن الذي –فافهم ما أقول- جائني رجل صالح" وقد نص المؤلف على جوازه، ثم اعترض أبو علي بقوله:
ذاك الذي وأبيك تعرف مالك
والفصل إن [جاء] للقسم، نحواً، ليس لغيره، ألا ترى أنه لا يستغني وحده، ولا يوصف به، ولا يوصل، ويدخل بين الجازم والمجزوم، والناصب والمنصوب نحو: إن تأتني والله آتك، وإذن والله آتيك. فالقسم مما اتسع فيه لكثرته؛ فلذلك يجوز أن يفصل به بين الصلة والموصول في الشعر، ولا يقاس عليه غيره. فهذا نص على أن مثال البيت لا يجوز في الكلام، وإنما هو خاص بالشعر، وأورده المصنف على أنه مثال لما ذكر جوازه في القانون الذي عنده، وذلك كله فاسد. انتهى كلام ابن الحاج.
والبيت من مقطوعة لجرير، هجا بها يحيى بن عقبة الطهوي، وكان يروى عليه شعر الفرزدق، وهي:
أمست طهية كالبكار أفزها
…
بعد الكشيش هدير قرم بازل
يا يحي هل لك في حياتك حاجة
…
من قبل فاقرة وموت عاجل
أخزيت أمك إذ كشفت عن استها
…
وتركتها غرضاً لكل مناضل
حلت طهية من سفاهة رأيها
…
مني على سننن الملح الوابل
أطهي قد غرق الفرزدق فاعلمنوا
…
في اليم ثم رمي به في الساحل
من كان يمنع يا طهي نساءكم
…
أم من يكر وراء سرح الجامل
ذاك الذي وأبيك تعرف مالك
…
والحق يدفع ترهات الباطل
إنا تزيد على الحلوم حلومنا
…
فضلاً ونجهل فوق جهل الجاهل
وقوله: أمست طهية كالبكار إلى آخره .. طهية بالتصغير: حي من قوم الفرزدق، وهم بنو أبي سود، وبنو عوف ابني مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، نسبوا إلى أمهم طهية بنت عبد شمس بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم، والفرزدق: ينتهي نسبه إلى درام بن مالك بن حنظلة، وجرير: ينتهي نسبه إلى كلب بن يربوع بن حنظلة، فمالك ويربوع أخوان، فالفرزدق وجرير يجتمع نسبهما في حنظلة، والبكار: جمع بكر، بالفتح، وهو الفتي من الإبل، وأفزها، بالفاء والزاي، أي: فرقها، والكشيش: أول هدير الجمل، قال جامع ديوانه: كشيش البكر: قبل أن تنبتت شقشقته، فإذا كان ذا شقشقة هدر. انتهى.
والقرم، بفتح القاف: الفحل من الإبل، والبازل: وهو الداخل في السنة التاسعة، وهو كمال شبابه، شبه جرير نفسه بالفحل الهادر، وشبه طهية بالبكار التي لها كشيش تتفرق خوفاً من هدير الفحل. وقوله: يا يحي: هو مرخم يحيى بن عقبة بن سنيع الطهوي، وقد تقدم هجو جرير لعقبة بن سنيع في قوله:
لو في طهية أحلام لما اعترضوا
…
دون الذي أنا أرميه ويرميني
في الإنشاد السابع والعشرين بعد الأربعمائة. والفاقرة: الداهية التي تكسر فقار الظهر، ويريد بها الهجو الممض، والغرض، بفتحتين: الهدف الذي يرمى إليه بالسهم ونحوه، والمناضل: من ناضلته، أي: راميته، وتناضل القوم: تراموا للسبق، وقوله: حلت طهية إلخ
…
حلت: نزلت، والسن، بفتحتين، الطريق، والملح: السحاب الدائم المطر، والوابل: الغزير العظيم القطر، يقول: نزلت طهية مني على طريق السيل، وقوله أطهي: الألف للنداء، وطهي: منادى مرخم طهية، وقوله: ثم رمى به: فاعل رمى: اليم، والباء زائدة في المفعول، يريد: أني أغرقت الفرزدق في بحر هجوي وهو هو، فمن أنتم بعده. وقوله: من كان يمنع
…
إلى آخره، من: في الموضعين، بمعنى الذي، يريد به الفرزدق، ومن: خبر مبتدأ مضمر، أي: وهو الذي كان يحامي ويدافع عن نسائكم، وأم هنا لمجرد الإضراب للترقي. يقول: بل هو الذي يكر على الأعداء المغيرة، والجامل، بالجيم: القطيع من الجمال برعاته وأربابه، والحي العظيم، والسرح بمهملات: المال السائم، وقوله: ذاك الذي وأبيك
…
إلخ: ذاك: إشارة للفرزدق: مبتدأ، والذي: خبره، وجملة:"تعرف مالك" من الفعل والفاعل: صلة الذي، والعائد محذوف، أي: تعرفه مالك، وأنت تعرف؛ لأنه أراد بمالك: القبيلة: يعني أن الفرزدق هو المعروف عند بني مالك بن حنظلة. وقوله: وأبيك؛ بكسر الكاف، خطاب لطهية، المراد بها القبيلة، والحق يدمغ، يعني: أن الفرزدق في اتصافه بما ذكرته من المناقب الجليلة، والرتب الفائقة الجميلة، هو الحق الذي يهشم دماغ الباطل، وهو مع كونه كذا فقد قتلته بهجوي، فكيف حالكم عندي؟ ! ودمغه دمغاً، من باب نفع: كسرت عظم دماغه. والترهة: الباطل، فيكون من إضافة الاسم إلى المسمى.