الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالأول، على أنه توكيد لفظي له، وتبعه في البناء، وروى صاحب "اللباب" نصب الأول، وأضافته إلى الثاني، قال شارحه الفالي: فيكون المضاف إليه على هذا جنساً كما قول: طلحة الخير، وحاتم الجود، والتنكير للتفخيم.
وملخص ما ذكرنا: أن نصر الأول روي فيه وجهان: ضمه ونصبه، والثاني: روي فيه أربعة أوجه: ضمه ورفعه ونصبه وجره، والثالث روي فيه وجه وحد: وهو النصب. واعلم أن الصاغاني قال في "العباب"، وتبعه صاحب "القاموس" إن اسم الحاجب إنما هو نضر، بالضاد المعجمة، وإن الثلاثة في البيت الأول بالإعجام، وإهمال الصاد تصحيف، وأما نصر في البيت الثاني، فهو بالإهمال لا غير. وقوله: بلغك الله، مقول القول، وبلغ بالتشديد: متعد إلى مفعولين ثانيهما محذوف، أي: مرادك، وبلغ: فعل أمر، ومفعوله الأول محذوف، أي: أرجوزتي ومديحي ونحوهما، ونصر الثاني: عطف بيان، ويثبني: مجزوم في جواب الأمر، يقال: أثابه الله، أي: جزاه وأعطاه، والوفر: المال الكثير. وهذا الرجز قيل لرؤبة، ولم أره في ديوانه، وقيل لغيره، والله أعلم، وقد تكلمنا على هذا في الشاهد السابع عشر بعد المائة، من شواهد الرضي، بأبسط مما هنا.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد السابع والعشرون بعد الستمائة:
(627)
وإني وتهيامي بعزة بعدما
…
تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجى ظل الغمامة كلما
…
تبوأ منها للمقيل اضمحلت
على أن أبا علي قال: "وتهيامي بعزة بعد ما تخليت مما بيننا، وتخلت" معترضة بين اسم إن وخبرها، وهو قوله:"لكالمرتجي" قال أبو الفتح ابن جني في "باب الباء" من "سر الصناعة": وسألت أبا علي عن قول
كثير: وإني وتهيامي بعزة
…
البيت، فقلت له: ما موضع "تهيامي" من الإعراب؟ فأفتى بأنه مرفوع بالابتداء، وخبره بعزة، وجعل الجملة التي هي "تهيامي بعزة" اعتراضاً بين اسم "إن" وخبرها، لإن فيها ضرباً من التسديد للكلام، كما تقول: إنك، فاعلم، رجل سوء، وهذا الفصل، والاعتراض الجاري مجرى التوكيد، كثير في الكلام، وإذا جاز الاعتراض بين الفعل والفاعل في نحو ما أنشدناه أبو علي من قوله:
وقد أدركتني والحوادث جمة
…
أسنة قوم لا ضعاف ولا عزل
كان الاعتراض بين اسم "إن" وخبرها أسوغ، وقد يحتمل بيت كثير أيضاً تأويلاً آخر غير ما ذهب إليه أبو علي، وهو أن يكون "تهيامي" في موضع جر على أنه أقسم به، كقولك: إني وحبك، لضنين بك، وعرضت على أبي على هذا الجواب، فقبله وأجاز ما أجاز؛ فالباء على هذا في "بعزة" متعلقة بنفس المصدر الذي هو التهيام، وهي، فيما ذهب إليه أبو علي، متعلقة بمحذوف هو الخبر عن "تهيامي" في الحقيقة. انتهى كلامه.
وقال في "باب الاعتراض" من "الخصائص" أيضاً: وسألت أبا علي عن بيت كثير "وإني وتهيامي بعزة
…
البيت". فأجاز أن يكون قوله: "وتهيامي بعزة" جملة من مبتدأ وخبر اعترض بها بين اسم إن وخبرها الذي هو قوله: "لكالمرتجي ظل الغمامة .. البيت"، فقلت له: أيجوز أن يكون وتهيامي بعزة قسماً؟ فأجاز ذلك، ولم يدفعه. انتهى.
وعلى قول أبي علي يكون الاعتراض بجملة اسمية، وعلى قول ابن جني يكون الاعتراض بجملة فعلية قسمية، وإنما لم يذكر عطف "تهيامي" على اسم إن لكونه بديهياً واضحاً، فتكون الباء متعلقة به، كقول ابن جني، و"بعد" على التقادير الثلاثة، متعلقة به. وما: مصدرية، والتهيام: مبالغة، مصدر هام يهيم هيماً:
إذا خرج على وجهه، لا يدري أن يتوجه، وذلك من شدة اشتغال باله، والمراد هنا: من فرط العشق، وتخليت: اجتنبت ما كان بيننا من الوصل، يقول: إني مع وجدي المفرط بها الآن بعد ما تركتها، وتركتني، مثل الذي يرجو ظل العمامةوقاية لحر الشمس؛ فهو كلما جلس تحتها زالت عنه، فهو لا ينتفع بظلها أبداً؛ فكذلك وجدي بها الآن، لا ينفعني بعد انقطاع أسباب الوصلة بيننا، وقوله:"كلما تبوأ" منصوب على الظرفية الزمانية أو المكانية، أي كل زمان، أو كل مكان، وتبوأ: اتخذ مباءة، أي: ونزلاً، يقال: تبوأ بيتاً، أي: اتخذه سكناً. والمقيل: مصدر قال يقيل قيلاً ومقيلاً: إذا نام بعد الظهر، واضمحل الشيء اضمحلالاً: ذهب وفني، واضمحل السحاب: انقشع. كذا في "المصباح" والبيتان من قصيدة لكثير عزة، وهي جيدة، قال القالي في "أماليه": قرأت هذه القصيدة على أبي بكر بن دريد في شعر كثير، وهل من منتخبات شعره، وهي:
خليلي هذا ربع عزة فاعقلا
…
قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلت
ومسا تراباً كان قد مس جلدها
…
وبيتا وظلا حيث باتت وظلت
ولا تيأسا أن يمحو الله عنكما
…
ذنوباً إذا صليتما حيث صلت
وما كنت أدري قبل عزة ما البكا
…
ولا موجعات القلب حتى تولت
وقد حلفت جهداً بما نحرت له
…
قريش غداة المأزمين وصلت
أناديك ما حج الحجيج وكبرت
…
بفيفا غزال رفقة وأهلت
وكانت لقطع العهد بيني وبينها
…
كناذرة نذراً فأوفت وحلت
ويروى: وفت فأخلت.
فقلت لها يا عز كل مصيبة
…
إذا وطنت يوماً لها النفس ذلت
ولم يلق إنسان من الحب ميعة
…
تغم ولا عمياء إلا تجلت
كأني أنادي صخرة حين أعرضت
…
من الصم لو تمشي بها العصم زلت
صفوحاً فما تلقاك إلا بخيلة
…
فمن مل منها ذلك الوصل ملت
أباحت حمى لم يرعه الناس قبلها
…
وحلت تلاعاً لم تكن قبل حلت
فليت قلوصي عند عزة قيدت
…
بقيد ضعيف فر منها فضلت
وغودر في الحي المقيمين رحلها
…
وكان لها باغ سواي فبلت
وكنت كذي رجلين رجل صحيحة
…
ورجل رمى فيها الزمان فشلت
وكنت كذات الظلع لما تحاملت
…
على ظلعها بعد العثار استقلت
أريد الثواء عندها وأظنها
…
إذا ما طلبنا عندها المكث ملت
فما أنصفت أما النساء فبغضت
…
إلينا وأما بالنوال فضنت
يكلفها الغيران شتمي وما بها
…
هواني ولكن للمليك استذلت
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر
…
لعزة من أعراضنا ما استحلت
قال أبو علي: قيل لكثير: أنت أشعر أم جميل؟ فقال: بل أنا، فقيل: أتقول هذا وأنت راويته! ؟ قال: جميل الذي يقول:
رمى الله في عيني بثينة بالقذى
…
وفي الغر من أنيابها بالقوادح
وأنا أقول:
هنيئاً مريئاً غير داء مخامر .. البيت
ووالله ما قاربت إلا تباعدت
…
بصرم ولا أكثرت إلا أقلت
فإن تكن العتبى فأهلاً ومرحباً
…
وحقت بها العتبى لدينا وقلت
وإن تكن الأخرى فإن وراءنا
…
منادح لو سارت بها العيس كلت
خليلي إن الحاجبية طلحت
…
قلوصيكما وناقتي قد أكلت
فلا يبعدان وصل لعزة أصبحت
…
لعاقبة أسبابه قد تولت
أسيئي بنا أو أحسني لا ملومة
…
لدينا ولا مقلية إن تقلت
ولكن أنيلي واذكري من مودة
…
لنا خلة كانت لديك فطلت
وإني وإن صدت لمثن وصادق
…
عليها بما كانت إلينا أزلت
فما أنا بالداعي لعزة بالجوى
…
ولا شامت إن نعل عزة زلت
فلا يحسب الواشون أن صبابتي
…
بعزة كانت غمرة فتجلت
فأصبحت قد أبللت من مدنف بها
…
كما أدنفت هيماء ثم استبلت
والله ثم الله ما حل قبلها
…
ولا بعدها منخلة حيث حلت
وما مر من يوم علي كيومها
…
وإن عظمت أيام أخرى وجلت
فأنحت بأعلى شاهق من فؤاده
…
فلا القلب يسلاها ولا العين ملت
فيا عجباً للقلب كيف اعترافه
…
وللنفس لما وطنت كيف ذلت
وإني وتهيامي بعزة بعدها
…
تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجي ظل الغمامة كلما
…
تبوأ منها للمقيل اضمحلت
كأني ،إياها سحابة ممحل
…
رجاها فلما جاوزته استهلت
قال أبو علي: المأزمان: عرفة والمزدلفة، وأناديك: أجالسك، مأخوذ من الندي والنادي جميعاً، وهو المجلس، وميعة كل شيء: أوله. والصفوح: المعرضة، وبلت: ذهبت. قال أبو علي: ما أعرف بلت ذهبت إلا في تفسير هذا البيت، والعتبى: الإعتاب. يقال عاتبني فلان فأعتبته، إذا نزعت عما عاتبك عليه، والعتبى: الاسم، والإعتاب: المصدر، وقوله: وطلحت، الطليح: المعيى الذي قد سقط من الإعياء، وطلت: هدرت، وأذلت: اصطنعت، ويقال: بل من مرضه وأبل واستبل: إذا برأ، واعترافه: اصطباره، يقال: نزلت به مصيبة فوجد عروفاً، أي صبوراً، والعارف: الصابر، هذا ما أورده أبو علي القالي، وقوله: