الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
به -أي: بقوله: ارحل- كمال إظهار الكراهة لإقامته، وقوله: لا تقيمن عندنا أوفي بتأديته لدلالته عليه بالمطابقة. قال السعد في "المطول": فإن قلت: قوله: لا تقيمن عندنا إنما يدل بالمطابقة على طلب الكف عن الإقامة، لأنه موضوع النهي، وإما إظهار كراهة المنهي، فمن لوازمه ومقتضياته، فدلالته عليه تكون بالالتزام دون المطابقة. قلت: نعم، ولكن صار قولنا: لا تقم عندي بحسب العرف حقيقة في إظهار كراهة إقامته وحضوره، حتى إنه كثيراً ما يقال: لا تقم عندي، ولا يراد كفه عن الإقامة، بل مجرد إظهار كراهة حضوره، والتأكيد بالنون دال على كمال هذا المعنى، فصار:"لا تقيمن عندنا" دالاً على كمال إظهار الكراهة لإقامته بالمطابقة. انتهى المراد منه.
والبيت لم أقف على تتمته، ولا على قائله، والله أعلم.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والسبعون بعد الستمائة:
(671)
ذكرتك والخطي يخطر بيننا
…
وقد نهلت منا المثقفة السمر
هو أول أبيات ثلاثة أوردها أبو تمام في أول "الحماسة"، وبعده:
فو الله ما أدري وإني لصادق
…
أداء عراني من حبابك أم سحر
فإن كان سحراً فاعذريني على الهوى
…
وإن كان داء غيره فلك العذر
قال ابن جني في "إعراب الحماسة: قوله: وقد نهلت منا المثقفة السمر، منصوب الموضع إلا أنه بدل من قوله والخطي يخطر بيننا، وذلك منصوب بقوله ذكرتك، وجاز إبداله منه لما في الثاني من البيان الزائد على ما في الأول، ألا ترى أنه قد يخطر الخطي بينهم، ثم لا يكون مع ذلك ناهلاً، بأن يكون تجاول من غير تطاعن، وقد جاء به شاعرنا فقال:
وتوهموا اللعب الوغى والطعن في الهيجاء غير االطعن في الميدان
وجاز أن يبدل قوله: وقد نهلت منا المثقفة، وإن كان جملة من فعل وفاعل من قوله: والخطي يخطر بيننا، وإن كان جملة من مبتدأ وخبر، من حيث كانت "قد" تقرب الماضي من الحاضر، والحاضر كما ترى كالاسم، ونظيرها قولك: زرتني والخوف شاغل، وقد أحجم كل أحد عن الزيارة. ويجوز أن يكون قوله: وقد نهلت حالاً من الضمير المجرور في "بيننا" فلا يكون إذن بدلاً مما قبله. انتهى كلامه.
ومنه علم أن صاحب القيل هو ابن جني. والخطي بفتح الخاء: الرمح، منسوب إلى الخط، وهو موضع باليمامة، قال صاحب "المصباح": والرماح لا تنبت بالخط، ولكنه ساحل للسفن التي تحمل القنا إليه، وتعمل فيه، وقال الخليل: إذا جعلت النسبة اسماً، قلت: خطية، بكسر الخاء، ولم تذكر الرماح في البيت. انتهى. فعلى هذا يجوز كسر الخاء في البيت، وتخطر، بكسر الطاء، مضارع خطر، بفتحها، والمصدر: الخطر والخطران، ورمح خطار، أي: ذو اهتزاز، ونهلت من باب فرح: رويت، والمثقفة: المعدلة، والتثقيف: تعديل المعوج، والسمر: جمع أسمر، من صفة الرمح، وعراني: حديث بي، والحباب، بكسر الحاء بعدها موحدة: المحبة، وروي بالجمي والنون. قال التبريزي في شرحه: قوله: وقدن هلت منا، أي: من دمائنا، والنهل من الأضداد لوقوله على الريان والعطشان، كأن حقيقة النهل أول السقي، والاكفتاء به قد يقع وقد لا يقع، فلذلك استعمل النهل في الري والعطش، ومصدر ذكرتك: الذكر، بضم الذال، لأن الذكر، بضم الذال، بالقلب، والذكر، بالكسر: باللسان، ونبه بهذا الكلام على قلة مبالاته
بالحرب واشتياقه في حال اختلاف الرمح بينهم بالطعن، والحباب: الحب، كأنه مصدر حببته، وقد يكون مصدر حاببته، ويكون جمع الحب أيضاً، وكأنه جمعه على اختلاف أحواله فيه، ويروى من جنابك، أي: من ناحيتك، يقول: إن كان ما بي سحراً، فلي عذر في هواك، لأن من يسحر يحب، وإن كان داء غير السحر، فالعذر لك، لأني وقعت فيه بتعرضي لك، وفكري في محاسنك، والدلالة على أن "فاعذرني" في موضع: فلي عذر، ما قابله به من قوله:"فلك العذر" وفي هذا إسقاط سؤال السائل: لم قال: اعذرني ولا ذنب له، وإنما يحتاج إلى بسط العذر من له ذنب؟ ! انتهى كلامه.
وهذه الأبيات لأبي عطاء السندي، واسمه مرزوق، وقيل: أفلح بن يسار مولى بني أسد، وكان يسار سندياً أعجمياً لا يفصح، وابنه أبو عطاء عبد أسود لا يكاد يفصح أيضاً من لثغة ولكنة، وهو مع ذلك من أحسن الناس بديهة، وهوشاعر فحل في طبقته، وكان من شعراء بني أمية وشيعتهم، وهجا بني هاشم، ومات بعد موت منصور العباسي، وقد بسطنا ترجمته في الإنشاد الخامس والتسعين بعد السبعمائة من شواهد الرضي.