الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع
أنشد فيه، وهو الإنشاد التسعون بعد الستمائة:
(690)
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا
…
بنوهن أبناء الرجال الأباعد
أصل الكلام فيه: بنو أبنائنا مثل أبنائنا، فقدم وأخر، وحذف "مثل" للعلم بقصد التشبيه، لأن المراد تشبيه أبناء الأبناء بالأبناء لا العكس. قال المصنف في "شرح أبيات ابن الناظم": قد يقال: إن هذا البيت لا تقديم فيه ولا تأخير، وإنه جاء على عكس التشبيه مبالغة، كقوله:
ورمل كأوراك العذارى قطعته
وقال العيني: هذا البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر، والبيانيون على التشبيه، والفقهاء والفرضيون على دخول أبناء الأبناء في الميراث والوصية، والوقف، وعلى أن الانتساب إلى الآباء، ولم أر أحداً منهم عزاه إلى قائله والله أعلم.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والتسعون بعد الستمائة:
(691)
ولا يك موقف منك الوداعا
صدره:
قفي قبل التفرق يا ضباعا
على أن فيه اسم "يك" نكرة، وخبرها معرفة، لضرورة الشعر، ويجوز عند ابن مالك والرضي الإخبار عن النكرة بالمعرفة في بابي "إن" و"كان" في اختيار الكلام، وقد أوردنا ما يتعلق بهذا في الشاهد الثالث والأربعين بعد المائة، وفي ما بعد الشاهد الواحد والأربعين بعد السبعمائة من شواهد الرضي.
وضباع: مرخم ضباعة، فحذفت الهاء للترخيم، وعوض منها الألف، قال الأعلم: والوقف عليها عوض من الهاء، لأنهم إنما رخموا ما فيه الهاء، ثم لما وقفوا عليه، ردوا الهاء للوقف، فلما لم يمكنهم رد الهاء، جعلوا الألف عوضاً منها على ما بينه سيبويه.
قال الدماميني في "شرح التسهيل": قد يقال: لا نسلم أن هذه الألف عوض عن الهاء المحذوفة، بل هي ألف الإطلاق، والمسألة لا يستدل عليها بالشعر، فإن ثبت مثل ذلك في النثر ثبت الدعوى، وإلا فلا. انتهى. ولا يخفى أنه يجوز أن يأتي حرف لمعنيين، كألف التثنية، فلا مانع من كون ألف الإطلاق عوضاً. وقوله: والمسألة لا يستدل عليها إلى آخره، أقول: هذا التعويض مخصوص بالقافية، فكيف يستدل له بالنثر. قال سيبويه في "الكتاب" أعلم أن الشعراء إذا اضطروا، حذفوا هذه الهاء في الوقف، وذلك لأنهم يجعلون المدة التي تلحق القوافي بدلاً منها. قال ابن الخرع:
كادت فزارة تشقى بنا
…
فأولى فزارة أولى فزارا
وقال القطامي:
قفي قبل التفرق يا ضباعا
وقال هدبة:
عوجي علينا واربعي يا فاطما
وإنما كان الحذف للهاءات ألزم في الوصل، وفيها أكثر منه في سائر الحروف في النداء، من قبل أن الهاء في الوصل في غير النداء تبدل مكانها التاء، فلما صارت الهاء في موضع يحذف منه في الابتداء فيه تخفيفاً، كان ما يبدل ويتغير أولى بالحذف، وهو له ألزم، وجعلوا تغييره الحذف في موضع الحذف إذا كان متغيراً لا محالة، وسمعنا الثقة من العرب يقول: يا حرمل، يريد: يا حرملة، كما قال بعضهم: ارم، يقفون بغير هاء، هذا نصه بحروفه.
قال السيرافي: ويجوز هذه الأبيات في غير الضرورة، لأن سيبويه حكى: يا حرمل في: يا حرملة، وغذا كان كذلك، فليس بضرورة، لأن فتحته في الوصل توجب إذا صارت في قافية مطلقة أن تمد وتوصل، كقولنا في آخر القافية: مررت بعمرو، ورأيت الرجلا. انتهى.
وقوله: ولا يك موقف .. إلى آخره. قال اللخمي في "شرح أبيات الجمل": يحتمل وجهين، أحدهما: أن يكون على الطلب والرغبة، كأنه قال: لا تجعلي هذا الموقف آخر وداعي منك، والآخر: أن يكون على الدعاء، كأنه قال: لا جعل الله موقفك هذا آخر الوداع. انتهى. ففيه حذف مضاف من الوداع، وقدره بعضهم موقف الوداع، وهذا أحسن، وروى الأخفش المجاشعي في كتاب "المعاياة":
ولا يك موقفاً منك الوداعا
وقال: نصب موقفاً لأنه أراد: قفي موقفاً، ولا يكن الوداعا، هذا إنشاد بعضهم فيما ذكروا، ورفع بعضهم موقف. انتهى. وعليه فاسم "يك" ضمير المصدر المفهوم من "قفي" كأنه قال: ولا يكن الموقف موقف الوداع، و"يك" أصله:"يكن" حذفت النون تخفيفاً لكثرة الاستعمال. قال اللخمي: وفيه عطف المفرد، وهو قوله: ولا يك، على المبني، وهو قوله: قفي، وإنما سوغ ذلك وجود العامل وهي "لا" كقوله تعالى:(وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا ولْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ)[العنكبوت/12]، ولو قلت: اقصدني وأكرمك، بالجزم على اللفظ، لم يجز عند البصريين، لأن "اقصدني" فعل مبني لا جازم له، فلا يعطف على لفظه، فلو قلت: اقصدني ولأحدثك، فأدخلت لام الأمر، جازت المسألة كما في الآية. وأقول: هذا غلط منه أو تغليط، فإن عطف "ولا يك" على قفي من عطف جملة على جملة، وأما عدم جواز المثال، فلأنه من قبيل عطف مفرد على جملة لا جازم لمسندها، وأم تصحيحه باللام، فمن عطف جملة على جملة كالآية، لا من عطف مفرد على مفرد.
والبيت مطلع قصيدة للقطامي التغلبي مدح بها زفر بن الحارث الكلابي القيسي، وكان بنو أسد أحاطوا به في نواحي الجزيرة، وأسروه يوم الخابور، وأرادوا قتله، فحال زفر بينه وبينهم وحماه، وحمله وكساه، وأعطاه مائة ناقة، فمدحه بهذه القصيدة وأشار إلى هذا في هذه القصيدة بقوله:
أكفراً بعد رد الموت عني
…
وبعد عطائك المائة الرتاعا
وهو من شواهد الرضى، وشرحناه في الشاهد التاسع والتسعين بعد الخمسمائة من شواهده وغيرها، وخص قيساً وتغلب على السلم. كذا في شرح ديوانه. وبعد هذا البيت: