الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والأربعون بعد الخمسمائة:
(544)
كنت ويحيى كيدي واحد
…
نرمي جميعاً ونرامى معا
على أن معاً وجميعاً بمعنى واحد، وهو اتحاد الفعل في وقت واحد، ولا دليل عليه في البيت، والمشهور ما قاله ثعلب، ويأتي نقله في كلام ابن الشجري في الإنشاد الثاني بعد هذا، قال صاحب "المصباح": تقول: خرجنا معاً، أي: في زمان واحد، وكنا معاً، أي: في مكان واحد، منصوب على الظرفية، وقيل: على الحال [أي: مجتمعين]، والفرق بين فعلنا جميعاً، وفعلنا معاً، أن معاً تفيد الاجتماع حالة الفعل، وجميعاً بمعنى كلنا يجوز فيها الاجتماع والافتراق. انتهى. والبيت من أبيات أوردها المبرد في أواخر "الكامل" لمطيع بن إياس قال: وهذا باب ظريف من أشعار المحدثين، قال مطيع بن إياس الليثي يرثي يحيى بن زياد الحارثي، وكان صديقه، وكان يرميان معاً بالخروج عن الملة:
يا أهل بكوا لقلبي القرح
…
وللدموع الهوامل السفح
راحوا بيحيى إلى مغيبة
…
في القبر بين التراب والصفح
راحوا بيحيى ولو تطاوعني الأقـ
…
ـدار لم تبتكر ولم ترح
يا خير من يحسن البكاء له
…
اليوم ومن كان أمس للمدح
قد ظفر الحزن بالسرور وقد
…
أديل مكروهنا من الفرح
وفي يحيى يقول مطيع لنبوة كانت بينهما:
كنت ويحيى كيدي واحد
…
نرمي جميعاً ونرامى معا
إن سره الدهر فقد سرني
…
أو حادث ناب فقد أفظعا
أو نام نامت أعين أربع
…
نعم وإن هب فلن أهجعا
حتى إذا ما الشيب في عارضي
…
لاح وفي مفرقه أسرعا
سعى وشاة طبن بيننا
…
فكاد حبل الوصل أن يقطعا
فلم ألم يحيى على حادث
…
ولم أقل جار ولا ضيعا
انتهى. وقد تقدمت ترجمتهما في الإنشاد الحادي عشر بعد الخمسمائة. وقوله: كيدي واحد، أي: كيدي رجل واحد، ونرمي بالبناء للفاعل، ونرامى، بالبناء للمفعول، وهب: استيقظ من نومه.
وقوله: سعى وشاة طبن، بضم الطاء المهملة والموحدة: جمع طبن، بفتح فكسر، وصف من الطبنة وهي الفطنة وزناً ومعنى، وروى القالي في "ذيل الأمالي" عن عبد الله بن إبراهيم الجمحي قصة لهذه الأبيات على خلاف رواية المبرد قال: نشأ في قريش ناشئان، رجل من بني مخزوم، ورجل من بني جمح، فبلغا في الوداد ما لم يبلغ بالغ حتى إذا رمي أحدهما، فكأن قد رميا جميعاً، ثم دخلت وحشة بينهما من غير شيء يعرفانه، فتغيرا، فلما كان ليلة من الليالي، استيقظ المخزومي، ففكر ما الذي شجر بينهما، وكان المخزومي يقال له: محمد، والجمحي يحيى، فنزل من سطحه، وخرج حتى دق عليه بابه فاستنزله فنزل إليه، فقال له: ما جاء بك في هذه الساعة؟ قال: جئتك لهذا الذي حدث ما أصله وما هو؟ قال: فقال: [والله لا أعرف له أصلاً، قال عبد الله: فبكيا حتى كادا يصبحان، ثم عاد كل واحد منهما إلى منزله، فأصبح المخزومي وهو يقول: ]
كنت ويحيى كيدي واحد
…
نرمي جميعاً ونرامى معا
يسرني الدهر إذا سره
…
وإن رمينا بالأذى أوجعا
حتى إذا ما الشيب في مفرقي
…
لاح وفي عارضه أسرعا
وشى وشاة طبن بيننا
…
فكاد حب الوصل أن يقطعا
وزاد غير عبد الله بن إبراهيم:
فلم ألم يحيى على وصله
…
ولم أقل خان ولا ضيعا
انتهى. والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.