الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال السهيلي: الهنة، كناية عن كل شيء لا يعرف اسمه، أو تعرفه فتكني عنه. انتهى. وتقدم في الإنشاد الخامس والثلاثين بعد المائة من رواية البخاري عن البراء أن النبي صلى الله عليه وسلم، ارتجز بهذا الرجز من كلمات ابن رواحة، وهو ينقل التراب يوم الخندق، وتقدمت ترجمة عامر بن الأكوع في الإنشاد الخامس والثلاثين بعد المائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الرابع والخمسون بعد الخمسمائة:
(554)
فأحر به بطول فقر وأحريا
على أن تأكيد فعل التعجب بالنون شاذ، فإن أحريا أصله: أحرين به، فحذف المتعجب منه المجرور بالباء الزائدة، وأبدلت نون التوكيد الخفيفة ألفاً للوقوف. وهو عجز وصدره:
ومستخلف من بعد غضيا صريمة
واعلم أن هذا البيت لم يعرف قائله، وقد اختلف في كلمتين منه: الأولى غضيا، الثانية الكلمة الأخيرة، والأولى أوردها "الأزهري" في معتل اللام من "تهذيب اللغة" قال: نار غاضية: عظيمة، أخذ من نار الغضي، وهو من أجود الوقود عند العرب، يقال: غضاة وغضى، ويقال لمنبتها الغضيا، وقال ابن السكيت: يقال للإبل الكثيرة: غضيا؛ مقصورة، شبهت عندي بمنابت الغضى وأنشد ابن الأعرابي:
ومستخلف من بعد غضيا صريمة
…
فأحر به من طول فقر وأحريا
أراد: وأحرين، فجعل النون ألفاً ساكنة. وقال ثعلب عن ابن الأعرابي: غضييا مثل هنيدة مائة من الإبل لا ينصرفان، وأنشد المفضل البيت، وروى عمرو عن أبيه قال: الغضيانة: الجماعة من الإبل الكرام، والغضيا: مائة من الإبل. انتهى كلام الأزهري. ومن خط ياقوت الحموي نقلت، وقد فتشت "إصلاح المنطق"، فلم أجد هذه الكلمة، ولعله قاله في كتاب آخر، لكن قال المصنف فيما نقله عنه السيوطي: إن ابن السكيت قال في "إصلاح المنطق": غضيا بالمثناة، وأحربا، بالموحدة، ولم يذكر هذه الكلمة ابن دريد في "الجمهرة" لا في الصحيح ولا في المعتل، ولا الصاغاني في الصحيح، ولا في "الذيل" و"الضلة" لكتاب "التكملة"، وكذا أورد القالي في كتاب "الممدود والمقصور" هذه الكلمة غضيا بالمثناة التحتية، وقال: غضيى معرفة لا تنون، وهي مائة من الإبل عن الأصمعي، وأنشد البيت، وقال: أراد: أحرين، بالنون الخفيفة، وتبعها صاحب "القاموس" فقال في المعتل: وغضيى كسلمى: مائة من الإبل.
وأورد الجوهري هذه الكلمة في الباء الموحدة في الصحيح، فقال: وغضبى: مائة من الإبل، وهي معرفة لا تنون، ولا يدخلها الألف واللام، وأنشد ابن الأعرابي: ومستخلف من بعد غضبى صريمة
…
البيت
قال: أراد النون، فوقف. انتهى. ولم يعترض عليه ابن بري في "أماليه" على "الصحاح" بشيء، ولا الخليل الصفدي في كتابه "نفوذ السهم في ما في صحاح الجوهري من الخطأ والوهم".
وكتب على هذا الموضع ياقوت الموصلي: هذا الموضع مما استدركه على ابن فارس في "المجمل" أبو علي الحسن بن المظفر النيسابوري، فقال قوله: غضبى مائة من الإبل؛ لعله رآه في "ديوان الأدب" فوافقه عليه، وهو تصحيف فاحش من الرجلين، والصواب، الغضبى وهو باب "غضى". انتهى.
قلت: والجوهري أيضاً تبع خاله الفارابي، فأورده كما ذكره، واعتبرت "التهذيب" للأزهري، فقرأت في خطه في المعتل: الغضيى: مائة من الإبل، واستشهد بالبيت عليه، فقد صح ما ذكره النيسابوري، هذا آخر كلام ياقوت.
فأفادنا أن أول من صحف هذه الكلمة الفارابي، وتبعه ابن فارس، والجوهري، وتبع صاحب "القاموس" تخطئة الجوهري، فقال: وقول الجوهري: غضبى اسم مائة من الإبل تصحيف، والصواب غضبى بالمثناة تحت. ورأيت في كتاب "الإبل" للأصمعي في نسخة غير موثوق بها: غضبى بالموحدة قال: وقال: أتانا بغضبى معرفة لا تنون، وغضبى: مائة من الإبل، وأنشد البيت، وكذلك رأيتها بالباء الموحدة في كتاب "المقصور والممدود" لابن ولاد، لكن في نسخة صحيحة قال: غضبى: مائة من الإبل معروفة، كذلك هنيدة وأنشد البيت، وكتب كاتبها في آخر النسخة: تم "المقصور والممدود" وكتبه الحسن بن علي الصقلي بخطه، وقرأت هذا الكتاب على أبي الحسين علي بن أحمد بن محمد بن جعفر المهلبي قدم علينا دمشق سنة أربع وأربعين وثلاثمائة، وقرأه أبو الحسن علي أبي العباس أحمد بن محمد بن الوليد ابن ولاد النحوي، وهو مصنف هذا الكتاب، وقال أبو الحسين المهلبي: صنف أبو العباس هذا الكتاب في سنة ثلاث وثلاثمائة قبل مولدي بسنة. انتهى.
فيكون ابن ولاد أيضاً ممن صحف هذه الكلمة، والعجب من ابن حيان، فإنه نقل عن ابن ولاد أن غضبى بالنون، فإنه قال في باب التصريف من "شرح التسهيل": غضبى: معرفة اسم لمائة من الإبل، وقال ابن ولاد: هي غضنى بالنون. انتهى.
وأما الكلمة الأخيرة وهي: أحريا، فالمشهور أنها بالمثناة التحتية على أنها صيغة تعجب، والمتعجب منه محذوف لدلالة الأول عليه، كقوله تعالى:(أَسْمِعْ بِهِمْ وأَبْصِرْ)[مريم/38] وفعله حري يحرى حرى، كتعب يتعب تعباً، ولما كانت هذه الصيغة في صورة الأمر حذف حرف العلة من آخرها كما يحذف من الأمر، فقيل: أحر به! ولما أكدت هذها لكلمة شذوذاً، رجع المحذوف فقيل: أحرين، وإنما رجع، لأن هذه النون تطلب أن يكون ما قبلها
مفتوحاً، ولو فتحت الراء ولم يرجع المحذوف، لتغيرت الصيغة، فلم تدل على التعجب، ونون التوكيد الخفيفة إذا وقف عليها تبدل ألفاً، فيكون "أحريا" تأكيداً لقوله: أحر به! والوصف من هذه المادة: حري كفتي، بمعنى اللائق والخليق والجدير، ويثنى ويجمع، وقد يوصف بالمصدر للمبالغة، فيقال: زيد حري بأن يفعل كذا، ولا يثنى ولا يجمع، لأن المصدر يصدق على القليل والكثير، ويتعجب منها بالصيغة الأخرى، فيقال: زيد ما أحراه بكذا، ورواه جماعة:"وأحربا" بالموحدة وكسر الراء، فيكون أيضاً صيغة تعجب أكدت بالنون شذوذاً، وحذف المتعجب منه أيضاً، والأصل أحرب به، ومعناه: التعجب من أخذ ماله جميعاً.
قال الأزهري في "التهذيب": ويقال حُرب فلان حرباً، فالحرب: أن يؤخذ ماله كله، فهو رجل حرب، أي: نزل به الحرب، وهو محروب وحريب، وحريبة الرجل: ماله الذي يعيش به، والحريب: الذي سلب حريبته. انتهى. وقال صاحب "المصباح" أيضاً: حرب حرباً من باب تعب: أخذ جميع ماله، فهو حريب، وحرب: بالبناء للمفعول كذلك، فهو محروب. انتهى. وكذا أورده الأصمعي بالموحدة في "كتاب الإبل" وفسره بهذا المعنى، وقال: الألف بدل من النون، قال بعد إنشاد البيت: يريد أحرب بما أصابه، أي: دخل عليه حرب، وسمعت من أبي طرفة يقول:"والله لا أسمح به وأحربن" بالنون الخفيفة. انتهى.
[ونقل السيوطي عن المصنف أنه قال: قيل: غضيى بالمثناة التحتية، وأحربا: بالموحدة، وعليه صاحب "المحكم" وابن السكيت في "إصلاحه"].
وقال ابن السيرافي في شرحه، أراد: رب إنسان صار ماله قليلاً بعد أن كان كثيراً، فأحر به! تعجب كما تقول: أكرم به! يريد: ما أحراه أن يطول فقره. وقوله: وأحربا: تعجب من قولهم حرب الرجل: إذا ذهب ماله وإذا قل. قال المصنف: على هذا، فلا تأكيد [ولا نون]، وخرج البيت من أيدينا، ثم قال: ولم يذكر