الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والموضونة: المحكمة، وأواري: أغطي، وأثناء: جمع "ثنا" بالقصر: وهو تراكب المشي بعضه على بعض، والجثى، بضم الجيم بعدها ثاء مثلثة، جمع جثوة: وهو تراب مجموع أراد به تراب القبر، وقد شرحنا هذه المقصورة في أيام الشباب منذ ثلاثين سنة، وذكرنا ترجمة ناظمها فيه، وترجمناه أيضاً في الشاهد الثامن والسبعين بعد المائة من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الستون بعد الستمائة:
(660)
بآية يقدمون الخيل شعثاً
هذا صدر وعجزه:
كأن على سنابكها مداما
على أن "آية" عند سيبويه مضاف إلى الجملة الفعلية. وهذا نصه في "الكتاب": ومما يضاف إلى الفعل أيضاً "آية" قال الأعشى:
بآية يقدمون الخيل شعثاً
…
البيت
وقال يزيد بن عمرو بن الصعق:
ألا من مبلغ عني تميماً
…
بآية ما يحبون الطعاما
فـ "ما" لغو. انتهى.
قال السيرافي في شرحه: وأما آية فمعناها: علامة، إلى أن قال: والشاهد في
قوله: تقدمون الخيل شعثاً، وأما قوله: بآية ما يحبون الطعام، فالشاهد فيه إذا جعلت "ما" لغواً، وليس بلازم جعلها لغواً، لأنه يحتمل أن يجعل "ما" و"يحبون" مصدراً، كأنه قال: بآية محبتهم الطعاما، ومثله قول عمر ابن أبي ربيعة:
رآية ما قالت غداة لقيتها
…
بمدفع أكنان أهذا المشهر
انتهى كلامه. فالسيرافي يجوز إضافة "آية" إلى المفرد المؤول من الفعل، وحرف المصدر، بخلاف سيبويه.
وقال النحاس في شرح شواهده: كان أبو إسحاق يرى أنه حكاية، وقال غيره: المراد المصدر، وقال المبرد: إضافة آية إلى الفعل بعيد، وجاز على بعد للزوم الإضافة، لأن آية لا تكاد تفرد إذا أردت بها العلامة. انتهى. ويرد على المبرد قوله تعالى:(وآيَةٌ لَّهُمُ اللَّيْلُ)[يس/ 37]، (وآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ)[يس/ 41].
وقال الأعلم في شرح شواهده: الشاهد فيه إضافة آية إلى "تقدمون" على تأويل المصدر، أي: بآية إقدامكم الخيل. يريد: أن المعنى عليه لا أن الفعل مؤول بحرف مصدري مقدر، إذ الغرض أنه مضاف إلى الجملة من دون سالك، وهذا من باب التجريد، وذلك بأن تجرد الفعل عن أحد مدلوليه وهو الزمان، فيتمحض للحدث، كما قيل في قولهم:"تسمع بالمعيدي خير من أن تراه" على رواية الرفع، فيكون "تسمع" مبتدأ و"خير": خبره، وخرج البيضاوي عليه آيات تبعاً لصاحب "الكشاف" منها قوله تعالى:(سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ)
[البقرة/6] فيكون: أأنذرتهم مبتدأ، وسواء خبره، ويقال له: الميل مع جانب المعنى.
قال الأعلم: وجاز هذا فيها، لأنها اسم من أسماء الفعل، لأنها بمعنى علامة، والعلامة من العلم، وأسماء الأفعال تضارع الزمان، فمن حيث جاز أن يضاف الزمان إلى الفعل، جاز هذا في "آية" وكأن إضافتها على تأويل إقامتها مقام الوقت، كأنه قال: بعلامة وقت تقدمون. يقول: أبلغهم عني كذا بعلامة إقدامهم الخيل للقاء شعثاً متغيرة من السفر والجهد، وشبه ما ينصب من عرقها ممتزجاً بالدم على سنابكها بالخمر، والسنابك: جمع سنبك، وهو مقدم الحافر. انتهى.
أراد: أن ذلك لما صار عادة وأمراً لازماً، صار علامة، كأن الشاعر لما حمل إنسان تبيلغ رسالته؛ قال له ذلك الإنسان: بأي علامة يعرف هؤلاء القوم؟ فقال: بعلامة تقديمهم الخيل إلى الحرب، أي: إذا رأيت قوماً بهذه الصفة، فأبلغهم رسالتي، والشعث: جمع أشعث، وهو المغبر الرأس. وقال الدماميني: ضمير تقدمون ضمير غيبة يعود على بني تميم المذكورين قبله، وهو: ألا من مبلغ عني تميماً .. إلى آخره، وهذا لا يصح، فإن كل بيت منهما من شعر آخر، وليسا من قصيدة لقائل واحد، وكل منهما منسوب إلى قائله كما في "كتاب سيبويه".
قال القاضي أبو الفرج بن زكريا يحيى المافى النهرواني في كتاب "الجليس الصالح والأنيس الناصح": للآية في اللغة ثلاثة أوجه، وفي وزنها ثلاثة أقوال، أما الأول فأحد معانيها: العلامة الفاصلة، كقولك:
ألا أبلغ لديك بني تميم .. البيت
وثانيها: الأعجوبة، قال تعالى في مواضع من كتابه عند ذكره ما أحله من النقيمة بأعدائه:(إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً ومَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ)[الشعراء/ 8] بمعنى العجب مما حل بهم عندما كان من تكذيبهم رسل ربهم، والتعبير بالآية عن العقوبات المنكلة كثير في كلام الخاصة من أهل اللسان، كقولهم: قد جعل فلان آية: إذا حل به فظيع من المكروه. ثالثها: أنها المثلة النازلة، ألا ترى أنهم يقولون لمن نزل به شيء من هذا. أو جعل على صفة مذمومة يعير بها، ويسب ويصم بها: فلان آية منزلة. وهذه ثلاثة متقاربة، والأصل العلامة، فإذا قيل: اجعل لكذا آية، فمعناه علامة فاصلة تدل على الشيء بحضورها. وتفقد دلالتها بغيبتها، ألا ترى إلى قوله تعالى:(قَالَ رَبِّ اجْعَل لِّي آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَاّ تُكَلِّمَ النَّاسَ)[آل عمران/ 41] إلى آخر القصة، فإنما سأل ربه أن يجعل له علامة لما وعده وبشره به، فيما جانس هذا مما تضمنه كتاب الله عز ذكره.
وأما الأوجه العربية، فقد اختلفوا في وزنها، فقال الكسائي: أصلها آيية على فاعلة، فكان ينبغي إدغام الياء الأولى في الثانية، فتصير كدابة وشابة، لكنهم استثقلوا التشديد، فحذفوا الأولى. وقال البصريون: أصلها أيية بالتحريك، فقلبت الأولى ألفاً، وقال الفراء: أصلها أية: بفتح الهمزة وتشديد الياء، فاستثقلوا التشديد، فأتبعوا الياء ما قبلها بالفتح، فصارت آية. هذا ملخص ما في كتاب "الجليس الصالح والأنيس الناصح".
وبقي أقوال ثلاثة، أحدها: أن أصلها أيية، بضم الياء الأولى كسمرة، فقلبت العين ألفاً، ورد أنه كان يجب قلب الضمة كسرة. الخامس: أن أصلها أيية كنبقة، بكسر الياء الأولى، فقلبت ألفاً، ورد بأن ما كان كذلك يجوز فيه الفك والإدغام كيحيى وحيي. والسادس: أن أصلها أيية كقصبة كالأول. إلا أنه