الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والسبعون بعد الخمسمائة:
(575)
وزججن الحواجب والعيونا
على أن الواو عطفت عاملاً محذوفاً بقي معموله، والأصل: وكحلن العيون، وقيل: عطفت معمول عامل غير مذكور على معمول آخر يجمعهما معنى واحد وهنا هو التحسين، والاختلاف بين عامليهما إما بتغير المعنى كما ذكر، وكما في قول آخر:
علفتها تبناً وماء بارداً
أو بحسب الزمان مع اتحاد المعنى كما إذا قلت عند قدوم الشتاء: جاء الشتاء والربيع، أي: وسيجيء الربيع، وقيل: لا حذف، وجعل الرمح في قوله:
يا ليت شيخك قد غدا
…
متقلداً سيفاً ورمحا
متقلداً: للمجاورة والمشاكلة، وإليه ذهب الثعالبي في كتابه "أسرار العربية" وقيل: إنه من قبيل الاستعارة بالكناية، وإثبات عامل الأول له تخييل، فشبه الإيمان في قوله تعالى:(تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإيمَانَ)[الحشر/ 9] بمنزل ينزلونه؛ لتمكنهم فيه، ويثبت له التبوؤ تخييلاً.
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وأَسْلِحَتَهُمْ)[النساء/ 102] فإن قلت: كيف جمع بين الأسلحة والحذر في الأخذ؟ قلت:
جعل الحذر، وهو التحرز والتيقظ آلة يستعملها الغازي، فلذلك جمع بينه وبين الأسلحة، وجعلا مأخوذين، ونحو قوله تعالى:(تَبَوَّءُوا الدَّارَ والإيمَانَ)[الحشر/ 9].
وقيل بل ضمن "علفتها" معنى أنلتها وأعطيتها، أو جرد له، قال المصنف: ويرجح هذا صحة نحو: علفتها ماء بارداً وتبناً، بدليل قول طرفة:
لها سبب ترعى به الماء والشجر
فهذه مذاهب أربعة ومثل قول طرفة، قوله تعالى:(ولْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وأَسْلِحَتَهُمْ) وعليه خرج قوله تعالى: (خَلَقَ المَوْتَ والْحَيَاةَ)[الملك/ 2] وقال أبو حيان في "تذكرته" قال أبو عمر في الفرخ: يجوز في العطف ما لا يجوز في الإفراد نحو: أكلت خبزاً ولبناً، وأنشد:
ورأيت زوجك في الوغى
…
متقلداً سيفاً ورمحاً
وزعم: أن نصب رمح بمتقلد وهذا ليس بشيء، لأنه إذا لم ينصب مباشراً لم ينصب بهم عطوفاً لا سيما، في قول من يقدر في المعطوف عاملاً آخر من جنس الأول، والتقليد لا يكون لكل حمل، لأنهم إذا خصصوا نوعاً باسم، لم يستعملوه في موضع الاسم الأعم، نحو حلوان الكاهن، ورشوة الحاكم، وجعل الصانع. وقد استشهد بهذا من لا يجيز تكرار العامل في المعطوف، لأنه عنده معطوف باللفظ إلا أنه مفترق في المعنى، قالوا: وإذا ثبت هذا في المفترقين، كان أمراً مرجوعاً إليه في المجتمعين، وأبو عمر والجماعة لا يفرقون في هذا، ويقولون: الأول يعمل
في الأول لفظاً، وفي الثاني بالمعنى لا باللفظ، ولا يقال: شراب تمر، لكن لما اجتمعا في الطعم حمل الأخص على الأعم، ومن يقدر يقول: العامل المقدر هنا هو المعطوف تقديره: وحاملاً، وهذا مما اختلف فيه أهو سماع أم قياس، والأكثر على أنه قياس كما قدمنا، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنى عام لهما، ومنه قول علقمة:
تراه كأن الله يجدع أنفه
…
وعينيه إن مولاه كان له وفر
أراد: ويفقأ عينيه، والجامع لهما إفساد عضو، وقال آخر:
إذا ما الغانيات برزن يوماً
…
وزججن الحواجب والعيونا
أي: وكحلن العيون، والرابط التزيين، وقوله:
تسمع للأجواف منها صردا
…
ولليدين جسأة وبددا
أي: وتتبين، لأن التبيين والسمع يجمعهما شيء واحد وهو الإدراك، وقوله:
علفتها تبناً وماء بارداً
اجتمعا في الإطعام، وقوله:
يحلين ياقوتاً وشذراً مفقرا
لأن التحلية في الحلي كالتطيب في الطيب، ومنه:(لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ)[الحج/ 40] أي: وأبطلت صلوات، لأن التهديم إبطال، إلى هنا كلام أبي حيان.
والمصراع الشاهد هكذا اشتهر: أوله بالواو، وقال العينين، وتبعه السيوطي، صدره:
إذا ما الغانيات برزن يوماً
وقالا: هو من قصيدة للراعي وما بعده:
أنخن جمالهن بذات غسل
…
سراة اليوم يمهدن الكدونا
والذي رأيته في قصيدة الراعي من رواية "منتهى الطلب" كذا:
وهزة نسوة من حي صدق
…
يزججن الحواجب والعيونا
طلبت وقد تواهقت المطايا
…
بيعملة تبذ السابقينا
وحث الحاديان بأم لهو
…
ظعائن في الخليط الرافعينا
أنخن جمالهن بذات غسل
…
سراة اليوم يمهدن الكدونا
عطفن لنا السوالف من بعيد
…
فقلت عيون آرام كسينا
أولئك نسوة في إرث مجد
…
كرائم يصطفين ويصطفينا
لهن فوارس ليسوا بميل
…
ولا كشف إذا قلن امنعونا
ظعائن من كرام بني نمير
…
خلطن بميسم حسباً ودينا
قوله: وهزة نسوة مفعول مقدم لطلبت، والهزة، بالكسر، قال صاحب "العباب": قال الأصمعي: الهزة من سير الإبل أن يهتز الموكب، أي: يسرع، قال ابن دريد: هزة الموكب: إذا سمعت حفيفه، وأنشد:
كاليوم هزة أجمال بأظعان
وتواهقت: تسابقت، واليعملة: الناقة القوية على العمل، وكناها بأم لهو،
وذات غسل: مكان، وسراة كل شيء، بالفتح: وسطه، والكدون: جمع كدن، بفتح الكاف وكسرها وسكون الدال: مركب للنساء، وثوب توطئ به المرأة نفسها في الهودج، والإرث، بالكسر، الأصل، والميل: جمع أميل: وهو الذي لا يثبت على السرج، والكشف: جمع أكشف: وهو الذي لا سلاح معه، والميسم، بالكسر: الحسن والجمال، والغانيات في المصراع المشهور: جمع غانية: وهي التي غنيت بجمالها عن الحلي، وبرزن: ظهرن، والزجج، بفتحتين: دقة الحاجبين في طول، وهو أزج، وهي زجاء، وزججه: دققه وطوله، ومطلع هذه القصيدة:
أبت آيات حبى أن تبينا
…
لنا خبراً وأبكين الحزينا
وكيف سؤالنا عرصات ربع
…
تركن بقفرة حتى بلينا
وأحجار من الصوان سفعاً
…
بهن بقية مما صلينا
عرفناها منازل آل حبى
…
فلم نملك من الطرب العيونا
وحبى، بالضم والقصر: اسم امرأة، والآيات: العلامات، وفيه حذف، أي: آيات نزلها، وتبين: مضارع أبانه، وخبراً: مفعوله، وأحجار: معطوف على عرصات، وسفع، جمع أسفع: وهو المسود من النار، وصلين: احترقن، والطرب: الخفة الحاصلة من الحزن، وهذه القصيدة افتخارية منها:
وردن المجد قبل بني نزار
…
فما شربوا به حتى روينا
وجدنا عامراً أشراف قيس
…
فكنا الصلب منها والوتينا
ومن يفخر بمكرمة فإنا
…
سبقناها لأيدي العالمينا
عصا كرم ورثناها أبانا
…
ونورثها إذا متنا بنينا
ونحن المانعون لما أردنا
…
ونحن النازلون بحيث شينا
وهي طويلة وترجمة، الراعي تقدمت في الإنشاد الخامس والخمسين بعد المائة.