الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(مع)
أنشد فيه، وهو الإنشاد الثالث والأربعون بعد الخمسمائة:
(543)
أفيقو بني حزن وأهواؤنا معاً
تمامه: وأرحامنا موصولة لم تقضب
على أن "معاً" ظرف، متعلق بمحذوف هو الخبر، وقيل: حال سدت مسد الخبر وتقدم قريباً عن ابن جني والتبريزي أنهما قالا في قول حاتم:
أكف يدي عن أن ينال التماسها
…
أكف صحابي حين حاجاتنا معا
أن معاً نصب على الحال سد مسد الخبر، والبيت من شعر أورده أبو تمام في الباب الأول من "الحماسة"، وكذلك أورده الأعلم في "حماسته"، وقال: هو للأخوص، وقد ضرب بنو عمه مولى يقال له حوشب، وقال التبريزي: يقال: إن هذا الشعر لجندل بن عمرو وهو:
إن كنت لا أرمى وترمى كنانتي
…
تصب جانحات النبل كشحي ومنكبي
فقل لبني عمي فقد وأبيهم
…
منوا بهريت الشدق أشوس أغلب
أفيقول بني حزن وأهواؤنا معاً
…
وأرحامنا موصولة لم تقضب
ولا تبعثوها بعد شد عقالها
…
ذميمة ذكر الغب للمتعقب
فإن تبعثوها تبعثوها ذميمة قبيحة ذكر الغب للمتغبب
سآخذ منكم آل حزن بحوشب
…
وإن كان لي مولى وكنتم بني أبي
قوله: إن كنت لا أرمى وترمى، كلهما بالبناء للمفعول، يقول: إن لم أقصد في نفسي، وقصدت في خدمي وحاشيتي، عاد ذلك القصد بالشر والمساءة علي،
وصرت كأني المقصود، وهذا من باب التمثيل، لأنه جعل الكنانة مثلاً لمولاه الذي يستودعه سره، كما يستودع الرجل الكنانة سهمه.
والتمثيل من محاسن الكلام، وهو أن يروم الشاعر ذكر معنى، فيعدل على الإفصاح به إلى ما يجري مجرى المثل، فيكون مبنياً على مراده فيه، كقول الشاعر:
رماني بأمر كنت منه ووالدي
…
بريئاً ومن أجل الطوي رماني
أراد أنه رجع إليه ما رمى به من قولهم: "من حفر بئراً لأخيه وقع فيها" وكقول الوليد بن عقبة يخاطب معاوية:
وإنك والكتاب إلى علي
…
كدابغة وقد حليم الأديم
أراد أن كتابة إلى علي لا يجدي شيئاً، وكقول ابن ميادة:
ألم تك في يمنى يديك جعلتني
…
فلا تجعلني بعدها في شمالكا
أراد: كنت مقرباً عندك، فلا تبعدني.
وقال التبريزي: وقيل: هذا مثل مضروب، وذلك أن رجلاً من بني فزارة، وآخر من بني أسد، التقيا ومع الفزاري كنانة جديدة، ومع الأسدي كنانة رثة، فقال الأسدي: أينا أرمى؟ فقال الفزاري: أنا، فقال الأسدي: فانصب كنانتك أرمي فيها، فإني أنصب كنانتي حتى ترمي فيها، فنصب الأسدي كنانته، وجعل الفزاري يرميها حتى أنفذ سهامه، فلما رأى الأسدي سهام الفزاري قد نفدت، قال: انصب لي كنانتك حتى أرميها، فنصبها، فرمى، وسدد السهم نحوه حتى قتله، فضرب مثلاً لمن يعمل عملاً وهو يريد غيره.
يقول: إذا تعرض لمن يليني، فقد تعرض لي، وأكون بمنزلة من ترمى كنانته وهي عليه لا يؤمن أن يصيبه ما يطيش من الشدة. انتهى، وتقدم هذا المثل بعينه في الإنشاد التاسع بعد الخمسمائة.
والجناحات: المائلات من الكنانة، وروي: جائحات وهي المستأصلات المهلكات جمع جائحة، بالهمزة والحاء المهملة، والكشح: الخاصرة والمنكب، وهو مجتمع رأس العضد والكتف، وقوله: فقد وأبيهم منوا، أصله: فقد منوا وأبيهم، فاعترض بالجملة القسمية بين قد والفعل، ومنوا ماضي مجهول، يقال: مني بكذا، أي: ابتلي به، ودهي به، وهريت الشدق، أي: مشقوقه، فيكون واسع الفم، وهو من الأوصاف المستحسنة في الخيل، والأشوس: الذي ينظر بمؤخر عينه تكبراً وتغيظاً، والأغلب: الغليظ الرقبة، يعني: قد ابتلوا بلسان متغضب قوي. وقوله: "أفيقوا بني حزن" هو منادى بإضمار "يا" والأهواء: جمع هوى، وهو ميل النفس إلى الشيء، يعني: ومقاصدنا متحدة، يقول: اصحوا يا بني حزن من سكركم وجهلكم في حين مقاصدنا متحدة، وكلمتنا متفقة، وأسباب الرحم موصولة غير منقطعة، والغضب: القطع.
قوله: ولا تبعثوها .. إلى آخره، البعث: التحريك والتهييج، والضمير للحرب المفهومة من المقام، وذميمة: حال منها، والعبء كالحمل، وزناً ومعنى، والمتعقب: الذي يأتي عقبنا، قوله: تبعثوها ذميمة، أي: تذمونها، لما يلحقكم من وبالها، وتغببت الأمر، أي: تفقدت غبه، كما تعقبته عاقبة، أي: تفقدت عاقبته.
والأخوص، بالخاء المعجمة: شاعر فارس، وهو زيد بن عمرو بن قيس بن عتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع، كذا في "المؤتلف والمختلف" للآمدي، وهو شاعر إسلامي عصري الفرزدق.