الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني والثلاثون بعد الستمائة:
(632)
ولا أراها تزال ظالمة
…
تحدث في قرحة وتنكؤها
على أن جملة: "أراها" معترضة بين "لا" وبين "تزال" والأصل: وأراها لا تزال ظالمة. قال الفراء في تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)[الرعد/ 2] جاء فيه قولان، يقول: خلقها مرفوعة بلا عمد ترونها، لا تحتاجون مع الرؤية إلى خبر، ويقال: خلقها بعمد لا ترونها، أي: لا ترون تلك الحمد، والعرب قد تقدم الجحد من آخر الكلمة إلى أولها، فيكون ذلك جائزاً، أنشدني بعضهم:
إذا أعجبتك الدهر حال من امرئ
…
فدعه وواكل حاله واللياليا
يجئن على ما كان من صالح به
…
وإن كان فيما لا يرى الناس آليا
معناه: وإن كان فيما يرى الناس لا يألو، وقال الآخر:
ولا أراها تزال ظالمة
…
البيت.
ومعناه: أراها لا تزال. انتهى. وزعم المبرد في "الكامل" أن الشاعر استغنى بـ "لا" الأولى من إعادتها، ورد عليه ابن السيد فيما كتبه على "الكامل" قال: ليس الأمر كما ذكر، لأنه لو أعاد، لاستحال المعنى إلى ضده، وكان معناه نفي لزوم الظلم عنها، ودوامه منها، وإنما معناه أن "تزال" لما كانت مع ما عملت فيه حدثاً عن الضمير في "لا أراها" كان النفي واقعاً على الخبر الذي هو في تزال وما علمت فيه، وكان التأويل: ولا أراها منفكة من الظلم وتاركة له، وساوت
هذه العبارة في الدلالة قوله: "ولا أراها تزال ظالمة" كما أنشده الأحمر:
ما خلتني زلت بعدكم ضمناً
…
أشكو إليكم حرارة الألم
أي: ما خلتني افنككت من هذا. انتهى كلامه. وهو عجيب منه، فإن شرط إعمال زال أن يتقدمها نفي، ليفيد نفي النفي الدوام والاستمرار، والضمير في "أراها" إنما هو لسليمى، والنفي في التقدير ملاصق لتزال، غايته أنه اعترض بجملة "أراها" بين "لا" وبين زال، ثم قال ابن السيد بعد هذا: يريد أبو العباس أن زال لا تستعمل دون حرف نفي، ولا يجوز: زال زيد قائماً، فكان يجب أن يقول: لا تزال ظالمة، غير أنه لما زاد لا في أول البيت، اكتفى بها عن تكرارها، وكأن الشاعر أراد: وأراها لا تزال، فزاد "لا" كزيادتها في قوله تعالى:(مَا مَنَعَكَ أَلَاّ تَسْجُدَ)[الأعراف/ 12]، وقد حكي أن من العرب من يقول: زال زيد قائماً. فعلى هذا يكون البيت صحيحاً لا حذف فيه، ولا ضرورة. هذا كلامه، وهو فاسد، لأنه يقتضي زوال ظلمها للشاعر، وإنما مراده أن ظلمها له متصل مستمر لا يزول، والقرحة: الجراحة، ومعنى: تنكؤها: تقشرها، يقال: نكأت القرحة أنكؤها نكئاً، من باب نفع: إذا قشرتها، وفيه لغة أخرى، وهي: نكيت أنكي بالياء، من باب رمى، والاسم النكاية بالكسر.
والبيت من قصيدة لإبراهيم بن هرمة، وتقدم مطلعها في الإنشاد الخامس والعشرين بعد الستمائة.