الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والأربعون بعد الخمسمائة:
(545)
إذا حنت الأولى سجعن لها معا
على أن "معاً" تستعمل للجماعة، والمصراع من قصيدة لمتمم بن نويرة الصحابي يرثي بها أخاه مالكاً، وتقدم شرح بعض منها في الإنشاد الثامن والأربعين بعد الثلاثمائة وبعض منها في الإنشاء الثاني والسبعين بعد الأربعمائة، وهي من "المفضليات" وقبله:
وما وجد أظآر ثلاث روائم
…
أصبن متجراً من حوار ومصرعا
يذكرن ذا البث الحزين ببثه
…
إذا حنت الأولى سجعن لها معا
إذا شارف منهن قامت فرجعت
…
حنيناً فأبكى شجوها البرك أجمعا
قوله: وما وجد أظآر
…
إلى آخره، الوجد: الحزن، قال ابن الأنباري في شرحه: الأظآر: جمع ظئر، وهن نوق يعطفن على حوار واحد، فيرضع من اثنتين، ويتخلى أهل البيت بواحدة، والروائم: اللاتي يعطفن عليه جمع رائمة، يقال رئمته رئماناً، إذا شمته بأحبته، والحوار: ولد الناقة. انتهى. والمجر، بضم الميم وفتح الجيم، مصدر ميمي بمعنى الإجرار، مصدر أجر لسان الفصيل: إذا شقه لئلا يرتضع أمه، والمصرع: الهلاك، ومفعول الروائم محذوف تقديره: بؤ، أو هو جلد ولد الناقة يحشى فترأمه وتدر عليه، وروي "وجدن، بدل أصبن". واستشهد بالبيت أبو علي في "الإيضاح" على تأنيث الظئر بتذكير عدده، والظئر يكون في النساء والإبل، غير أنه في النساء أن ترضع ولد غيرها، وفي الإبل تعطف على الفصيل لتدر. وجملة أصبن مجراً .. إلى آخره صفة ثالثة لأظآر، يعني كل واحدة منهن رأت إجرار حوارها، فهي ثكلى ترأم البو، وجملة يذكرن صفة رابعة، والبث: الحزن، والحزين بالنصب صفة لـ "ذا البث" قال ابن الأنباري:
وقد يجوز في الحزين الجر على أن يكون من صفة البث. انتهى. يريد المبالغة بجعل نفس الحزن حزيناً، وفي "تهذيب الأزهري" قال الليث: حنين الناقة على معنيين: حنينها صوتها إذا اشتاقت إلى ولدها، وحنينها نزاعها إلى ولدها من غير صوت. انتهى. و"إذا" يجوز أن تكون ظرفية، وأن تكون شرطية، وقال الأزهري يقال: ناقة ساجع: إذا طربت في حنينها، والتطريب: ترجيع الصوت وترديده، وأراد بالأولى إحداهن، أو أراد الثاكل الأولى، وهي أول من فقدت ولدها من الأظآر الثلاث، والنون في سجعهن راجع إلى ثنتين [منها، فيكون "معاً" للاثنتين] لا للجماعة، كما زعمه المصنف، وإن حملت الأولى على غير هذه الثلاث، صح ما ادعاه، لكنه بعيد. وكأن الدماميني لم يقف على ما قبل الشاهد وما بعده، فإنه قال: لأوالى صفة لمحذوف، يعني إذا حنت الحمامة، أي: صوتت وسجعن معاً، أي: هدرن جميعاً لأجل تصويتها، فقد استعمل معاً في جمع المؤنث. هذا كلامه.
وقوله: إذا شارف منهن .. إلى آخره، الشارف: الناقة المسنة، قال الأصمعي: إنما خص الشارف، لأنها أرق من الفتية لبعد الشارف من الولد، والشجو: الحزن، والبرك، بفتح الموحدة وسكون الراء، قال ابن الأنباري: هو الألف من الإبل، وكذلك العرج. وقوله: فأبكى، هو جواب إذا، والفاء زائدة.
وقوله: بأوجع مني هذا رجوع إلى الأظآر حملاً على المعنى، لأن الخبر عنهن في المعنى، لولا ذلك لقال بأكثر من وجدي، أو يكون قصد المبالغة، فنسب الوجع إلى الوجد مجازاً، كما قالوا شعر شاعر، وروي بدله "بأوجد مني" وتأويله كذلك، وترجمة متمم بن نويرة تقدمت مع مقتل أخيه مالك في الإنشاد الواحد والخمسين.