الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأحيحة بن الجلاح الأوسي كان سيد الأوس في الجاهلية، وكانت أم عبد المطلب ابن هاشم تحته، والمنذر بن محمد بن عقبة بن أحييحة: صحابي شهد بدراً، وأحيحة، بضم الهمزة وفتح الحاء المهملة بينهما مثناة تحتية، وجلاح: بضم الجيم وخفة اللام وآخره حاء مهملة، وقد بسطنا ترجمته في الشاهد السابع والعشرين بعد المائتين من شواهد الرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد التاسع والثمانون بعد الخمسمائة:
(589)
أكلت بنيك أكل الضب حتى
…
وجدت مرارة الكلأ الوبيل
على أن الأكل هنا بمعنى العدوان والظلم. قال ابن الشجري في المجلس العشرين من "أماليه" قال السيرافي في شرح الكتاب: في قولهم: "أكلوني البراغيث" ثلاثة أوجه. أحدها: ما قاله سيبويه وهو أنهم جعلوا الواو علامة تؤذن بالجماعة، وليست ضميراً، والثاني: أن تكون البراغيث مبتدأ، وأكلوني: خبراً مقدماً، فالتقدير: البراغيث أكلوني، والثالث: أن يكون الواو ضميراً على شرط التفسير، والبراغيث بدلاً منه، كقولك: ضربوني وضربت قومك: فتضمر قبل الذكر على شرط التفسير، قال: وكان الوجه على تقديم علامة الجماعة أن يقال: أكلتني البراغيث، لأن ضمير ما لا يعقل من الذكور كضمير الإناث، إلا أنهم جعلوا البراغيث مشبهة بما يعقل حين وصفوها بالأكل، وهي مما يوصف بالقرص، كالبق وشبهه، فأجروها مجرى العقلاء، ولهذا نظائر، منها: قوله تعالى (إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا والشَّمْسَ والْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ)[يوسف/4] لما وصفها بالسجود الذي لا يكون إلا للعقلاء، أجراها في الإضمار والجمع مجراهم، وكذلك
القول في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ)[النمل/ 18] لما وجه الكلام إلى النمل، والخطاب لا يوجه في الحقيقة إلا للعقلاء، أجريت في الإضمار مجرى العقلاء. انتهى كلام أبي سعيد.
وأقول: إن حمل الأكل على السجود والخطاب في الاختصاص بالعقلاء سهو منه، لأن البهائم مشاركة للعقلاء في الوصف بالأكل، والقول عندي أننا لا نحمل قولهم:"أكلوني البراغيث" على الأكل الحقيقي، بل نحمله على معنى العدوان والظلم والبغي، كقولهم: أكل فلان جاره، أي: ظلمه وتعدى عليه، وعلى ذلك قول علفة بن عقيل بن علفة المري لأبيه:
أكلت بنيك أكل الضب
…
البيت.
أي: ظلمتهم وبغيت عليهم، ومنه قول الممزق العبدي:
فإن كنت مأكولاً فكن أنت آكلي
…
وإلا فأدركني ولما أمزق
أي: إن كنت مظلوماً، فتول أنت ظلمي، فظلمك لي أحب إلي من أن يظلمني غيرك، فإذا حملنا الأكل في قولهم:"أكلوني البراغيث" على هذا المعنى، صح إجراء البراغيث مجرى العقلاء، لأن الظلم والتعدي والبغي من أوصاف العقلاء، وقول علفة بن عقيل:"أكلت بنيك أكل الضب" شبه فيه الكل المستعار للتعدي بالأكل الحقيقي، فإن شئت قدرت أن المصدر مضاف إلى المفعول، والفاعل محذوف، أي: أكلت بنيك أكلاً مثل أكلك الضب، وخص الضب بذلك: لأن أكل الضباب تعجب الأعراب، قال راجزهم:
وأنت لو ذقت الكشى بالأكباد
…
لما تركت الضب يسعى بالواد
الكشى: جمع كشية، وهي شحمة مستطيلة في عنق الضب إلى فخذه. وإن شئت قدرت المصدر مضافاً إلى فاعله، والمفعول محذوف، أي: أكلت بنيك أكلاً مثل أكل الضب أولاده، ومن أمثالهم:"أعق من ضب"، لأنه فيما يؤثر يأكل أولاده. وقال بعض أهل اللغة، قولهم:"أعق من ضب" أصله من ضبة، وكثر ذلك في كلامهم، فأسقطوا الهاء، قال: وعقوقها أنها تأكل أولادها، وذلك أنها إذا باضت حرست بيضها من الحية والورل وغير ذلك مما يقدر عليه، فإذا نقبت أولادها، وخرجت من البيض، ظنتها شيئاً يريد بيضها، فوثبت عليه فقتلتها وأكلتها، فلا ينجو منها إلا الشريد، والوبيل: الوخيم. إلى هنا كلام ابن الشجري، وقد أعاده في المجلس الحادي والستين أيضاً.
وما قاله في شرح قولهم: "أعق من ضب" من أن أصله أعق من ضبة لم يذكره غير حمزة الأصبهاني في أمثاله التي على وزن أفعل من كذا، وتبعه الزمخشري في "أمثاله" ونقله الميداني، واعترضه بأن الضب يجوز أن يكون اسم جنس كالنعام والحمام والجراد، وإذا كان ذلك وقع على الذكر والأنثى.
وقول ابن الشجري: إن البيت لعلفة بن عقيل بن علفة ليس كذلك، وإنما هو لأرطاة بن سهية، وروى صاحب "الأغاني" عن أبي عبيدة أن عقيل بن علفة طرد بنيه فتفرقوا في البلاد، وبقي وحده. ثم إن رجلاً من بني صرمة يقال له: بجيل، وكان كثير المال والماشية: حطم بيوت عقيل بماشيته. ولم يكن قبل ذلك أحد يقرب من بيوت عقيل إلا لقي شراً، فطردت أمة له الماشية، فضربها بجيل بعصاً كانت معه. فشجها فخرج إليه عقيل وحده، وقد هرم يومئذ، وكبرت سنه،
فزجره فضربه بجيل بعصاه، واحترقه، فجعل عقيل يصيح: يا علفة، يا عملس بأسماء أ، لاده مستغيثاً بهم، فقال له أرطاة بن سهية:
أكلت بنيك أكل الضب حتى
…
وجدت مرارة الكلأ الوبيل
ولو كان الألى غابوا شهوداً
…
منعت فسناء بيتك من بجيل
وبلغ خبر عقيل ابنه العملس بالشام، فأقبل إلى أبيه حتى نزل إليه، ثم عدا إلى بجيل، فضربه ضرباً مبرحاً وعقر عدة من إبله، وأوثقه، وجاء به حتى ألقاه بين يدي أبيه، ثم ركب راحلته، وعاد من وقته إلى الشام، ولم يطعم له طعاماً، ولم يشرب له شراباً. انتهى.
وأرطاة بن سهية: بضم السين المهملة وفتح الهاء وتشديد المثناة التحتية، قال ابن قتيبة: هو من بني مرة بن عوف بن سعد، ويكنى أبا الوليد، ودخل على عبد الملك بن مروان، فقال له: هل تقول اليوم شعراً؟ فقال: كيف أقول وأنا لا أشرب، ولا أطرب، ولا أغضب، وإنما يكون الشعر بواحدة من هذه؟ على أني أقول:
رأيت المرء تأكله الليالي
…
كأكل الأرض ساقطة الحديد
وما تبقى المنية حين تغدو
…
على نفس ابن آدم من مزيد
وأعلم أنها ستكر حتى
…
توفي نذرها بأبي الوليد
فتطير عبد الملك، وكان يكنى: أبا الوليد، فقال: لم أعنك، إنما عنيت نفسي.
وقال البكري في "اللآلئ شرح أمالي القالي": أرطاة بن سهية: هو أرطاة ابن زفر بن جزء بن شداد، أحد بني مرة بن نشبة بن غيظ بن مرة، أمه سهية كلبية، وكانت أخيذة غلبت عليه، وهو شاعر إسلامي، قال الشعر زمن معاوية، وبقي إلى زمن سليمان أو بعده.