الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثالث والثلاثون بعد الستمائة:
(633)
فلا وأبي دهماء زالت عزيزة
تمامه:
على قومها ما فتل الزند قادح
على أنه اعترض بالجملة القسمية بين "لا" وبين "زالت"، والأصل: فوأبي دهماء لا زالت عزيزة، والفصل بينهما عند الرضي شاذ، وقال: وليس هذا مما حذف فيه حرف النفي، كما في قوله تعالى:(تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ)[يوسف/ 85] بتأويل: لا وأبي دهماء لا زالت، لأن حذفها لم يسمع إلا من مضارعاتها، وكأنه قصد بهذا الرد على الفراء. فإنه قال في آية يوسف: وأنشدني بعضهم:
فلا وأبي دهماء زالت عزيزة
…
على قومها ما فتل الزند قادح
يريد: لا زالت، وقال أيضاً عند تفسير قوله تعالى:(وإذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ)[الكهف/ 60] والمضمر فيه الجحد قوله تعالى: (تَفْتَأُ) معناه: لا تفتؤ. ومثله قول الشاعر:
فلا وأبي الدهماء زالت عزيزة .. البيت
ورواه ابن عصفور في كتاب "الضرائر" كذا:
لعمر أبي دهماء زالت عزيزة
وقال: حذف منه "ما" النافية، يريد: ما زالت عزيزة. انتهى. وكذا أورده المرادي في "شرح التسهيل" إلا أنه قدر "لا" النافية، وهذه الرواية إن ثبتت كانت
من الشاذ جداً، وقد عكس النقل أبو حيان في "شرح التسهيل" فقال بعد إنشاد البيت: على أنه ضرورة لحذف "لا" من الماضي، يريد: فلا وأبي دهماء لا زالت عزيزة. وزعم الكوفيون أن "لا" غير محذوفة في البيت. وإنما هي مقدمة من تأخير، والتقدير: فوأبي دهماء لا زالت عزيزة، وما ذهبوا إليه باطل، لأن الحروف التي يتعلق بها القسم لا يجوز تقديمها على القسم. ومما يدلك على أن "لا" محذوفة في البيت رواية من روى:
لعمر أبي دهماء زالت عزيزة
هذا كلامه. وعلى هذه الرواية تكون "لا" لرد شيء ذكر قبلها، أي: فليس الأمر كذلك، وأبي دهماء، وقوله: فلا وأبي دهماء، أقسم الشاعر بوالد هذه المرأة، فأبي: مضاف إلى دهماء، وهي اسم امرأة، واسم زالت: الضمير الراجع إلى دهماء. وعزيزة: خبرها، من العزة، بالعين المهملة والزاي المعجمة، وجملة "لا زالت" جواب القسم، وعلى قومها: متعلق بعزيزة، وما: مصدرية ظرفية، وفتل، بالفاء بعدها مثناة فوقية، روي بتشديدها وتخفيفها، وهو فعل ماض، والزند: مفعوله، وقادح: فاعله، والمراد التأبيد.
وقد ذكر أبو حنيفة الدينوري في كتاب "النبات" صفة الزند والزندة وكيفية الفتل، فلا بأس بإيرادها هنا. قال: أفضل ما اتخذت منه الزناد شجرتا المرخ والعفار، فتكون الزندة وهي السفلى مرخاً، ويكون الزند وهو الأعلى عفاراً، وصفة الزندة: عود مربع في طول الشبر أو أكثر في عرض أصبع أو أشف، وفي صفحاتها فرض، وهي نقر، الواحدة منها فرضة، والزند الأعلى نحوها، غير أنه مستدير، وطرفه أدق من سائره، فأما وصف الاقتداح بها، فإن المقتدح إذا أراد أن يقتدح بالزناد، وضع الزندة ذات الفراض بالأرض، ووضع رجليه على طرفيها، ثم وضع طرف الزند الأعلى في فرضة من فراض الزندة، وقد تقدم فهيأ في الفرضة مجرى للنار إلى