الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثاني: تعليق الجار بالجامد لتأويله بالمشتق، وذلك لأن قوله: هو علقم، مبتدأ وخبر، والعلقم هو الحنظل، وهو نبت كريه الطعم، وليس المراد هذا، بل المراد شديد أو صعب، فلذلك علق به "على" المذكورة، ونظيره قوله: كل فؤاد عليك أم، فعلق "على" بأم لتأويله إياها بمشتق، وعلى هذا ففي "علقم" ضمير كما في قولك: زيد أسد، إذا أولته بقولك: شجاع.
الثالث: جواز تقديم معمول الجامد المؤول بالمشتق إذا كان ظرفاً.
الرابع: جواز حذف العائد المجرور بالحرف مع اختلاف المعلق إذ التقدير: وهو علقم على من صبه الله عليه، فعلى المذكورة متعلقة بعلقم، والمحذوفة متعلقة بصب. انتهى كلامه باختصار يسير.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثامن والسبعون بعد الستمائة:
(678)
أنا أبو المنهال بعض الأحيان
قال أبو علي في "الإيضاح الشعري" أنشد أحمد بن يحيى:
أنا أبو المنهال بعض الأحيان
…
ليس علي حسبي بضؤلان
إن قلت: بم يتعلق قوله: بعض الأحيان؟ فالقول فيه أنه يتعلق بأحد شيئين، إما أن يكون أبو المنهال كنية بعض من يقرب منه، فقال: أنا أبو المنهال، أي: مثله، فتعلق الظرف بهذا الذي يحذى من معنى الفعل، ويكون أبو المنهال رجلاً نبيهاً أو ممتنعاً على من يريده، وقد عرف بذلك حتى إذا ذكر، دل على النباهة والامتناع، فيتعلق الظرف بهذا المعنى، ومثل ذلك قوله عز وجل في قراءة من قرأ:(كَلَاّ إنَّهَا لَظَى (15) نَزَّاعَةً لِّلشَّوَى) [المعارج/ 16] ألا ترى أن "لظى" وإن كانت علماً، فقد صار إذا ذكرت، دلت على التلظي، فكما انتصب الحال من معنى الفعل الذي في هذا الاسم، كذلكيتعلق الظرف بما في أبي المنهال من معنى الفعل. انتهى المراد منه.
وقد عقد ابن جني لهذا باباً في أواخر "الخصائص" قال في "باب الاستخلاص من الأعلام معاني الأوصاف": منذ لك ما أنشدناه أبو علي من قول الشاعر:
أنا أبو المنهال بعض الأحيان
…
ليس علي حسبي بضؤلان
أنشدنيه ونحن في دار الملك، وسألني عما يتعلق به الظرف الذي هو "بعض الأحيان" فخضنا فيه إلى أن برد في اليد من جهته أنه يحتمل أمرين، أحدهما: أن يكون أراد: أنا مثل أبي المنهال، فيعمل في الظرف على هذا معنى التشبيه، أي: أنا أشبه أبا المنهال في بعض الحيان، والآخر أن يكون قد عرف من أبي المنهال هذا الغناء والنجدة، فإذا ذكر فكأنه قد ذكر، فيصير معناه إلى أنه كأنه قال: أنا المغني في بعض الأحيان، أو أنا المنجد في بعض تلك الأوقات، أفلا ترى كيف انتزعت من العلم الذي هو "أبو المنهال" معنى الصفة والفعلية؟ ! ومنه قولهم: "إنما سميت هانئاً لتهنأ .. إلى آخر ما ذكره من الأمثلة.
ومقتضى كلامهما أن أبا المنهال ليس صاحب الرجز، وليس كذلك، بل هو صاحب الرجز، وهو من رجز أورده له العلامة ابن بري في "أماليه" على "صحاح الجوهري" في مادة:"أين" قال هناك؛ وقال أبو المنهال:
حدبدبا بدبدبا منكم لان
…
إن بني فزارة بن ذبيان
قد طرقت ناقتهم بإنسان
…
مشنأ سبحان ربي الرحمن
أنا أبو المنهال بعض الأحيان
…
ليس علي حسبي بضؤلان
والمنهال: الرجل الكثير الإنهال، والمنهال: الغاية في السخاء، فيكون الشاعر كنى نفسه بأحد هذين المعنيين، ثم اشتهر بهذه الكنية، وذكر الكنية عند العرب للتمدح والافتخار كقوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري
أي: أنا الممدوح بهذه الكنية، المعروف بها لا غيري، فيتعلق به الظرف.
قال ابن السيد فيماكتبه على "كامل" المبرد: قال أبو العباس المبرد: كل من كان اسمه من آل المهلب أبا عيينة فكنيته أبوا لمنهال. انتهى.
ورأيت في شرح "ديوان الفرزدق" أن أبا المنهال هو أبو عيينة بن المهلب، والضؤلان، بضم الضاد المعجمة وسكون الهمزة: الضعيف الحقير كالضئيل، وأصله في الجسم، وهو الصغير النحيف من الرجال، وفي "القاموس": وهو عليه ضؤلان، أي: كل. والحسب: ما يعده الإنسان من مفاخر آبائه، ويقال: حسبه: دينه، ويقال: ماله، وعلي، بتشديد الياء، متعلق بضؤلان. وقوله: حدبدبا بدبدبا: لعبة للصبيان. وقوله: لان، أصله: الآن، وهو الوقت الحاضر، حذفت همزته، وطرقت، أي: ولدت بعسر، يقال: طرقت الناقة بولدها: إذا نشب ولدها، ولم يسهل خروجه، وكذلك المرأة، ومشنأ: مهموز الآخر، اسم مفعول من الشنآن، أي: مبغض.
وقد أورد الصاغاني هذا الرجز في "العباب" على غير هذا الوجه، وليس في آخره البيت الشاهد، ولا ما بعده، قال: ويقال: شيأ الله وجهه، بالياء المثناة التحتية المشددة وبالهمزة، إذا دعوت عليه بالقبح، قال سالم بن دارة يهجو مرة بن رافع المازني:
حدنبدى حدنبدى حدنبان
…
حدبندى حدنبدى يا صبيان
إن بني فزارة بن ذبيان
…
قد طرقت ناقتهم بإنسان
مشيأ سبحان وجه الرحمان
…
لا تقتلوه واحذروا ابن عفان
حتى يكون الحكم فيكم ما كان
…
قد كنت أنذرتكم يا نغران
من رهبة الله وخوف السلطان
…
ورهبة الأدهم عند عثمان
هكذا الرواية، وأنشد أبو عمر في "اليواقيت" خمسة مشاطير، وروايته وبعد الشطرين الأولين: