الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيس بن زريح ينتهي نسبه إلى كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، وكان منزل قومه في ظاهر المدينة المنورة، وكان هو وأبوه من حاضرة المدينة، ومضى يوماً لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة والحي خلوف، فوقف على خيمة لبنى بنت الحباب الكعبية، فاستسقى ماء، فسقته فلما رآها وقعت في نفسه، وانصرف منها وفي قلبه حر لا يطفأ، فجعل يقول الشعر فيها حتى اشتهر، وسأل أباه وأمه أن يزوجاه بها، فأبيا، فأتى الحسين بن علي، عليهما السلام، وكان رضيعه فشكا إليه ما به، فقال له الحسين: أنا أكفيك، فمشى معه إلى أبي لبنى، فأجابه، فعقد له عليها، فأقام معها مدة، وكان قيس أبر الناس فأمه، فشغلته لبنى عنها، فشكت إلى أبيه، فاتفق معها أن يلزما قيساً بطلاق لبنى فطلقها بعد عسر منها، فاختل عقله، وبقي هائماً في القفار، وقال فيها أشعاراً كثيرة، وقد أطنب صاحب "الأغاني" في ترجمته، وأورد من شعره فيها شيئاً كثيراً.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس والسبعون بعد الستمائة:
(675)
وقائلة تخشى على أظنه
…
سيودي بهت رحاله وجعائله
على أن جملة: "تخشى علي" حال من ضمير قائلة، وجملة "أظنه سيودي به إلى آخره" مقول القول، وسها الشارح، فجعل المقول جملة "سيودي
…
إلى آخره" ولم ينبه عليه أحد، بل تبعه الشراح، وهذا مبني على الظاهر، وإلا فيجوز أن يجعل جملة "تخشى علي" صفة لقائلة، وجملة "أظنه إلى آخره" محكية بقول محذوف تقديره: تقول. وقال أبو حيان في "تذكرته": اسم الفعل قد قيل يعمل إذا وصف قليلاً شاذاً جداً، ولا يجوز في الكلام، وأنشدوا:
إذا فاقد خطباء فرخين رجعت
…
ذكرت سليمى في الخليط المباين
كذا ذكره في "الإغفال" وقال في موضع آخر في بيت ذي الرمة:
وقائلة تخشى علي أظنه
…
سيودي به ترحاله وجعائله
إنه من هذا، ثم قال: الأحسن أن يستأنف إضمار قول، أي: تقول أظنه، وتخشى: حال من الضمير في قائلة. انتهى كلامه، وظهر من هذا أن أول من استدل بهذا البيت أبو علي الفارسي، وقافية البيت بائية لا لامية كماأنشده أبو علي في "الحجة" والبيت آخر قصيدة لذي الرمة مطلعها:
وقفت على ربع لمية ناقتي
…
فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه
…
تكلمين أحجاره وملاعبه
إلى أن قال:
ألا رب من يهوى وفاتي ولو أتت
…
وفاتي لذلت للعدو مراتبه
وقائلة تخشى علي أظنه
…
سيودي به، ترحاله وجعائله
قوله: وقفت على ربع .. البيتين، هما من شواهد علم النحو وغيره، قال شارح ديوانه الأصمعي: قوله: أبثه، أي أخبره بكل ما في نفسي، وقوله: وأسقيه، أي: أدعو له بالسقيا، وملاعبه: مواضع يلعب فيها، وأصل المرتبة: الدرجة، وأراد: لذل للعدو ما كان مستصعباً.
وقوله: وقائلة .. إلى آخره، أي: تقول: أظنه سيودي به ترحاله، أي: سيهلكه ترحاله، وكثرة ذهابه في الأسفار. انتهى. وقائلة: معطوف على مدخول رب، ويودي: مضارع أودى الشيء، بالدال المهملة، بمعنى ذهب وهلك، والترحال: مصدر كالرحيل، وبناؤه للمبالغة، أي: كثرة الترحل.
وترجمة ذي الرمة تقدمت في الإنشاد الرابع والخمسين.