الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد بعد الستمائة:
(601)
بينا تعانقه الكماة وروغه
…
يوماً أتيح له جري سلفع
على أن بينا قد أضيفت إلى المفرد في معنى الفعل، وهو المصدر هنا، حملاً على معنى "حين"، فإن وقع بعدها اسم جوهر، لم يجز إلا الرفع، نحو: بينا زيد في الدار أقبل عمرو، لأن "بينا" ظرف زمان لا تضاف إلى جثة، كما لا يكون خبراً عنها.
والبيت من قصيدة لأبي ذؤيب الهذلي، رثى بها أولاده، كما تقدم شرحه، وشرح أبيات منها في الإنشاد الثامن والعشرين بعد المائة، وبعض آخر في الإنشاد السابع والسبعين بعد الثلاثمائة.
قال الإمام المرزوقي في شرحها: روى الأصمعي: "بينا تعنقه .. وروغه" مجروراً، وكان يقول: بينا تضاف إلى المصادر خاصة، والنحويون يخالفونه، ويقولون: بينا وبينما عبارتان للحين، وهما مبهمتان لا تضافان إلا إلى الجمل التي تبينها، فإذا قلت: بينا أنا جالس طلع زيد، فالمعنى: حين أنا جالس، ووقت أنا جالس طلع زيد، ورواية النحويين والناس:"بينا تعنقه الكماة" فيرتفع تعنقه بالابتداء، ويكون خبره مضمراً، كأنه قال: بينا تعنقه الأبطال حاصل معهود، أتيح له يوماً رجل جريء. انتهى.
وقوله: بينا تعنقه، كذا في جميع الروايات، ووقع هنا، وفي "جمل الزجاجي" وغيرهما: بينا تعانقه، قال ابن السيد واللخمي كلاهما في "شرح أبيات الجمل": هو خطأ، والصواب: تعنقه، لأن تعانق لا يتعدى إلى مفعول،
إنما يقال: تعانق الرجلان، والمعانقة والاعتناق والتعنق هي المتعدية، ومعنى الجميع: الأخذ بالعنق، والاعتناق آخر مراتب الحرب، لأن أول الحرب الترامي بالسهام، ثم المطاعنة بالرماح، ثم المجالدة بالسيوف، ثم الاعتناق، وهو أن يتخاطف الفارسان، فيسقطان إلى الأرض معاً، وقد ذكر ذلك زهير بن أبي سلمى في قوله:
يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا
…
ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا
أراد أنه يزيد على ما يفعلون، والكماة، بالنصب: مفعول تعنقه: جمع كمي، وهو الشجاع الذي ستر درعه بثوبه، وقوله: وروغه: معطوف على "تعنقه" إن جراً وإن نصباً، وهو بالغين المعجمة، وهو حيدته عن الأقران يميناً وشمالاً للتحفظ. قال اللخمي: ومن روى، بالعين المهملة، فمعناه الفزع، وقوله: يوماً بدل من بينا كما قاله ابن جني في قوله:
بينا هم بالظهر قد جلسوا
…
يوماً بحيث تنزع الذبح
وأجاز اللخمي تعلقه بتعنقه وبروغه وبأتيح، قال: والأول أقوى لترك تكلف التقديم. وقوله: أتيح: جواب بينا، وهو العامل فيه، وهو مجهول أتاح الله الشيء، أي: قدره، وجريء، بالهمزة، وصف من الجراءة وهي الإقدام، والسلفع كجعفر: الجريء الواسع الصدر. وقبله:
والدهر لا يبقى على حدثانه
…
مستشعر حلق الحديد مقنع
والدهر: مبتدأ، وجملة لا يبقى على الخ .. خبره، وعلى بمعنى "مع" والحدثان، بالتحريك: الحدث والحادثة، ومستشعر: فاعل يبقى، أي: شجاع مستشعر، وهو اسم فاعل من استشعر الثوب والدرع: إذا لبسه شعاراً، والشعار، بالكسر: الملوبس الذي يلي شعر الجسد، وحلق الحديد: مفعول مستشعر، وأراد به الدرع،