الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثمانون بعد الستمائة:
(680)
حتى شآها كليل موهناً عمل
تمامه:
باتت طراباً وبات الليل لم ينم
على أن "موهناً" ظرف لكليل لا مفعول به خلافاً لسيبويه. قال الأعلم: الشاهد نصب الموهن بكليل، لأنه مغير عن بنائه للتكثير، وقد رد هذا التأويل على سيبويه بأن فعيلاً وفعلاً بناءان لما لا يتعدى في الأصل، والمعنى عنده: أن البرق ضعيف الهبوب، كليل في نفسه، وهذا الرد غير صحيح، إذ لو كان كليلاً- كما قال- لم يقل "عمل" وهو الكثير العمل، ولا وصفه بقوله: وبات الليل لم ينم، والمعنى على مذهب سيبويه: أنه وصف حماراً وأتناً نظرت إلى برق مستمطر دال على الغيث يكل الموهن بدؤوبه وتوالي لمعانه، كما يقال: أتعبت ليلك، أي: سرت فيه سيراً حثيثاً متعباً متوالياً، والموهن: وقت من الليل فشاها ذلك البرق، أي: ساقها وأزعجها إلى مهبه، فباتت طربة إليه، منتقلة نحوه، وفعيل بمعنى مفعل: موجود كثير، يقال: بصير في معنى مبصر، وعذاب أليم بمعنى مؤلم، وسميع بمعنى مسمع، وكذلك كليل في معنى مكل، وإذا كان في معناه عمل عمله، لأنه مغير منه للتكثير. انتهى كلامه.
وقال غبن خلف أيضاً: الشاهد نصب: موهناً بكليل نصب المفعول به، لأنه بمعنى مكل، فيعمل عمله، وقال المبرد: موهناً ظرف، وليس بمفعول به، ولا حجة له فيه، وجعل كليلاً من كل يكل، وكل لا يتعدى إلى مفعول به، فكيف يتعدى كليل. قال أبو جعفر: لا يجوز عند الجرمي والمازني والمبرد أن يعملوا
فعيلاً فقال: وما علمت إلا أن النحويين مجمعون على ذلك، ولا يجيزون هو رحيم زيداً، ولا عليم الفقه، والعلة فيه أن فعيلاً في الأصل من فعل فهو فعيل، وهذا لا ينصب بإجماعهم وهو معهم على ذلك، وفعيل هذا بمنزلة ذاك، لأنه إنما يخبر به عما في الهيئة، فهو ملحق به لا يعمل كما لا يعمل، وفعل عند المبرد بمنزلته، واحتج بقولهم: رجل طب وطبيب. قال أبو إسحاق في الحجة لسيبويه في إعمال فعيل: إن الأصل كان لا يعمل إلا ما جرى على الفعل، فلما أعلموا ضروباً؛ لأنه بمعنى ضارب، وجب أن يكون فعيل مثله، قال: ومنه قدير، وسيبويه أورد هذا على أنه للمبالغة في كال، وكال يتعدى إلى مفعول على تقديره، وكأن الذي عند سيبويه أن كللت يتعدى، ويكون معناه أنه كلل الموهن، أي: جعل يبرق فيه برقاً ضعيفاً، وزعم أن كليلاً بمعنى مكل وليس هذا من مذهب سيبويه في شيء؛ لأن سيبويه غرضه ذكر فعيل الذي هو مبلغه فاعل، وما تعرض لفعيل الذي هو بمعنى مفعل. وقد روى أبو الحسن اللحياني في "نوادره" أن بعض العرب يقول في صفة الله عز وجل: " هو سميع قولك وقول غيرك، بتنوين سميع ونصب قولك، وهذا يشهد لصحة مذهب سيبويه.
وقال أبو نصر هارون بن موسى: زعم الراد على سيبويه أن موهناً ظرف، وهو على ما ذكره فاسد المعنى، والكليل هنا: البرق، والموهن: وقت من الليل، ولو كان ظرفاً لوصف البرق بالضعف في لمعانه، وإذا كان بهذه الصفة، فكيف يسوقها وهو لا يدل على المطر؟ ولكن البرق إذا تكرر في لمعانه واشتد ودام، دل على المطر وساق، وأتعب الموهن في ظلمته، لأنه كلما هب ذهبت الظلمة، ثم يرجع إذا فتر البرق، ثم يذهب إذا لمع، فلذلك عدى الشاعر الكليل إلى الموهن. انتهى.
وقد نقلنا نص كلام سيبويه، هذه المسألة في شرح الشاهد الرابع من بعد الستمائة من شواهد الرضي.
والبيت من قصيدة لساعدة بن جؤية الهذلي، تقدم شرح أبيات من أولها في الإنشاد الثاني والستين.
وقوله: حتى شاها، فاعل شأى: كليل، وها: ضمير الصوار في بيت قبله، والصوار بكسر الصاد المهملة: جماعة البقر، قال السكري في "شرح أشعار هذيل": قوله حتى شاها يعني: شأى البقر، يقال: شؤته، فكان ينبغي أن يقول: شاءها، فقلب، فقدم الهمزة، ومعنى شؤته: سبقته وهيجته وسررته، يقول: حتى شاق البقر كليل، وهو البرق الضعيف، وموهناً: بعد هدء من الليل، وعمل أي: ذو عمل، لا يفتر البرق من اللمعان، وباتت طراباً، يعني: البقر، وبات الليل يعني: البرق، وعما: دائب، يقال للرجل إذا دأب: قد عمل يعمل. انتهى.
وقال ابن خلف: شاها: ساقها، وقال الأخفش: تبعها، يقال: شاءني الأمر وشآني: ساقني، ويقال أيضاً: شآني، حزنني، وكليل، أي: برق ضعيف، وإنما كان ضعيفاً، لأنه ظهر من بعيد، والموهن، بفتح الميم وكسر الهاء: قطعة من الليل، والعمل، بكسر الميم: الدائب المجتهد في عمله، الذي لا يفتر، وباتت طراباً: يعني البقر الوحشية طراباً إلى السير، إلى الموضع الذي فيه البرق، وبات البرق الليل أجمع لا يفتر عن اللمعان، فعبر عن البرق أنه لم ينم لاتصاله من أول الليل إلى آخره.
وقد أوردنا عدة أبيات من هذه القصيدة مع هذا البيت، وشرحناها في الإنشاد الثامن والثلاثين بعد الخمسمائة.