الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده، وهو الإنشاد العشرون بعد الستمائة:
(620)
نحن بنات طارق
…
نمشي على النمارق
على أن "بنات طارق" منصوب بـ "أخص" محذوفاً، والجملة: اعتراض بين المبتدأ والخبر أيضاً. قال ابن السيد في "شرح أدب الكاتب": يروى "بنات" بالرفع والنصب، فمن رفعه: فعلى خبر الابتداء، ومن نصبه: فعلى المدح والتخصيص، ويكون الخبر قولها "نمشي"، ومثله ما حكاه سيبويه من قولهم: نحن العرب أقرى الناس لضيف. ومثله قول نهشل بن حري:
إنا بني نهشل لا ندعي لأب
…
عنه ولا هو بالأبناء يشرينا
وهذا الشعر لهند بنت عتبة، قالته يوم بدر تحرض المشركين على قتال النبي، صلى الله عليه وسلم، وبعده:
المسك في المفارق
…
والدر في المخانق
إن تقبلوا نعانق
…
ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
…
فراق غير وامق
وهذا الشعر ليس لهند بنت عتبة، وإنما تمثلت به، وهذا الشعر لهند بنت بياضة ابن رياح بن طارق الإيادي، قالته حين لقيت إياد جيش الفرس بالجزيرة، وكان رئيس إياد يومئذ بياضة بن رياح بن طارق الإيادي، وقع ذلك في شعر أبي دواد الإيادي، وذكر أبو رياش وغيره: أن بكر بن وائل، لما لقيت تغلب يوم التحاليق،
أقبل للفند الزماني بنتان بذيئتان جريئتان، فتكشفت إحداهما، وجعلت تحرض الناس وتقول:
وعى وعى حر الجلاد والتظى
…
وملئت منه الصحارى والربا
يا حبذا المحلقون بالضحا
وجعلت الأخرى تقول:
نحن بنات طارق
…
نمشي على النمارق
إلى آخر الشعر، فطارق على رواية من روى هذا الشعر لهند بنت عتبة، أو لبنت الفند الزماني، تمثيل واستعارة، لا حقيقة، وإنما شبهت أباها بالنجم الطارق في شرفه وعلوه، وعلى رواية من رواه لهند بنت بياضة بن رياح بن طارق، حقيقة ليس باستعارة، لأن طارقاً كان جدها. والأظهر من هذا الشعر أنه لهند بنت بياضة، وإنما قاله غيرها متمثلاً. إلى هنا كلام ابن السيد. وتبعه اللبلي حرفاً بحرف، وقولهما: قالته يوم بدر، صوابه: يوم أحد. كما قاله الجوهري في شرحه، وكذا هو في كتب السير. قال ابن سيد الناس في غزوة أحد: فلما التقى الناس قامت هند بنت عتبة في النسوة اللاتي معها، وأخذن الدفوف، يضربن بها خلف الرجال، ويحرضنهم، فقالت هند فيما تقول:
ويهاً بني عبد الدار
…
ويهاً حماة الأدبار
ضرباً بكل بتار
وتقول:
إن تقبلوا نعانق
…
ونفرش النمارق
أو تدبروا نفارق
…
فراق غير وامق
انتهى.
وأورد أبو عبيد البكري هذا الرجز في جزيرة العرب من أول كتاب "معجم ما استعجم" لهند بنت بياضة لا غير، قال: إن إياداً خالطوا أهل الجزيرة، وكثروا حتى صاروا كالليل، كانت تغير على من يليها من أهل البوادي، وتغزو مع ملوك نصر المغازي، حتى أصابوا امرأة من أشراف الأعاجم كانت عروساً، قد أهديت إلى زوجها، وولي ذلك منها بعض سفهائهم وأحداثهم، فسار إليهم من كان يليهم من الأعاجم، فانحازت إياد إلى الفرات، وجعلوا يعبرون إبلهم في القراقير، فتبعتهم الأعاجم، ورأس القوم يومئذ بياضة بن رياح بن طارق الإيادي، فلما التقى الناس، قالت هند بنت بياضة:
نحن بنات طارق
إلى آخر الشعر، فهزمت إياد الأعاجم آخر النهار، وذلك بشاطئ الفرات الغربي، وقتلت ذلك الجيش، فلم يفلت منهم إلا الشريد، وجمعوا جماجمهم، فجعلوها كالكوم، فسمي ذلك الموضع "دير الجماجم". انتهى.
وهذا الرجز رويه ساكن، وهو من منهوك الجرز، ومن زعم أنه لهند بنت عتبة اضطر أن يؤول طارقاً؛ لأنه ليس من أسماء آبائها، فقالوا: الطارق: النجم، وتوسعوا فيه، حتى سمي السيد المضيء كضوء النجم طارقاً، وما أشبه هذا، والنمارق: جمع نمرقة، مثلثة النون، وهي الوسادة الصغيرة، والطنفسة فوق الرحل، والمفارق: جمع مفرق، كمقعد ومجلس، وسط الرأس، والمخانق: جمع مخنقة، كمكنسة، وهي القلادة، والوامق: المحب.
وهند بنت بياضة جاهلية.
وهند بنت عتبة هي أم معاوية، أسلمت عام الفتح، وتقدم ذكرها في الإنشاد السادس عشر بعد المائتين.