الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والبيت قد اشتهرت قافيته كذا، والصواب: كونها لامية، وهو من قصيدة للفرزدق، مد بها بلال بن أبي بردة، ومطلعها:
وقائلة لي لم تصبني سهامها
…
رمتني على سوداء قلبي نبالها
وإني لرام رمية قبل التي
…
لعلي وإن شقت علي أنالها
ألا ليت حظي من علية أنني
…
إذا نمت لا يسري إلي خيالها
فلا يلبث الليل الموكل دونها
…
عليه بتكرار الليالي زوالها
قال ابن حبيب في شرحه، يقول: زالت فذهبت، فزوالها يهدي إلي خيالها كل ليلة، وزوالها لا يحبس الليل عني، فلا يلبث زوالها أن يعيد خيالها، وقال الحرمازي، يقول: ليت حظي منها أن لا يلبث الليل الموكل علي زوالها بالتكرار، أي: يكرر زوالها علي الليل، ويجعل الليلة ليالي، وهو مثل قوله:
كأن الليل يحبسه علينا
…
ضرار أو يكر إلى نذور
أي: كأنه يعود كما كاد يفنى. انتهى.
وبعد هذا شرع في المدح.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني والعشرون بعد الستمائة:
(622)
لعلك والموعود حق لقاؤه
…
بدا لك في تلك القلوص بداء
على أن جملة "والموعود حق لقاؤه" معترضة بين لعلك وبين خبرها، هو بدا لك .. إلخ، وهو من أبيات لمحمد بن بشير الخارجي، روى الأصبهاني
في "الأغاني" عن سليمان بن عياش: أن رجلاً وعد محمد بن بشير الخارجي بقلوص، وهي الناقة الشابة، ومطله، فقال فيه يذمه، ويمدح زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين:
لعلك والموعود حق لقاؤه
…
بدا لك في تلك القلوص بداء
فإن الذي ألقى إذا قال قائل
…
من الناس هل أحسستها لعناء
أقول التي تبني الشمات وإنها
…
علي وإشمات العدو سواء
دعوت وقد أخلفتني الوعد دعوة
…
بواد فلم يقبل هناك دعاء
بأبيض مثل البدر عظم حقه
…
رجال من ال المصطفى ونساء
فبلغت هذه الأبيات زيد بن الحسن، فبعث إليه بقلوص من جياد إبله، فقال يمدحه:
إذا نزل ابن المصطفى بطن تلعة
…
نفى جدبها واخضر بالنبت عودها
وزيد ربيع الناس في كل شتوة
…
إذا أخلفت أنواؤها ورعودها
حمول لأشتات الديات كأنه
…
سراج الدجى إذ قارنته سعودها
انتهى.
وقوله: "لعلك والموعود"، قال أبو علي في "الحجة" عند قوله تعالى:(وإذ واعدنا)[الآية/ 51] من سورة البقرة: قالوا: وعدته أعده عدة ووعداً وموعداً وموعدة .. إلى أن قال: وأما الموعود: فصفة، قال:
لعلك والموعود حق لقاؤه
…
البيت.
التقدير: الأمر الموعود حق لقاؤه، ومن جوز مجيء المصدر على مفعول، جاز عنده أن يكون الموعود مثل الوعد. انتهى.
وحق، بالتنوين، أي: لازم وواجب، ولقاؤه: فاعل حق، أي: أداؤه وقضاؤه، وبه روي. قوله: وبدا لك، أي: ظهر، وبداء: فاعله، قال أبو علي في "إيضاح الشعر": أضمر البداء في قوله تعالى: (ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ)[يوسف/ 35] لأن البداء الذي هو المصدر قد صار بمنزلة العلم والرأي، ألا ترى أن الشاعر قد أظهره في قوله:
بدا لك في تلك القلوص بداء
وكذلك صنع ابن الشجري في "أماليه" في الآية والبيت، وقال: ألسن العرب متداولة في قولهم: "بدا لي في هذا الأمر بداء" أي: تغير رأيي عما كان عليه، ويقال: فلان ذو بداوات، إذا بدا له الرأي بعد الرأي. انتهى.
وأحسستها: استفدتها، وأحسست الشيء: وجدت حسه، وقوله: لعناء خبر إن، وقوله: أقول التي تنبي الشمات، أي: أقول الكلمة التي تخبر الشمات، وهي قولي: نعم قد أخذتها، وقوله: وإنها، أي: هذه الكلمة، وإشماتا لعدو سواء علي، وشمات، بالفتح، مصدر كالشماتة، وفعله كفرح، وهو الفرح بمصيبة العدو، وقوله: وقد أخلفتني الوعد: جملة معترضة بين دعوت ودعوة، والباء زائدة، أي: ناديته مرة فلم يجب دعائي.
ومحمد بن بشير الخارجي منسوب إلى خارجة بن عدوان بن عمرو بن قيس بن عيلان بن مضر، وهو شاعر فصيح حجازي من شعراء الدولة الأموية وديوانه صغير، وقد أطال ترجمته صاحب "الأغاني".