الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والنعاة: جمع ناع، من نعيت الميت: إذا أخبرت بموته، وقوله:"يا خير من حج .. إلخ" محله النصب بقول محذوف تقديره: قائلين يا خير من حج .. إلخ، أو فقلت: يا خير. وقوله: "حملت" بالبناء للمفعول: من التحميل، وأراد بالأمر العظيم: الخلافة، وهي العظمى، واضطلع بالأمر: إذا قدر عليه، كأنه قويت ضلوعه بحمله، قال الصاغاني في "العباب": الرواية: "فالشمس كاسفة ليست بطالعة" والنحاة يروونه مغيراً، وهو "الشمس طالعة ليست بكاسفة" أي: ليست تكسف ضوء النجوم مع طلوعها لقلة ضوئها وبكائها عليك. انتهى.
ولقد رأيته في ديوان جرير كما قال الصاغاني، وقال شارحه: أراد أن الشمس كاسفة تبكي عليك الدهر ما طلع القمر والنجوم، وهذا قول الكسائي. انتهى.
وقد جمعنا ما للعلماء من أقوال في الرواية المشهورة، وذكرنا ما يتعلق بها في الشاهد الثاني عشر من شواهد "شرح الشافية" للرضي.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الخامس بعد الستمائة:
(605)
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
على أن الألف في "اعبدا" بدل من نون التوكيد الخفيفة، قال سيبويه في باب النون الثقيلة والخفيفة: وأما الخفيفة، فقوله تعالى:(لنسفعاً بالناصية)[العلق/ 15]، وقال الأعشى:
وإياك والميتات لا تقربنها
…
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
فالأولى ثقيلة، والأخرى خفيفة. انتهى. وقال السيرافي:"ولا تقربنها" نون ثقيلة و: "فاعبدا" نون خفيفة، وقف عليها بالألف، قال المصنف: ويحتمل هذا أن يكون من باب: يا حرسي اضربا عنقه. يعني يكون من باب خطاب الواحد بلفظ الاثنين، أو يكون أصله: اعبد اعبد على التكرير للتأكيد، فثنى الضمير نيابة عن تكرير الفعل، وهما خلاف الظاهر، ولا ضرورة تلجئ إلى الحمل على أحدهما.
وقال السهيلي في "الروض الأنف" وقوله: "والله فاعبدا" وقف على النون الخفيفة بالألف، وكذلك قوله:"فانكحن أو تأبدا"، ولذلك كتب في الخط بالألف، لأن الوقف عليها بالألف، وقد قيل في مثل هذا: إنه لم يرد الخفيفة، وإنما خاطب الواحد بخطاب الاثنين، وزعموا أنه معروف في كلام العرب، وأنشدوا في ذلك:
فإن تزجراني يا ابن عفان أنزجر
…
وإن تدعاني أحم عرضاً ممنعا
وأنشدوا أيضاً في هذا المعنى:
وقلت لصاحبي لا تحبسانا
…
بنزع أصوله واجتث شيحا
ولا يمكن إرادة النون الخفيفة في هذين البيتين، لأنها لا تكون ألفاً إلا في الوقف، وهذا الفعل قد اتصل به الضمير، فلا يصح اعتقاد الوقف عليه دون الضمير، وحكي أن الحجاج قال: يا حرسي اضربا عنقه، وهذا قد يمكن فيه حمل الوصل على الوقف، ويحتمل أن يريد: اضرب أنت وصاحبك، وقد قيل في قوله سبحانه:
(أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ)[ق/24] إن الخطاب لمالك وحده حملاً على هذا الباب، وقيل: بل هو راجع إلى قوله: (سَائِقٌ وشَهِيدٌ). انتهى كلام السهيلي. والبيت من قصيدة في مدح النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يوفق للإسلام، وقد تقدم بعضها في الإنشاد الخامس والخمسين بعد الثلاثمائة، وبعضها في الإنشاد الخامس والثمانين بعد الأربعمائة، وبعضها في الإنشاد الثامن عشر بعد الخمسمائة، وبعضها في الإنشاد الواحد والخمسين بعد الخمسمائة. وقبل هذا البيت:
أجدك لم تسمع وصاة محمد
…
نبي الإله حين أوصى وأشهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى
…
ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله
…
وأنك لم ترصد لما كان أرصدا
فإياك والميتات لا تطعمنها
…
ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا
ولا النصب المنصوب لا تنسكنه
…
لعاقبة والله ربك فاعبدا
وصل على حين العشيات والضحى
…
ولا تحمل الشيطان والله فاحمدا
ولا السائل المحروم لا تتركنه
…
لفاقته ولا الأسير المقيدا
ولا تسخرن من بائس ذي ضرارة
…
ولا تحسبن المال للمرء مخلدا
ولا تقربن جارة إن سرها
…
عليك حرام فانكحن أو تأبدا
وهذا آخر القصيدة، وقوله: أجدك، الألف للاستفهام، والجد، بالكسر، نقيض الهزل، منصوب على المصدرية. والوصاة: الوصية، وقوله: إذا أنت لم ترحل .. إلى آخر القصيدة: هي الوصية، وقوله: ندمت، جواب إذا. وقوله: وأنك لم ترصد، قال الأزهري: أرصدت له شيئاً – أرصده، أي: أعددت
وهيأت، وقوله: لا تطعمنها، أي: لا تأكلنها، وروى سيبويه بدله "لا تقربنها" وهي كناية عما ذكرنا، وروى سيبويه المصراع الثاني:"ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا" قال ابن السيرافي في "شرح شواهده": والرواية في شعر الأعشى:
وإياك والميتات لا تقربنها
…
ولا تأخذن سهماً حديداً لتفصدا
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه
…
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
انتهى، وعليه يكون ذاك مركباً من بيتين، لكن الذي رأيته في ديوان الأعشى في نسخة قديمة يزيد تاريخها على سبعمائة سنة ما سطرته، والله أعلم.
وقوله: ولا تأخذن سهماً
…
إلخ، قال الخوارزمي: كان بعض العرب يأخذ سهماً يفصد به الناقة فيشرب دمها، فحرم الله سبحانه الدم إلا عند الضرورة. وقوله: ولا النصب المنصوب، هو منصوب بفعل محذوف يفسره ما بعده، والتقدير: ولا تنسك النصب، وتكون الجملة معطوفة على جملة لا تأخذن، ورواه الجوهري:"وذا النصب" باسم الإشارة. قال: والنصب، أي: بفتح فسكون: ما نصب وعبد من دون الله، وكذلك النصب، بالضم، وقد يحرك مثل: عسر وعسر، قال الأعشى:
وذا النصب المنصوب لا تنسكنه
…
لعاقبة والله ربك فاعبدا
أراد فاعبدن، فوقف بالألف. وقوله: وذا النصب، يعني إياك وهذا النصب، وهو للتقريب [كما] قال:
ولقد سئمت من الحياة وطولها
…
وسؤال هذا الناس كيف لبيد
انتهى.
ويجوز أن ينصب بفعل يفسره ما بعده كما ذكرنا، والنسك: العبادة، والناسك: العابد، وفعله من باب قتل، وقوله: لعاقبة، أي: لحسن العاقبة، والعاقبة: مصدر بمعنى العقبى، والله: منصوب بالفعل بعده، وربك: صفته، قال أبو حيان في "البحر" عند تفسير قوله:(وَإيَّايَ فَارْهَبُونِ)[البقرة/ 40] والذي يدل على أن هذا التركيب، أعني: زيداً فاضرب، تركيب عربي صحيح، قوله تعالى:(بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ)[الزمر/ 66] وقال الشاعر:
ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا
قال بعض أصحابنا: الذي ظهر فيها بعد البحث أن الأصل في "زيداً فاضرب" تنبه فاضرب زيداً، ثم حذف "تنبه" فصار: فاضرب زيداً – فلما وقعت الفاء صدراً، قدموا الاسم إصلاحاً للفظ، وإنما دخلت الفاء هنا لتربط هاتين الجملتين. انتهى.
وقوله: ولا تسخرن من بائس .. إلخ. في "المصباح": سخرت منه وبه –قاله الأزهري- سخراً، من باب تعب: هزئت به، والبائس: الفقير الذي أصابه البؤس والشدة، والضرارة: هي الضرورة، وبها روي أيضاً.
وقوله: ولا تقربن جارة، أي: للفحشاء، قال شارح ديوانه: السر: النكاح، والتأبد: التعزب، ومن هذا قيل للوحش: أوابد، لتأبدها. وقال السهيلي: وقوله: فانكحن أو تأبدا، يريد: أو ترهب، لأن الراهب –أبداً- عزب، فقيل له: متأبد، اشتق له من لفظ الأبد. انتهى.