الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنشد بعده:
كأن قلوب الطير رطباً ويابساً
…
لدى وكرها العناب والحشف البالي
وتقدم شرحه في الإنشاد الثالث والستين بعد الثلاثمائة:
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الثاني والثمانون بعد الستمائة:
(682)
تعيرنا أننا عالة
…
ونحن صعاليك أنتم ملوكا
على أن "صعاليك وملوك" حالان، وعاملهما كاف التشبيه المحذوفة، وكذا أورده الخبيصي في "شرح الكافية الحاجبية" المسمى ب "الوشاح" وقد شرح شواهده الكرماني باسم "الشاه شجاع" قال فيه: البيت للنابغة، يقال: عيرته كذا، والعامة تقول: عيرته بكذا. قال النابغة:
وعيرتني بنو ذبيان رهبته
…
وهل على بأن أخشاه من عار
والعالة جمع عائل، وهو الفقير، والصعاليك جمع صعلوك: وهو الفقير، وقوله: أننا عالة: في موضع المفعول الثاني لتعيرنا، وقوله: ونحن: مبتدأ، وخبره أنتم، وصعاليك: حال من نحن، وملوك حال من أنتم، والعامل فيهما معنى التشبيه المستفاد من إسناد أنتم إلى نحن، فإن قيل: فعلى هذا كان القياس أن لا تتقدم الحال على مثل هذا العامل؟ قلت: قال شارح "التسهيل": ومما يعمل في الحال، ولا تتقدم الحال عليه نحو زيد مثلك شجاعاً، وكذا إذا كان التشبيه ضمناً نحو: أبو يوسف أبو حنيفة فقهاً، وقد يتوسط هذا النوع بين حالين، فيعمل في إحداهما متأخراً، وفي الأخرى متقدماً كقوله:
تعيرنا أننا عالة
…
البيت
أراد: نحن في حال تصعلكنا مثلكم في حال ملككم، فحذف مثل، وأقام المضاف إليه مقامه مضمناً معناه، وأعمل ما فيه من معنى التشبيه. انتهى. هذا آخر كلام الكرماني وقد أورد العلم السخاوي هذا البيت في كتابه "سفر السعادة" الذي نقل منه المصنف قال: مسألة سأل عنها على بن أبي زيد الفصيحي، [أبا] القاسم بن علي الحريري، قال: ما يقول سيدنا، أدام الله توفيقه، في انتصاب لفظي بعض الشعراء وهو قوله:
تعيرنا أننا عالة
…
ونحن صعاليك، أنتم ملوكاً
فعلى ماذا عطف قوله: ونحن؟ وعلى أي وجه يعمل المتنبي وغيره من الشعراء نحو: أسمر مقبلها، وأبيض مجردها؟ وهل هما من الصفات المشبهة بأسماء الفاعلين أم لا؟ فإن الشريطة في الصفة المشبهة باسم الفاعل أن لا تكون جارية على يفعل من فعلها، نحو: حسن وكريم، فإن حسناً ليس على زنة حسن. وأسمر على زنة يسمر ويسمر فإن اللغتين قد حكينا، وليس هذا شرطها. ينعم بإيضاحها.
فالجواب: اللهم إنا نعوذ بك أن نعنت كما نستعيذك أن نعنت، ونبرأ إليك من أن نفضحن كما نستعصمك من أن نفضح، ونستميحك بصيرة تشغلنا بالمهمات عن الترهات، وتنزهنا عن التعلم للمباهاة والمباراة، ونسألك اللهم أن تجعلنا ممن إذا رأى حسنة رواها، وإن عثر على سيئة وراها، برحمتك يا أرحم الراحمين.
وقفت على السؤالين الملوح بشر مصدرهما، وهجنة مصدرهما، إذ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم:"نهى عن الأغلوطات" وزجر عن تطلب السقطات والعثرات، وكان ابن سيرين [رحمه الله] إذا سئل عن عويص اشمأز منه، وقال: سل أخاك إبليس عن هذا، ومع هذا فإني كرهت رد السائل، ولرب عيني أفصح من لسن، لا سيما إذا لم يأت بحسن.
أما السؤال الأول، فهو من مسائل المعاياة، وأسئلة الإعنات، ولا عيب أن يجهله النحوي المدرس فضلاً عمن لا يدعي ولا يلبس، وهو من الأبيات التي جرى فيها التقديم والتأخير لضرورة الشعر، تقديره: تعيرنا أننا عالة صعاليك ملوكاً أنتم ونحن، وعالة فيه: جمع عائل، المشتق من عال يعول، وانتصاب صعاليك به، وملوكاً صفتهم.
وأما أسمر وأبيض، فإنما أعملا لمجيء الفعل منهما على أفعل وأفعال المخالفين لزنتهما، فهذا ما حضرني من الجواب، ولعلني نكبت فيه عن طريق الصواب.
قلت: وما أرى هذا الجواب مستقيماً، لأن الملوك لا يكون صفة للصعاليك، وقوله في تقديره:"صعاليك ملوكاً أنتم ونحن" لا معنى له، وإنما الصواب أن يقال: عالة بمعنى عالني الشيء إذا أثقلني، أي: تعيرنا بأنا عالة ملوكاً، أي نثقلهم بطرح كلنا عليهم في حال التصعلك، فصعاليك منصوب على الحال، وقوله: ونحن مبتدأ، وأنتم خبره، أي: ونحن مثلكم، فكيف تعيرنا، قال الله عز وجل:
(وأزواجه أمهاتهم)[الأحزاب/6] وتقول النحاة: أبو يوسف أبو حنيفة، وتقدير الشعر: تعيرنا أننا عالة ملوكاً صعاليك، ونحن أنتم، وفي "عال" بمعنى أثقل، جاء قول أمية ابن أبي الصلت:
…
وعالت البيقورا. أي أثقلت البقر، وأما أسمر وأبيض وأحمرن فإنهم أجروا هذا الضرب مجرى الصفة المشبهة باسم الفاعل، وشبهت هذه بالصفة المشبهة باسم الفاعل في أنها تذكر وتؤنث وتثنى وتجمع، وأنها تدل على معنى ثابت، وتشبه أفعل التفضيل أيضاً بالصفة المشبهة إذا لم يكن مصحوباً بمن، وكان صفة لما ذكرناه نحو: أجب الظهر. هذا آخر ما أورده السخاوي باختصار من أواخره يسير.
والشعر لم أقف على قائله، ولو وقفنا عليه، لكان يظهر معنى هذا البيت، وقول الكرماني: إنه للنابغة لاعبرة به، وقول المصنف: ولم يتعرض، أي الحريري لقوله - ملوكاً- خلاف الواقع، فإنه جعله صفة لصعاليك، وزيفه السخاوي كما نقلنا.
وأنشد بعده:
لعل أبي المغوار منك قريب
صدره:
فقلت ادع أخرى وأرفع الصوت جهرة
وتقدم شرحه في الإنشاد الثامن والستون بعد الأربعمائة.