الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: شجت، بالبناء للمفعول، ونائب الفاعل ضمير الراح، أي: مزجت، والجملة: حال من الراح بتقدير قد، وقوله: بذي شبم، أي: بماء ذي شبم، بفتحتين، مصدر شبم الماء، من باب فرح: إذا برد، ومحنية، كمفعلة، بكسر العين: ما انعطف من الوادي وانحنى منه، والأبطح: مسيل واسع فيه دقاق الحصا، والمشمول: الذي هبت عليه ريح الشمال، وجملة "وهو مشمول": حال من ضمير أضحى التامة، كذا قال المصنف هنا، وفي شرح القصيدة، ولا مانع من أن تكون ناقصة مع هذه الجملة الحالية، فإن قوله: بأبطح: صالح لأن يكون خبر أضحى. وقد ذكرنا ما فيه الكفاية في حاشيتنا على شرح المصنف لهذه القصيدة، وتقدم ترجمة ناظمها في الإنشاد العشرين بعد الثلاثمائة.
وأنشد بعده:
وترمينني بالطرف أي أنت مذنب
…
وتقلينني لكن إياك لا أقلي
وتقدم الكلام عليه في الإنشاد الثالث عشر بعد المائة.
وأنشد بعده، وهو الإنشاد الواحد والخمسون بعد الستمائة:
(651)
رجلان من مكة أخبرانا
…
إنا رأينا رجلاً عريانا
على أنه روي بكسر همزة "إنا" لأنه محكي بقول محذوف تقديره: وقالا: إنا رأينا. قال أبو الفتح بن جني في "المحسب": روى مجاهد عن ابن عباس في مصحف ابن مسعود: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ويقولان ربنا)[البقرة/ 127] وفيه: (والذين اتخذوا من دونه أولياء قالوا ما نعبدهم)[الزمر/3] وفيه: (والملائكة باسطوا أيديهم
يقولون أخرجوا) [الأنعام/ 93] قال أبو الفتح: وهذا دليل على صحة ما يذهب إليه أصحابنا من أن القول مراد مقدر في نحو هذها لأشياء، وأنه ليس كما يذهب إليه الكوفيون من أن الكلام محمول على معناه، دون أن يكون القول مقدراً معه، وذلك كقول الشاعر:
رجلان من ضبة أخبرانا .. إلى آخره
فهو عندنا على تقدير: قالا: إنا رأينا، وعلى قولهم لا إضمار قول هنا، لكنه لما كان "أخبرانا" في معنى: قالا لنا، صار كأنه قال: قالا لنا، فأما الأول على إضمار قالا في الحقيقة فلا، وقد رأيت إلى قراءة ابن مسعود كيف ظهر فيها ما تقدره من القول، فصار قاطعاً على أنه مراد فيما يجري مجراه، وكذلك قوله:
يدعون عنتر والرماح كأنها
في من ضم عنتر، أي: يقولون: يا عنتر، وكذلك من فتح الراء وهو يريد يا عنترة، وكذلك:(والْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلامٌ عَلَيْكُم) [الرعد/ 23] أي: يقولون، وقد كثر حذف القول من الكلام جداً. انتهى.
وقال كذلك عند قوله تعالى: (أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ)[الأعراف/ 49]، قال: وقد اتسع عنهم حذف القول، كقول الشاعر:
رجلان من ضبة أخبرانا
…
إلى آخره.
أي: قالوا: إنا رأينا، ولذلك كسر، وهذا مذهب أصحابنا في نحو هذا من إضمار القول. انتهى. ومن الكوفيين الفراء، وهو إمامهم، قال في تفسيره:
وفي قراءة عبد الله: (وهذا لشركائهم)[من الأنعام/ 136] وهو كما تقول في الكلام: قال عبد الله: إن له مالاً، وإن لي مالاً، وهو يريد نفسه، وقد قال الشاعر:
رجلان من مكة أخبرانا .. إلى آخره.
ولو قال: أخبرانا أنهما رأيا، كان صواباً. وقال أيضاً عند قوله تعالى:(إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين)[ص / 70] إن شئت جعلت "أنما" في موضع رفع، كأنك قلت: ما يوحى إلي إلا الإنذار، وإن شئت جعلت المعنى: ما يوحى إلي إلا لأني نبي ونذير، فإذا ألقيت اللام، كان موضع "أنما" نصباً، ويكون في هذا الموضع: ما يوحى إلي إلا أنك نذير مبين، لأن المعنى حكاية، كما تقول في الكلام: أخبروني إني مسيء، وأخبروني إنك مسيء، وهو كقوله:
رجلان من ضبة أخبرانا .. إلى آخره.
والمعنى: أخبرانا أنهما رأيا، فجاز ذلك. لأن أصله الحكاية. انتهى.
وقوله: رجلان، بكسر النون، مثنى رجل، بسكون الجيم، والأصل ضمها، قال ابن جني في "المحتسب": ومن ذلك قراءة سليمان التيمي: (قالت نملة يا أيها النمل)[النمل/ 18] وروي عنه أيضاً: "نملة والنمل" بضمهما، قال أبو الفتح: أما النملة، بفتح النون وضم الميم فأصل النملة، بفتح النون وسكون الميم، لأن فعلاً يخفف إلى فعل: كرجل إلى رجل. قال الشاعر:
رجلان من ضبة أخبرانا .. إلى آخره
فقائل هذا الشعر إما أن يكون له لغتان: رجل ورجل، فإما أن تكون لغته: رجل، بضم الجيم، فاضطر إلى الشعر، فأسكن الجيم. ألا تراه كيف جمع بين رجلان ورجل، ونظير نملة ونمل: سمرة وسمر. انتهى.
وأورد ابن الأنباري البيت في كتاب "الأضداد" قال: ومما يجري مجرى قولهم: راكب وركب، وشارب وشرب، وصاحب وصحب. أنشد الفراء:
رجلان من ضبة أخبرانا .. إلى آخره، هذا كلامه.
وضبة: اسم قبيلة. كذا وجدت في جميع المواضع التي ذكر فيه هذا الرجز، وأراد قائله بالرجل العريان: النذير. قال أبو طالب المفضل بن سلمة في كتاب "الفاخر": إنما قالوا: النذير العريان، لأن الرجل إذا رأى الغارة قد فجئتهم، وأراد إنذار قومه تجرد من ثيابه، وأشار بها، ليعلم أن قد فجئهم أمر، ثم صار مثلاً لكل أمر يخاف مفاجأته، ومن ذلك، قول خفاف بن ندبة يصف فرساً:
نمل إذا ضفز اللجام كأنه
…
رجل يلوح باليدين سليب
وقال آخر: كشخص الرجل العريان، قد فوجئ بالرغب.
ومنه قول الآخر:
رجلان من ضبة أخبرانا .. إلى آخره
وهذا الرجز لم أقف على قائله، والله أعلم.