الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(حرف الألف)
أنشد فيه، وهو الإنشاد الثامن والتسعون بعد الخمسمائة:
(598)
أقبلت من عند زياد كالخرف
…
تخط رجلاي بخط مختلف
تكتبان في الطريق لام الف
قال ابن جني في "سر الصناعة" إنما أراد: كأنهما تخطان حروف المعجم، لا يريد بعضها دون بعض، وقد يمكن أنه أراد بقوله:"لام ألف" شكل "لا" فإنه تلقاه من أفواه العامة، لأن الخط ليس له تعلق بالعرب، ولا عنهم يؤخذ، وقول من لا خبرة له بحروف المعجم كالمعلمين لام أف خطأ، وصواب النطق به "لا" فإنه اسم الألف اللينة التي تكون قبل الياء في آخر حروف المعجم. انتهى.
واعترضه الدماميني بأن نسبة العربي الفصيح إلى أنه اعتمد في النطق على العامة أمر بعيد لا يلتفت إليه، وقوله:"لأن الخط لا تعلق به بالفصاحة" ساقط، لأن ما صدر عنه لفظ لا خط. انتهى. وفيه أن ابن جني إنما قال: لأنا لخط ليس له تعلق بالعرب، ولا عنهم يؤخذ. وهذا حق، والمصنف نقل منه ما ليس في كلامه. نعم يمنع قوله:"إن قول المعلمين لام ألف" خطأ، فإنه قد جاء في شعر غيره، روى أبو زيد في "نوادره" لراجز يصف جندباً وقيل غراباً، وقال ابن الأعرابي في
"نوادره": أنشدني المفضل. وذكر داراً خلت من أهلها، فصار فيها الغربان والظباء والوحش:
يحجل فيها مقلز الحجول
…
نعباً على شقيه كالمشكول
يخط لام ألف موصول
…
والزاي والرا أيما تهليل
خط يد المستطرق المسؤول
والمقلز: رجل الجندب أو الغراب، لأنه اسم آلة من قلز الغراب والعصفور في مشيهما. وكل من لا يمشي مشياً، فهو يقلز، والحجول: وصف من الحجلان وهو مشية المقيد، وروي "بغياً" بدل نعباً، والبغي هنا: الاختيال، والمشكول: الذي في رجليه شكال. وقوله: يخط مضارع خط، وقوله: أيما تهليل: مفعول مطلق، وما زائدة، أي: يهلل تهليلاً أي تهليل، وهلل بمعنى: نكص، وقوله: خط يد، أي: خطأ كخط المستطرق، أي: الكاهن الذي يطرق الحصا بعضه ببعض، وعلى هذا، فالفرق بين "لا" وبين "لام ألف" أن "لا" اسم الألف اللينة، ولام ألف: اسم لا، لأنها على صورة اللام والهمزة إذا كتبتا معاً، وعلم مما تقدم أن "لام ألف" بإضافة لام إلى ألف، لأنه في الأصل مركب مزجي أعرب بإضافة الجزئين إلى الآخر على أحد الوجوه فيه، لا كما زعمه الدماميني تبعاً للرضي. ثم قال ابن جني: وإنما لم يجز أن تفرد الألف اللينة من اللام، وتقام بنفسها كما أقيم سائر حروف المعجم سواها بنفسها من قبل أنها لا تكون إلا ساكنة تابعة للفتحة، والساكن لا يمكن ابتداؤه، فدعمت باللام ليقع الابتداء، ويؤيد هذا أن واضع حروف المعجم إنما رسمها منثورة غير منظومة، فلو كان غرضه في "لا" أن يرينا كيفية تركب اللام مع الألف، للزمه أيضاً أن يرينا كيف تركب الجيم مع الطاء، والقاف مع التاء وغير ذلك مما يطول تعداده، وإنما غرضه التوصل إلى النطق بالألف، فدعم باللام ليمكن الابتداء به. فإن قيل: ما بالهم دعموه في اللام دون سائر الحروف، أجيب بأنهم
خصوا اللام من قبل أنهم لما احتاجوا لسكون لام التعريف إلى حرف يقع الابتداء به قبلها أتوا بالهمزة، فقالوا: الغلام، فكما أدخلوا الألف قبل اللام كذلك أدخلوا اللام قبل الألف ليكو ذلك ضرباً من التقارض. انتهى. واعترض عليه الدماميني بأن الذي توصل به إلى النطق بلام التعريف هو الهمزة لا الألف، والذي توصل باللام إلى النطق به هو الألف الهوائي لا الهمزة، فلا تقارض. انتهى. وفيه أنهما إخوان يبدل كل منهما إلى الآخر، فتبدل الهمزة ألفاً في نحو: رأس، وتبدل الألف همزة في نحو دابة وحبلى في الوقف، وفي هذا القدر من الاشتراك يتحقق التقارض.
واستشهد سيبويه بهذا البيت على أنه ألقى حركة ألف على ميم لام.
وهذا الرجز لأبي النجم العجلي، قال المرزباني في "الموشح": أخبرني الصولي، قال: حدثنا القاسم بن إسماعيل، قال: أنشدنا محمد بن سلام لأبي النجم العجلي وكان له صديق يسقيه الشراب، فينصرف من عنده ثملاً:
أخرج من عند زياد كالخرف
الأبيات الثلاثة قال الصولي: وقد عيب أبو النجم بهذا، فقيل: لولا أنه كان يكتب، ما عرف صورة لام ألف وعناقها [لها]. انتهى. وقد عرفت ما فيه، والخرف: صفة مشبهة من خرف الرجل خرفاً، من باب تعب: فسد عقله لكبره، وخط على الأرض خطا: أعلم علامة.
وترجمة أبي النجم تقدمت في الإنشاد السابع والستين.