الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمتابع لما يكتبه شيخ الإسلام يلحظ أنه لا يعير في كثير من الأحيان الدقة في الأسماء، فيذكر الكتاب باسمه، ثم يعود ويذكره باسم آخر.
وليس أدل على ذلك من قول المصنف في مجموع الفتاوى (13/ 47) بعد أن تكلم عن مذهب جهم، وتكفير وكيع وأحمد من قال بذلك:"وقد بسط الكلام على أقوالهم وأقوال غيرهم في الإيمان".
وكذلك قوله في مجموع الفتاوى (13/ 58) بعد أن تكلم عن مذاهب الناس في الإيمان: "وبسط الكلام في هذا له مواضع أخر، وقد صنفت في ذلك مجلداً غير ما صنفت فيه غير ذلك"، وقد يقال: إنَّ كلاً من كتاب الإيمان الكبير، وكتاب الإيمان الأوسط، شرح لحديث جبريل عليه السلام، وليس ذلك ببعيد، على أنَّ الأوّل هو الراجح.
والنتيجة بعد كل هذا، أنَّ اسم الكتاب الذي قمت بتحقيقه هو: شرح حديث جبريل عليه السلام، وهو الاسم الذي ذكره بعض من ترجم لشيخ الإسلام من تلاميذه (1)، وهو المتفق مع صفة الكتاب وموضوعاته.
كما أنه الاسم الذي أشار إليه المؤلف نفسه رحمه الله، وذكره أكثر من مرة.
ولكن اسم "الإيمان الأوسط" للكتاب، قد اشتهر وذاع على الألسنة والأقلام، وهو مناسب لحجم الكتاب إذا قيس بكتاب "الإيمان الكبير".
فإذا أُخذ بالأول وافق الأصل، وإن أُخذ بالثاني وافق المشهور عند المشايخ وطلبة العلم والباحثين.
ثانياً: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:
كتاب "الإيمان الأوسط" أو كتاب "شرح حديث جبريل" من أجل مصنفات شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، ولا شك في ذلك أبداً، ويدل على ذلك ما يلي:
أولاً: الكتاب -كما قُرر آنفاً- هو شرح مستفيض لحديث
(1) ومنهم ابن شاكر الكتبي في فوات الوفيات (1/ 57).
جبريل عليه السلام، وقد أشار إليه مصنفه -كما ذُكر- غير مرة، في مواضع أخرى، وذكره كذلك بعض من ترجم لشيخ الإسلام كابن عبد الهادي، وابن شاكر الكتبي.
ثانياً: تضمنت نسختا الكتاب الخطيتان (التركية والمحمودية)، والنسخة المطبوعة، نسبة الكتاب إلى شيخ الإسلام رحمه الله.
ثالثاً: أنَّ النسخة التركية وهي أقدم نسخ الكتب سنة (743 هـ)، منقولة عن نسخة للكتاب للشيخ جمال الدين الإسكندري، وهو من تلامذة شيخ الإسلام رحمه الله، ومن أكثر المتخصصين في نقل كلامه، وتحرير مؤلفاته.
قال عنه الإمام الذهبي: "جمال الدين عبد الله بن يعقوب بن سيدهم الإسكندري ثم الصالحي أبو محمد، الشيخ المحدث العالم، نزل دمشق سنة (707 هـ)، سمع وقرأ الكثير وبالغ، ونسخ وحصَّل على ضعف في خطه ولفظه ووعظه، وفي الجملة على جنانه بقية مروءة وكيس، وعلى ذهنه فوائد مهمة وحكايات، وله جامع وتعاليق، أوذي من أجل ابن تيمية وقُطع رزقه، وبالغوا في التحريز عليه، ثم انصلح حاله. . "(1).
وقد ترجم له الحافظ جمال الدين ابن رافع السلامي (774 هـ) وقال عنه: "وقرأ المواعيد بخطه من كلام ابن تيمية كثيراً"(2).
كما ترجم له الحافظ ابن حجر في الدرر الكامنة، وكان مما قاله عنه:(وكتب الكثير من فتاوى ابن تيمية، تكلم فيه الذهبي. . " (3).
قلت: قوله: تكلم فيه الذهبي، يعني قول الذهبي السابق: على ضعف في خطه ووعظه ولفظه، ومهما يكن من شيء فهو على آية حال من المتخصصين في نقل كلام شيخ الإسلام ونسخ كتبه وتحريرها، والمكثرين في ذلك المجال، وبمثل الشيخ جمال الدين الإسكندري حفظ الله مؤلفات
(1) المعجم المختص (132).
(2)
في كتابه الوفيات (2/ 163) ، وقد ذكر تاريخ وفاته تحديداً، وذلك في السابع من ذي القعدة، سنة 754 هـ.
(3)
الدرر الكامنة (2/ 307).
شيخ الإسلام، التي استمات أعداؤه في إتلافها وطمسها، وحرمان الناس منها.
رابعاً: أن الكتاب متفق مع أسلوب شيخ الإسلام، في طرحه للقضايا، ومعالجته لها، وقد عالج شيخ الإسلام خلاله كثيراً من الموضوعات التي عني بها في مؤلفاته الأخرى، بأسلوب يكاد يكون واحداً، بل بعبارات متشابهة، بل مكررة في بعض الأحيان، كما أن شيخ الإسلام في مواضع متفرقة من مؤلفاته الأخرى، يحيل -بطريقة غير مباشرة- على كتابه هذا، فيقول مثلاً -جرياً على عادته-: وقد بسطناه في موضع آخر، أو يقول: ولبسط هذا مواضع أخرى، ونحو ذلك، وبالتتبع وجدت أن بسط هذه المواضع قد تم في كتاب "الإيمان الأوسط" أو كتاب "شرح حديث جبريل"، ومن ذلك:
1 -
ما ورد في مجموع الفتاوى (4/ 484) من كلام عن بعض موانع إنفاذ الوعيد، وقال بعد ذلك:"فلا نشهد على معين، بأنه من أصحاب النار، لجواز تخلف المقتضى عن المقتضي لمعارض راجح، إما توبة، وإما حسنات ماحية، وإما مصائب مكفرة، وإما شفاعة مقبولة، وإما غير ذلك كما قررناه في غير هذا الموضع".
قلت: ومن المعلوم أنَّ أوسع موضع بحث المؤلف فيه هذه القضية هي الإيمان الأوسط.
2 -
قوله في مجموع الفتاوى (10/ 748): "وقد بسط الكلام في الإيمان وما يتعلق بذلك في غير هذا الموضع"، وقد كان كلامه في جواب لسؤال عن العزم على الفعل والإرادة والهم، وهذه المسألة أفاض فيها في الإيمان الأوسط، ولم يتطرق إليها في الإيمان الكبير إلَّا إشارة، وكذلك عقب بذكر الوجوه التي أخطأت فيها الجهمية، وهو ما صنعه في الإيمان الأوسط.
3 -
قول المؤلف في مجموع الفتاوى (14/ 121) بعد أن ذكر بطلان مذهب جهم في الإيمان: "كما قد بسط في غير هذا الموضع".
ومعلوم إنَّ المصنف قد أبطل مذهب جهم في كتاب "الإيمان الأوسط" من وجوه كثيرة.
4 -
كلامه في مجموع الفتاوى (16/ 18) عن آية: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. . .} ثم قوله: "وقد ذكرنا في غير موضع أنَّ هذه الآية في حق التائبين. . . " وقد تكلم عن تلك الآية في الإيمان الأوسط.
وقال أيضًا: "وقد ذكرنا في غير موضع أنَّ هذه كما ترد على الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فهي ترد أيضًا على المرجئة الواقفة الذين يقولون. . ".
وقد ذكر قريباً من ذلك في كتاب "الإيمان الأوسط".
5 -
قول المؤلف في مجموع الفتاوى (8/ 10) بعد أن تكلم عن مذهب الخوارج والمعتزلة في الإيمان: "ليس هذا موضعه، وقد بسطناه في مواضعه. . ".
ومعلوم أن المصنف قد تحدث عن مذهب كل من الخوارج والمعتزلة في كتاب "الإيمان الأوسط".
6 -
قوله في مجموع الفتاوى (12/ 477): "ومنهم من يقول: ليس الإيمان في اللغة هو التصديق، بل هو الإقرار، وهو في الشرع الإقرار أيضاً، والإقرار يتناول القول والعمل، وليس هذا موضع بسط ذلك، فقد بسطته في غير هذا الموضع"، وقد بُسط ذلك بالدرجة الأولى في الإيمان الأوسط.
7 -
قوله في مجموع الفتاوى (28/ 177) بعد أن ذكر كلام السلف في أنَّ الإيمان قول وعمل، أو قول وعمل ونية:"وهذا فيه رد على المرجئة الذين يجعلون مجرد القول كافياً، فأخبر أنه لا بد من قول وعمل. . كما قد بسطناه في غير هذا الموضع، وبينا أن مجرد تصديق القلب واللسان مع البغض والاستكبار لا يكون إيماناً -باتفاق المؤمنين- حتى يقترن بالتصديق عمل. ." ومعلوم أنَّ تلك القضية قد أفاض فيها في كتاب الإيمان الأوسط.