الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيأكل منه طير، أو سبع، أو حيوان، إلَّا كان له صدقة) (1).
[اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بفقه الحلال والحرام]
ولا خلاف أن الصحابة كانت لهم أسباب ومعائش شتى، مع كثرة اشتغالهم بالغزو، الَّذي هو من أشد الأعمال على النفوس، وكان تورعهم واجتهادهم وفقههم الَّذي يتدارسونه بينهم معرفة الحلال والحرام، في المآكل، والمشارب، والملابس، والمساكن، والمناكح، ونحو ذلك، وكانوا يرجعون في ذلك كله إلى الكتاب والسنة، ويستفتون رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال حياته، ويسأل بعضهم بعضًا عن سنته بعد وفاته، حتى حفظ عنهم في باب المعاملات ما قطع حجة كل أفاك أثيم، وعرف من شعارهم ما لو تمسكنا به لم نعدل عن النهج القويم، ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم.
باع عثمان بن عفان رضي الله عنه طعامًا، فجاء فاستفتى النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يبيع الطعام، أجرة الكيل على البائع، أم على المشتري، فأفتاه أنها على البائع (2).
(1) رواه البخاري برقم (2320) كتاب المزارعة باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه، ومسلم برقم (1553) 3/ 1189 كتاب المساقاة باب فضل الغرس والزرع، والترمذي برقم (1382) كتاب الأحكام، وأحمد برقم (12038).
(2)
لم أجد هذا الحديث فيما بحثت عنه من مصادر حديثية، غير أن الإمام البخاري في جامعه الصحيح (2/ 96) بوب بابًا قال له: باب الكيل على البائع والمعطي. . إلى أن قال: ويذكر عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "إذا بعت فكل، وإذا بعت فاكتل".
وقال الحافظ في الفتح (4/ 342) شارحًا ما ذكره البخاري آنفًا: (أي مؤنة الكيل على المعطي بائعًا كان أو موفي دين أو غير ذلك. . . وهو قول فقهاء الأنصار. .).
قلت: وحديت عثمان أخرجه أحمد برقم (444)، والبخاري في التاريخ الكبير (8/ 18)، والطحاوي في شرح معانى الآثار (4/ 16)، والدارقطني في سننه (3/ 8)، والبيهقي في سننه (5/ 315).
والحديث من رواية منقذ مولى ابن سراقة عن عثمان رضي الله عنه، ومنقذ مجهول الحال كما قال الحافظ في الفتح (4/ 344)، وروي الحديث أيضًا من رواية عبد الله بن لهيعة عن موسى بن وردان عن سعيد بن المسيب عن عثمان رضي الله عنه، وقال الحافظ =
وجاء رجل يوم خيبر، فقال:(يا رسول الله، ما ربح أحد من أهل الوادي ما ربحت اليوم، ما زلت أبيع وأشتري حتَّى ربحت ثلاثمائة أوقية من الذهب، أو قال من الفضة) رواه أبو داود (1).
وقد خرَّج البخاري في باب من لم يبال من أين يكسب المال، عن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء من أين أخذ المال، من حرام، أم من حلال (2).
وفي باب التجارة في البز (3) وغيره قال قتادة: (كان القوم يتبايعون، ويتجرون، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله، لم تلههم تجارة، ولا بيع
= في الفتح (4/ 345) معقبًا على هذه الطريق: (وفيه ابن لهيعة، ولكنه من قديم حديثه، لأن ابن عبد الحكم أورده في (فتوح مصر) من طريق الليث عنه)، وقد أشار قبله الحافظ البيهقي (5/ 315) إلى أن هذا الحديث قد رواه عن ابن لهيعة عبد الله ابن المبارك، ومعلوم أن رواية ابن المبارك عنه كانت قبل الاختلاط.
ومراد المصنف رحمه الله تعالى من ذكر قصة عثمان رضي الله عنه الاستدلال على ما ذكره من هدي الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، من سؤالهم النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ما يشكل عليهم في البيع والمعاملات، وأما استدلاله على سؤال الصحابة لبعضهم بعضًا عن سنته صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، فبذكر حديث زيد بن أرقم والبراء بن عازب الَّذي يأتي قريبًا -إن شاء الله- في الصرف.
(1)
رواه أبو داود برقم (2785) كتاب الجهاد، والبيهقي في سننه (6/ 332)، ورواته كلهم ثقات غير عبد الله بن سليمان راوي الحديث عن الصحابي صاحب القصة، فإنه مجهول كما قال الحافظ في التقريب (371)، والحديث ذكره الشيخ الألبانى في كتابه ضعيف أبي داود برقم (953).
(2)
رواه البخاري برقم (2059)، كتاب البيوع باب من لم يبال من حيث كسب المال، والنسائي برقم (4454) كتاب البيوع، والدارمي برقم (2536) كتاب البيوع، وأحمد برقم (2536).
(3)
في نسخة الأصل: في البحر، والصحيح ما أثبتناه موافقة لما في الصحيح، وهو الباب الَّذي ذكر قول قتادة بعده، وقد مر معنا في المثبت من المطبوع من الصحيح (2/ 77) بالزاي، وهو باب التجارة في البز وغيره، ولقول الحافظ في الفتح (4/ 297): (واختلف في ضبط البز، فالأكثر على أنَّه بالزاي، وليس في الحديث ما يدل عليه بخصوصه. . . وصوب ابن عساكر أنَّه بالراء، وهو أليق بمؤاخاة الترجمة التي بعد هذه باب، وهو التجارة في البحر".
عن ذكر الله، حتَّى يؤدونه إلى الله) (1).
وفيه عن عمرو بن دينار عن أبي المنهال قال: كنت أتجر في الصرف (2)، قال: قالت زيد بن أرقم فقال: كنت أنا والبراء بن عازب تاجرين في الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألناه في الصرف فقال:"إن كان يدًا بيد فلا بأس، وإن كان إلى أجل لا يصلح"(3).
(1) قال البخاري في جامعه الصحيح (2/ 77) في كتاب البيوع باب التجارة في البز وغيره: (قال قتادة: كان القوم يتبايعون ويتجرون، ولكنهم إذا نابهم حق من حقوق الله، لم تلههم تجارة ولا بيع عن ذكر الله حتَّى يؤدوه إلى الله).
وقال الحافظ في الفتح (4/ 297) عن أثر قتادة: (لم أقف عليه موصلًا عنه، وقد وقع لي من كلام ابن عمر أخرجه عبد الرزاق عنه أنَّه كان في السوق، فأقيمت الصلاة، فأغلقوا حوانيتهما ودخلوا المسجد، فقال ابن عمر: فيم نزلت فذكر الآية، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود نحوه، وفي الحلية عن سفيان الثوري: كانوا يتبايعون ولا يدعون الصلوات المكتوبات في الجماعة).
قلت: قد روى الطبراني في المعجم الكبير (9/ 222) عن ابن مسعود رضي الله عنه أنَّه رأى ناسًا من أهل السوق سمعوا الأذان، فتركوا أمتعتهم، وقاموا إلى الصلاة، فقال: هؤلاء الذين قال الله فيهم {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} وقال محققه: قال في المجمع (7/ 83): وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وروى الحاكم في المستدرك (2/ 398) عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما: كانوا أتجر الناس وأبيعهم، ولكن لم تكن تلهيهم تجارتهم ولا بيعهم عن ذكر الله، وصححه، ووافقه الذهبي.
(2)
معنى الصرف في المال لغة كما في القاموس المحيط (1068)، (فضل بعضه على بعض في القيمة)، وأما عند الفقهاء فيعرفه ابن عابدين بقوله في حاشيته (4/ 334):(بيع الثمن بالثمن، جنسًا بجنس، أو بغير جنس)، ويقول ابن قدامة في المغني (4/ 192):"الصرف بيع الأثمان بعضها ببعض، والقبض في المجلس شرط لصحته بغير خلاف".
(3)
رواه البخاري برقمي (2060)، (2061) كتاب البيوع باب التجارة في البز وغيره، ومسلم بنحوه برقم (1589) 3/ 1212 كتاب البيوع باب النهي عن بيع الورق بالذهب دينًا، والنسائي برقم (4576) كتاب البيوع، وفي سننه الكبرى (4/ 31)، وأحمد برقم (19336)، والدارقطني في سننه (3/ 17)، والبيهقي في سننه (5/ 280).
وروى الشعبي عن النعمان بن بشير يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهة، فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم كان لما استبان أترك، ومن اجترأ [على] ما يشك فيه [من الإثم]، أوشك أن يواقع ما استبان، والمعاصي حمى الله، من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه"(1).
وعن عقبة بن الحارث (2): (أن امرأة دخلت عليه، فأخبرته أنها أرضعت امرأته، الحديث، وفيه: فكيف وقد قيل! ! )(3).
وقد روي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "غبن المسترسل ربا"(4)،
(1) هذا حديث عظيم، وأصل كبير من أصول الدين الإسلامي، وقد رواه بهذا اللفظ البخاري في صحيحه برقم (2051) كتاب البيوع باب الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات، ورواه بنحوه الإمام أحمد برقم (17917)، وقد رواه البخاري بلفظ قريب من هذا برقم (52) كتاب الإيمان باب فضل من استبرأ لدينه، ورواه مسلم برقم (5199) 3/ 1219 كتاب المساقاة باب أخذ الحلال وترك الشبهات، والترمذي برقم (1205) كتاب البيوع، والنسائي برقم (4453) كتاب البيوع، وأبو داود برقم (2051) كتاب البيوع، وابن ماجة برقم (3984) كتاب الفتن، وأحمد برقم (27638)، والدارمي برقم (2531) كتاب البيوع.
(2)
في نسخة الأصل: عقبة بن عامر، وما أثبتناه هو الَّذي يوافق ما في الصحيح والروايات الأخرى، وهو ما ذكره الإمام أبو عمر ابن عبد البر في الاستيعاب (3/ 107) على هامش الإصابة.
(3)
رواه البخاري برقم (88) كتاب العلم باب الرحلة في المسألة النازلة وتعليم أهله، ورواه أيضًا برقم (2052) كتاب البيع باب ما يتنزه من الشبهات، والترمذي برقم (1151) كتاب الرضاع، والنسائي برقم (3330) كتاب النِّكَاح، وأبو داود برقم (3603) كتاب الأقضية، والدارمي برقم (2255) كتاب النكاح، وأحمد برقم (15716).
ولفظ البخاري كما في كتاب العلم: عن عبد الله بن أبي مليكة عن عقبة بن الحارث أنَّه تزوج ابنة لأبي إهاب بن عزيز، فأتته امرأة فقالت: إني قد أرضعت عقبة والتي تزوج، فقال لها عقبة: ما أعلم أنك أرضعتني، ولا أخبرتني، فركب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فسأله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف وقد قيل؟ ففارقها عقبة ونكحت زوجًا غيره.
(4)
رواه ابن عدي في الكامل (6/ 340)، وقال عن متنه: منكر، ورواه البيهقي (5/ 384) عن موسى بن عمير عن مكحول عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من استرسل إلى مؤمن فغبنه كان غبنه ذلك ربا"، وقال بعد أن رواه: "موسى بن =
والمسترسل: الَّذي لا يماكس، بل يقول: خذ أعطني (1)، فيرجع في بيعه إلى قيمة المثل، أو يكسب عليه القدر المعارف من غير شطط، ولا جور.
وكيف يصح أن الدنيا ملعونة، وليس من رزق، ولا من نعمة، ينالها العبد إلَّا على ظهرها.
وقد قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15]، وإنما يذم منها حرام من غير وجهه، أو حلال على سبيل التكاثر والتفاخر، وما يقتنى قصد المباهاة والمماراة، فذلك الَّذي هو ممقوت عند ذوي الألباب (2).
= عمر القرشي هذا تكلموا فيه، وقال أبو أحمد بن عدي الحافظ: موسى بن عمير عامة ما يرويه مما لا يتابعه الثقات عليه"، ثم قال:(وقد روي معناه عن يعيش بن هشام القرقيساني عن مالك، واختلف عليه في إسناده، وهو أضعف من هذا).
ورواه أيضًا من طريق يعيش بن هشام -كما أشار- عن مالك عن الزهري عن أنس رضي الله عنه، ومن طريق يعيش أيضًا عن مالك عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله عنه، ورواه بمثله لكن عن جابر رضي الله عنه.
ورواه الطبراني في المعجم الكبير (8/ 126) بلفظ: (غبن المسترسل حرام).
وقال الحافظ العراقى في تخريج كتاب الإحياء (2/ 90): (أخرجه الطبراني من حديث أبي أمامة بسند ضعيف، والبيهقي من حديث جابر بسند جيد. . .).
فالحديث يدور على رجلين ضعيفين جدًّا، بل متروكين، هما موسى بن عمير القرشي، ويعيش بن هشام، فلا يصح البتة، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الجامع الصغير برقم (3908)، وقال عنه في سلسلته الضعيفة برقم (668): باطل، وتعقب الحافظ العراقي في قوله: والبيهقي من حديث جابر بسند جيد.
(1)
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (4/ 93): (قال أحمد: المسترسل الَّذي لا يحسن يماكس، وفي لفظ: الَّذي لا يماكس).
(2)
قول المصنف: وكيف يصح أن الدنيا ملعونة. . . يحمل على أحد معنيين:
الأول: أن الأحاديث في هذا الباب لم تصح عنده، فالنفي هنا على حقيقته.
والثاني: أن المقصود عنده هو نفي لعن الدنيا بإطلاق، ويؤيد هذا الاحتمال تفصيله بعد ذلك فيما يحمد ويذم منها.
وقد جاءت عدة أحاديث بلفظ: (الدنيا ملعونة ملعون ما فيها، إلَّا ذكر الله وما والاه، أو عالمًا أو متعلمًا) وفي بعضها: (إلَّا ما ابتغي به وجه الله عز وجل) وفي بعضها الآخر: (إلا ما كان منها لله عز وجل) وورد: "إلا أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر أو ذكر الله)، وقد روى الوجه الأول منه الترمذي برقم (2322) في كتاب الزهد، وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجة برقم (4112) كتاب الزهد، والدارمي =
وقد جاء رجل يوم خيبر فقال: (يا رسول الله ما ربح أحد من أهل هذا الوادي ما ربحت اليوم، ما زلت أبيع وأشتري حتَّى ربحت ثلاثمائة أوقية)(1).
وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عروة براي أبي الجعد البارقي، يشتري له شاة بدينار، فاشتري شاتين بدينار، ثم رجع التي النبي صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، وقال:(إني اشتريت شاتين بدينار، فبعت إحداهما بدينار، وهذه شاة ودينار)، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"أربح الله بيعك" رواه البخاري.
وفيه: (وكان عروة البارقي لو اتجر في التراب لربح)(2).
وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجرًا (3).
= برقم (324) في المقدمة عن كعب الأحبار، والحديث حسنه الشيخ ناصر الدين الألباني في كتابه صحيح سنن ابن ماجة برقم (3320).
(1)
تقدم تخريج هذا الحديث ص 642.
(2)
رواه البخاري برقم (3643) كتاب المناقب، والترمذي برقم (1258) كتاب البيوع، وأبو داود برقم (3384) كتاب البيوع، وابن ماجة برقم (3402).
(3)
هذا أمر مشهور من سيرة الصديق رضي الله عنه في الجاهلية والإسلام، فقد ذكر الذهبي في كتابه سير الخلفاء الراشدين من سير أعلام النبلاء (8) عن عروة بن الزبير أنَّه قال:(أسلم أبو بكر يوم أسلم، وله أربعون ألف دينار).
وروي البخاري برقم (2070) كتاب البيوع باب كسب الرجال وعمله بيده عن عائشة قالت: (لما استخلف أبو بكر الصديق قال: لقد علم قومي أن حرفتي لم تكن تعجز عن مؤنة أهلي، وشغلت بأمر المسلمين، فسيأكل آل أبي بكر من هذا المال، وأحترف للمسلمين فيه).
وروي ابن سعد (3/ 182) بإسناد مرسل رجاله ثقات -كما قال الحافظ في الفتح (4/ 305) - قال: (لما استخلف أبو بكر أصبح غاديًا إلى السوق، على رأسه أثواب يتجر بها، فلقيه عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح، فقال: كيفت تصنع هذا وقد وليت أمر المسلمين؟ قال: فمن أين أطعم عيالي؟ قالوا: نفرض لك، ففرضوا له كل يوم شطر شاة).
وروي ابن سعد أيضًا (3/ 183) قال: (لما استخلف أبو بكر جعلوا له ألفين، قال: زيدوني فإن لي عيالًا، وقد شغلتموني عن التجارة، فزادوه خمسمائة)، وسنده صحيح كما ذكر الحافظ في تلخيص الحبير (4/ 194).
وقد كانت تجارته وماله كل ذلك في سبيل الله، وفي نصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر رواه الترمذي برقم (3661) كتاب المناقب، وابن ماجة برقم (94) في =
وقد روى أهل العلم بأحوال الصحابة وأيام الناس، أن الزبير رضي الله عنه مات وعليه ثمانون ألف دينار، فقضيت من تركته، ثم كان الثمن من تركته بعد ذلك ستين ألف دينار، وكان مما ترك من كراع وسلاح وأثاث ألف فرس (1).
وقد عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلًا وهو ممن شهد بدرًا وفتح خيبر فقال: يا رسول الله إنك زوجتني فلانة ولم أسم لها مهرًا وإني قد جعلت لها من ذلك سهمي الَّذي بخيبر فأجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فباعته بمائة ألف، خرجته العلماء في كتب الأحكام"، واتسع الإسلام في زمن عمر رضي الله عنه، وفشى
= المقدمة، وأحمد برقم (7397)، فرضي الله عن الصديق وعن الصحابة أجمعين، (1) روي البخاري في صحيحه برقم (3129) كتاب فرض الخمس باب بركة الغازي في ماله حيًا وميتًا، مع النبي صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر عن عبد الله بن الزبير قصة وصية الزبير لابنه عبد الله في وقعة الجمل من أجل قضاء دينه، وفيه أن دينه قد بلغ ألفي ألف ومائتي ألف درهم، (أي مليونين ومائتي ألف درهم) وأنه باع أرضًا لأبيه تدعى الغابة، وقضى دين أبيه، وما أوصى به، وكان للزبير أربع نسوة، فأصاب كل واحدة منهن ألف ومائتا ألف، (أي مليون ومائتا ألف).
ويقتضي على هذا التقسيم أن يكون مال الزبير رضي الله عنه قد بلغ كله خمسين ألف ألف ومائتا ألف، (أي خمسين مليونًا ومائتا ألف) كما قال الذهبي في السير (1/ 67)، أو يكون قد بلغ تسعة وخمسين ألف ألف وثمانمائة ألف، (أي تسعة وخمسين مليونًا وثمانمائة ألف) كما قال ابن كثير في البداية (7/ 261)، وقد تولي الحافظ رحمه الله في الفتح (6/ 232) الإجابة عن اختلاف الأرقام في تقدير تركة الزبير رضي الله عنه.
ومراد المصنف هنا أن الصحابة لم يمنعهم زهدهم في الدنيا من المشي في مناكب الأرض، وتحصيل أسباب الرزق والمعائش، ولكن كانت هذه الأموال العظيمة والثروات الهائلة تنفق في سبيل الله، فقد روى أبو نعيم في الحلي:(1/ 90)، والبيهقي في سننه (8/ 9) عن مغيث بن سمي قال:(كان للزبير ألف مملوك يؤدون إليه الخراج، ما يدخل بيته من خراجهم شيئًا)، وسنده حسن، ومغيث لم يلق الزبير، لكنه لقي ابنه عبد الله وروى عنه.
والشاهد من هذا إنفاق الزبير رضي الله عنه خراج هؤلاء المماليك في سبيل الله، وهكذا كان أثرياء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين كعثمان وطلحة وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم.
(1)
رواه أبو داود برقم (2117) كتاب النكاح، ورواه ابن حبان في صحيحه برقم (4072) وقال محققه: إسناده صحيح، ورواه الحاكم في المستدرك (2/ 198) وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، ورواه البيهقي في السنن الكبرى =
المال حتَّى تحدث أن نخلة بيعت بألف واشترى علي فيه فرسًا بمائة ناقة.
وقد قال حاتم الأصم (1): (من اكتفى بتحسين المقال دون التفقه والعمل به تزندق، ومن عمل بغير علم وقع في البدع، ومن تفقه ولم ينشر العلم ولم ير العمل به من شرطه فسق، ومن تفنن في الأبواب كلها تخلص)(2).
فما وجدناه من كتاب الله تعالى، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن جميع أصحابه الطاهرين رضي الله عنهم أجمعين، أخذناه باليدين، وعضضنا عليه بالناجذين (3)، وتمسكنا به حتَّى نلقى الله به معتصمين، وما لم نجده في هذه الأنوار الساطعة، والطرق المأمونة، والسبيل المضمونة المقطوع على أنها حق عند الله تعالى نفرنا منه ولم نجسر عليه ووليناه من تولاه وحسبنا الله ونعم الوكيل.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين# (4).
= (7/ 232) والحديث ذكره الشيخ الألباني رحمه الله في كتاب صحيح أبي داود برقم (1859).
(1)
هو حاتم بن عنوان بن يوسف البلخي، نعته الذهبي بقوله:(الزاهد القدوة الرباني. . . الواعظ الناطق بالحكمة. . له كلام جليل في الزهد والمواعظ والحكم، كان يقال له: لقمان هذه الأمة)، وهو أحد الذين صحبوا شقيقًا البلخي، وذكر أنَّه اجتمع بالإمام أحمد رحمه الله ببغداد، وأن الإمام سأله عن أشياء، ومات رحمه الله سنة 237 هـ.
الجرح والتعديل (3/ 260)، حلية الأولياء (8/ 73)، تاريخ بغداد (8/ 241) سير أعلام النبلاء (11/ 484) شذرات الذهب (3/ 168).
(2)
هذا القول نسبه أبو نعيم الأصبهاني في حلية الأولياء (10/ 236) إلى أبي بكر محمد بن عمر الوراق البلخي، ولفظه كما ورد في الحلية:(من اكتفى بالكلام دون الزهد تزندق، ومن اكتفى بالزهد دون الكلام والفقه ابتدع، ومن اكتفى بالفقه دون الزهد والورع تفسق، ومن تفنن في هذه الأمور كلها تخلص).
(3)
قال في الصحاح (2/ 571): (الناجذ آخر الأضراس. . . ويسمى ضرس الحلم، لأنه ينبت بعد البلوغ وكمال العقل).
وقال في القاموس المحيط (432): (النواجذ أقصى الأضراس، وهي أربعة، أو هي الأنياب، أو التي تلي الأنياب، أو هي الأضراس كلها جمع ناجذ).
(4)
ما بين العلامتين (#) أي من (ص 579 - ص 648) ساقط من النسخة المطبوعة للكتاب ومن نسخة المكتبة المحمودية، وهو ما انفردت به نسخة الأصل.
وبذلك تم الكتاب ولله الحمد والمنة أولًا وأخيرًا وفي كل حين، وقد كتب في الحاشية:(بلغ مقابلة وتصحيحًا بحضور الشيخ أحمد صهر عبد الله الإسكندري، وهو المجلس الأخير، والله أعلم).