المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سابعا: حكم ترك جنس الأعمال: - الإيمان الأوسط - ط ابن الجوزي

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌أما الأسباب العامة فهي:

- ‌أما الأسباب الخاصة فهي:

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول ترجمة المؤلف رحمه الله

- ‌أولًا: اسمه ونسبه:

- ‌ثانيًا: مكانة أسرته العلمية والاجتماعية:

- ‌ثالثًا: مولده ونشأته وشيوخه ومكانته العلمية في نظر معاصريه:

- ‌رابعًا: دعوته وجهاده:

- ‌خامسًا: محنه وسجنه:

- ‌سادسًا: تلاميذه وأثره:

- ‌سابعاً: مصنفاته وكتبه:

- ‌ثامناً: جوانب أخرى في حياة شيخ الإسلام:

- ‌تاسعاً: وفاته:

- ‌المبحث الثاني دراسة تحليلية وتفصيلية عن الكتاب

- ‌القسم الأولدراسة المسائل الأصلية

- ‌المسألة الأولى أقسام الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المسألة الثانية تعريف النفاق والسلام عليه

- ‌سبب ظهور النفاق:

- ‌أصل المنافقين:

- ‌أقسام النفاق:

- ‌الأول: نفاق اعتقادي:

- ‌الثائي: نفاق عملي:

- ‌خوف الصحابة والسلف من النفاق:

- ‌قاعدة:

- ‌حكم المنافقين:

- ‌كيفية جهاد المنافقين:

- ‌الكرامية يسمون المنافقين مؤمنين:

- ‌المنافق هو الزنديق:

- ‌الخلاف في قبول توبة الزنديق:

- ‌المسألة الثالثة وجوب التفريق بين الحكم الظاهر والباطن

- ‌المسألة الرابعة الخلاف في مسمى الإيمان

- ‌أولًا: أصل الخلاف في الإيمان، وسبب التفرق في مفهومه:

- ‌الشبهة الأولى:

- ‌الشبهة الثانية:

- ‌ثانيًا: تقرير شبهتهم في الإيمان:

- ‌ثالثًا: الرد على شبهتم في الإيمان، وذلك من وجوه:

- ‌القاعدة الأولى: أن شعب الإيمان ليست متلازمة في الانتفاء

- ‌القاعدة الثانية: أن شعب الإيمان قد تتلازم عند القوة، ولا تتلازم عند الضعف

- ‌رابعًا: الرد التفصيلي على آراء الفرق في الإيمان:

- ‌أولًا: الرد على الخوارج:

- ‌ثانيًا: الرد على المعتزلة:

- ‌ثالثًا: الرد على الكرامية:

- ‌رابعًا: الرد علي مرجئة الفقهاء:

- ‌خامسًا: الرد على الجهمية والأشاعرة والماتريدية:

- ‌الرد الإجمالي:

- ‌الرد التفصيلي

- ‌خامسًا: مناقشة تحليلية لمذاهب المرجئة من الجهمية ومن اتبعهم كالأشاعرة، والماتريدية، وغيرهم، الذين أخرجوا الأعمال من الإيمان:

- ‌بعض المفاهيم والأصول الخاطئة العامة عند هؤلاء المرجئة، والرد عليها:

- ‌خلاصة هامة:

- ‌سادسًا: الرد على من قال: إن دخول الأعمال في الإيمان على سبيل المجاز:

- ‌الطريق الأول:

- ‌الطريق الثاني:

- ‌الأمر الأول:

- ‌الأمر الثاني:

- ‌سابعًا: حكم ترك جنس الأعمال:

- ‌ثامنًا: موقف شيخ الإسلام من الخلاف بين السلف ومرجئة الفقهاء في الإيمان:

- ‌المسألة الخامسة تقرير مذهب السلف في الإيمان

- ‌أولًا: زيادة الإيمان ونقصانه:

- ‌ثانيًا: الاستثناء في الإيمان:

- ‌الأقوال في الإسلام والإيمان والفرق بينهما

- ‌القول الأول:

- ‌القول الثاني:

- ‌القول الثالث:

- ‌القول الرابع:

- ‌القسم الثانيدراسة المسائل الفرعية

- ‌المسألة الأولى مناقشات المصنف لبعض أقوال الفلاسفة وغلاة المتصوفة:

- ‌أولًا: مناقشة الفلاسفة:

- ‌ثانيًا: مناقشة غلاة المتصوفة:

- ‌المسألة الثانية الكلام على الأحاديث التي ذكر فيها الإسلام والإيمان

- ‌(تابع المسائل الأصلية) الإحسان والكلام عليه

- ‌تعريف الإحسان:

- ‌تعريف الإخلاص:

- ‌الإحسان في العلم:

- ‌الإحسان في أعمال الجوارح:

- ‌فروض الكفاية:

- ‌الإحسان في أعمال القلوب والجوارح:

- ‌الإحسان في المعاملات:

- ‌الإحسان في البيوع:

- ‌إزالة الضرر من الإحسان الواجب:

- ‌إطعام الطعام من الإحسان:

- ‌النهي عن الرشوة من الإحسان:

- ‌وضع الجوائح من الإحسان:

- ‌الدعوة إلى الله عز وجل من الإحسان:

- ‌طلب الرزق والمعاش من الإحسان:

- ‌فقه الحلال والحرام من الإحسان:

- ‌أكل الحلال من الإحسان:

- ‌الورع واتقاء الشبهات من الإحسان:

- ‌الحديث الأول:

- ‌الحديث الثاني:

- ‌مسك الختام للكتاب:

- ‌المبحث الثالث المقارنة بين كتاب الإيمان الكبير وكتاب شرح حديث جبريل

- ‌أوَّلًا: أي الكتابين أسبق تصنيفًا

- ‌ثانيًا: عرض المسائل في الكتابين، وأبرز الفروق بينهما:

- ‌أولًا: الاختصار في شرح حديث جبريل، والإسهاب في الإيمان الكبير:

- ‌ثانيًا: كثرة مصادر "الإيمان الكبير"، وقلّتها في "شرح حديث جبريل

- ‌ثالثًا: منهجه في "شرح حديث جبريل" يغلب عليه التقرير:

- ‌رابعاً: كثرة الاستطرادات والتكرار في "الإيمان الكبير" دون "شرح حديث جبريل

- ‌خامساً: ورود بعض المصطلحات في كتاب دون الآخر:

- ‌ثالثاً: ما تميز به كتاب "شرح حديث جبريل" عن كتاب "الإيمان الكبير

- ‌المبحث الرابع دراسة عن نسخ الكتاب المطبوع منها والمخطوط

- ‌أولاً: اسم الكتاب:

- ‌ثانياً: توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف:

- ‌ثالثاً: المطبوع من نسخ الكتاب:

- ‌الطبعة الأولى:

- ‌الطبعة الثانية:

- ‌رابعاً: المخطوط من نسخ الكتاب:

- ‌[مقدمة الكتاب]

- ‌فصل

- ‌[أصناف الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[ما أنزل الله عز وجل في المنافقين]

- ‌[المراد بالزنديق عند الفقهاء]

- ‌[خيانة امرأة لوط عليه السلام في الدين لا في الفراش]

- ‌[تحقيق المقام في الوصف بالإسلام]

- ‌[أول خلاف ظهر في الإسلام]

- ‌[ظهور الخوارج]

- ‌[مذهب الخوارج والرد عليهم]

- ‌[ثبوت الشفاعة بالتواتر في الآخرة]

- ‌[الحسنات تكفر الكبائر على القول الراجح]

- ‌[اجتناب الكبائر سبب لتكفير الصغائر]

- ‌[المغفرة قد تكون مع الكبائر]

- ‌[الصلاة أول الأعمال التي يحاسب عليها المرء]

- ‌[النافلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌[التوحيد والعدل عند المعتزلة]

- ‌[الكفر محبط لجميع الحسنات والتوبة محبطة لجميع السيئات]

- ‌[احتجاج الخوارج والمعتزلة على مذهبهم]

- ‌[مأخذ أكثر السلف في الاستثناء]

- ‌فصل[مذهب الناس في الوعد والوعيد]

- ‌[قول الفلاسفة في الوعد والعيد]

- ‌فصل[النزاع في مسائل الإيمان]

- ‌[مذهب أهل السنة في مسائل الإيمان]

- ‌[اختلاف عبارة السلف في الإيمان، والمعنى واحد]

- ‌[معنى عبارات السلف في الإيمان]

- ‌[مذهب مرجئة الفقهاء]

- ‌[إنكار السلف على المرجئة، مع عدم تكفيرهم]

- ‌[تكفير الجهمية لا يقتضي تكفير أعيانهم]

- ‌[مذهب أبي حنيفة وابن كلاب في الإيمان]

- ‌[مذهب الجهمية في الإيمان وتكفير من قال به]

- ‌[لوازم مذهب الجهمية في الإيمان]

- ‌[مذهب الكرامية في الإيمان]

- ‌[مذهب الصالحي والأشعري في المشهور عنه]

- ‌[الأشاعرة من المرجئة]

- ‌[القول الثاني للأشعري الذي وافق فيه السلف]

- ‌[مأخذ الاستثناء عند الأشعري]

- ‌[مذهب الماتريدي في الإيمان]

- ‌[احتجاج الخوارج والمعتزلة والمرجئة والجهمية بهذا الأصل الفاسد]

- ‌[إبطال شبهة هذه الفروق في الإيمان]

- ‌[هل شعب الإيمان متلازمة في الانتفاء والثبوت]

- ‌[الإيمان له شعب، ويتبعض]

- ‌[اختلاف حقيقة الإيمان بالنسبة للمكلفين]

- ‌[قد يجتمع في الإنسان إيمان ونفاق، وإيمان وشعبة من شعب الكفر]

- ‌[قد تتلازم شعب الإيمان عند القوة، ولا تتلازم عند الضعف]

- ‌[تسمية الحسن البصري للفاسق منافقًا]

- ‌[أنواع الشرك والكفر، وما ينقل عن الملة وما لا ينقل]

- ‌[تفي اسم الإيمان بسبب انتفاء كماله الواجب]

- ‌[هل يعاقب على الإرادة بغير عمل

- ‌[الفرق بين الهم والإرادة]

- ‌[حقيقة الإرادة الجازمة]

- ‌[اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضالون، وسبب ذلك]

- ‌[أصل الإيمان هو قول القلب وعمل القلب]

- ‌[لفظ النصارى ليس مرادفًا للفظ الإيمان في اللغة]

- ‌[العلم التام بالله عز وجل ليس شرطًا في الإيمان به، والعذر بالجهل]

- ‌[معنى العقل]

- ‌[معنى الجاهلية]

- ‌[الأعمال والأقوال الظاهرة هي موجب ما في القلب]

- ‌[القلب هو الأصل والبدن هو الفرع]

- ‌[جماهير المرجئة على أن عمل القلب من الإيمان]

- ‌[فرق المرجئة]

- ‌[الصالحين]

- ‌[السمرية]

- ‌[أصحاب شمر ويونس]

- ‌[أصحاب أبي ثوبان]

- ‌[النجارية]

- ‌[الغيلانية]

- ‌[أصحاب محمد بن شبيب]

- ‌[أبو حنيفة وأصحابه (مرجئة الفقهاء)]

- ‌[التومنية]

- ‌[المريسية أصحاب بشر المريسي]

- ‌[الكرامية]

- ‌[الجهمية والصالحية لا تدخلان عمل القلب في الإيمان]

- ‌[حكاية الأشعري مقالة أهل السنة]

- ‌[اختلاف دلالات الألفاظ بالإفراد والاقتران]

- ‌[اقتضاء الإيمان القلبي الاستسلام لله عز وجل]

- ‌[أسباب انحراف الجهمية المرجئة في الإيمان]

- ‌[التلازم بين الظاهر والباطن]

- ‌[امتناع قيام الإيمان بالقلب من غير عمل ظاهر]

- ‌[سب الله ورسوله طوعًا كفر باطنًا وظاهرًا]

- ‌[امتناع أبي طالب عن التوحيد]

- ‌[كفر إبليس وفرعون واليهود مع علمهم]

- ‌فصل [وجوه التفاضل في الإيمان]

- ‌[تفاضل الناس في حب الله]

- ‌[تفضيل صالحي البشر على الملائكة]

- ‌[المدلول المستلزم للدليل]

- ‌[إيمان القلب مستلزم لأعمال الجوارح]

- ‌[يختلف لفظ الإيمان بحسب وروده مفردًا أو مقترنًا]

- ‌[حقيقة الأسماء الشرعية]

- ‌[مجرد التكلم بالشهادتين ليس مستلزمًا للإيمان النافع عند الله]

- ‌[امتناع وجود الإيمان التام في القلب بلا ظاهر]

- ‌[أخطاء الجهمية والمرجئة في الإيمان]

- ‌[قولهم بتساوي إيمان الأنبياء مع الفساق]

- ‌[فصل] [مشابهة الجهمية للفلاسفة معنى السعادة عند الفلاسفة]

- ‌[فساد قول المتفلسفة]

- ‌[معنى الملائكة عند الفلاسفة]

- ‌[طلب بعض غلاة الصوفية النبوة، واعتقادهم أنها بالاكتساب]

- ‌[ادعاء ابن عربي أن الولاية أعلى من النبوة]

- ‌[خاتم الأولياء أعظم عند ابن عربي من خاتم الأنبياء]

- ‌[قول بعض الفلاسفة: إن الفيلسوف أعظم من النبي]

- ‌[تنازع ابن عربي والسهروردي في التجلي]

- ‌[حقيقة مذهب ابن عربي]

- ‌[ضلال ملاحدة المتصوفة]

- ‌[إبطال مذهب ابن عربي ومن تابعه بإثبات المباينة بين الخالق والمخلوق]

- ‌[شعر ابن الفارض في وحدة الوجود]

- ‌فصل [الكلام على الأحاديث التي تبين حقيقة الإسلام والإيمان]

- ‌[الكلام على حديث وفد عبد القيس]

- ‌[الكلام على حديث ضمام، الطريق الأولى]

- ‌[الطريق الثانية]

- ‌[الكلام على حديث الأعرابي]

- ‌[الكلام على حديث النعمام بن قوقل]

- ‌[الكلام على حديث ابن عمر]

- ‌[الجواب عن سبب اختلاف الروايات]

- ‌[فصل] [الخلاف في زمن فرض الحج]

- ‌[الكلام على حديث معاذ]

- ‌[كفر من ترك الشهادتين مع القدرة على التكلم بهما]

- ‌[كفر من جحد معلومًا من الدين بالضرورة]

- ‌[ثبوت الشروط وانتفاء الموانع في التكفير]

- ‌[امتناع وجود الإيمان في القلب من غير عمل في الظاهر]

- ‌[الأدلة على كفر تارك الصلاة]

- ‌[الجواب على أدلة من لم ير كفر تارك الصلاة]

- ‌[ضعف قول من قال: إن تارك الصلاة يقتل حدًّا]

- ‌[ارتباط الظاهر بالباطن]

- ‌[جنس الأعمال من لوازم الإيمان]

- ‌[قد يجتمع في العبد إيمان ونفاق]

- ‌[خطأ بعض الفقهاء في فهم ارتباط الظاهر بالباطن]

- ‌[أحكام المنافقين]

- ‌[قتال علي رضي الله عنه للخوارج]

- ‌[فضل ما قام به الحسن بن علي من صلح بين المسلمين]

- ‌[قتال الخوارج ليس كالقتال في الجمل وصفين]

- ‌[علي لم يكفر الخوارج]

- ‌[تنازع الأئمة في تكفير أهل الأهواء وتخليدهم]

- ‌[القول الفصل في تكفير أهل الأهواء]

- ‌[التكفير المطلق والتكفير المعين]

- ‌[الأمر بجهاد الكفار والمنافقين]

- ‌[كيفية جهاد المنافقين]

- ‌فصل

- ‌[تعريف الإحسان]

- ‌[شروط قبول العمل]

- ‌[تعريف الإخلاص]

- ‌[مدح الإحسان وشموله لجميع الأعمال الظاهرة والباطنة]

- ‌[كتب الله الإحسان على كل شيء]

- ‌[الإخلاص في العلم تعلمًا وتعليمًا]

- ‌[إحسان الظن بالشيخ]

- ‌[من حقوق العالم على المتعلم]

- ‌[العمل بالعلم]

- ‌[الإحسان في أعمال الجوارح]

- ‌فصل [العارية من الإحسان]

- ‌[من الإحسان بذل منافع البدن]

- ‌[الخلاف في أخذ الأجرة على الشهادة]

- ‌[الصناعات والتجارات والزراعات من فروض الكفاية]

- ‌ فروض الكفاية

- ‌[قيامه عليه الصلاة والسلام بالولايات الدينية]

- ‌[متى تصبح فروض الكفاية فروض أعيان

- ‌[جواز المزارعة]

- ‌[أمر النبي عليه الصلاة والسلام بإخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب]

- ‌[فضائل نية نفع الخلق، والنفقة على العيال]

- ‌[أكل المرء من عمل يده]

- ‌[الإحسان في البيع اجتناب البيوع الفاسدة، والحلف]

- ‌[احتياج البيوع إلى الصدق]

- ‌[النهي عن تلقي الركبان]

- ‌[دفع الضرر]

- ‌[إطعام المحتاج فرض كفاية]

- ‌[كسوة العرايا فرض كفاية]

- ‌[الصدقة بفضول الأموال]

- ‌[محاولة اليهود رشوة عبد الله بن رواحة]

- ‌[أصل مذهب أحمد في العقود الجواز]

- ‌فصل [رفع الجوائح من الإحسان]

- ‌[العلم النافع هو ما قام عليه دليل عن النبي عليه الصلاة والسلام]

- ‌[مكاتبة النبي عليه الصلاة والسلام العالم، ودعوتهم إلى الإسلام]

- ‌[دعوة النبي عليه الصلاة والسلام الناس، وإرساله الدعاة لذلك]

- ‌[اجتناب البيوع الفاسدة من الإحسان]

- ‌[اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بفقه الحلال والحرام]

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌حرف الألف

- ‌حرف الباء

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌حرف الحاء

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌حرف الزاي

- ‌حرف السين

- ‌حرف الشين

- ‌حرف الصاد

- ‌حرف الضاد

- ‌حرف الطاء

- ‌حرف الظاء

- ‌حرف العين

- ‌حرف الغين

- ‌حرف الفاء

- ‌حرف القاف

- ‌حرف الكاف

- ‌حرف الميم

- ‌حرف النون

- ‌حرف الهاء

- ‌حرف الواو

الفصل: ‌سابعا: حكم ترك جنس الأعمال:

‌الأمر الثاني:

أن العمل الظاهر فرع للباطن، ولكن هل هو داخل في مسمى الإيمان وجزء منه؟ أو هو لازم لمسمى الإيمان؟ .

ويقول المصنف رحمه الله مستنتجًا بعد هذا: "وقيل لمن قال: دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز، نزاعك لفظي، فإنك إذا سلمت أن هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته، كان عدم اللازم موجبًا لعدم الملزوم، فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن، فإذا اعترفت بهذا كان نزاعك لفظيًا. . "(1).

ويقول رحمه الله: "وأيضًا فليس لفظ الإيمان في دلالته على الأعمال المأمور بها بدون لفظ الصلاة والصيام والزكاة والحج، في دلالته على الصلاة الشرعية والصيام الشرعي، والحج الشرعي، سواء قيل: إن الشارع نقله، أو أراد الحكم دون الاسم، أو أراد الاسم وتصرف فيه تصرف أهل العرف، أو خاطب بالاسم مقيدًا لا مطلقًا. . "(2).

‌سابعًا: حكم ترك جنس الأعمال:

أو بمعنى آخر: هل جنس الأعمال شرط لصحة الإيمان؟ .

لقد سبق الحديث عن أهمية الأعمال من خلال الردود على آراء الفرق المخالفة في الإيمان، ونظرًا لأهمية تلك القضية الخطيرة، فقد استحقت أن تفرد بمبحث خاص، وتبرز من خلال آراء شيخ الإسلام المصنف رحمه الله تعالى، لأجل استنباط موقف أهل السنّة والجماعة من هذه القضية.

ومعلوم أن الإيمان قول وعمل، وهما ركنان لا يتم الإيمان إلا بهما، والمرجئة زعموا أن الإتيان بالركن الأول كافٍ في الإيمان، والسلف لا يرون ذلك أبدًا، وذلك هو موضوع هذا المبحث.

والمتأمل يرى بوضوح أن تلك القضية هي الفيصل بين أهل السنّة

(1) المصدر نفسه (490).

(2)

الإيمان (98)، وانظر حول ذلك أيضًا: شرح حديث جبريل (483).

ص: 146

والجماعة من جانب، وبين المرجئة -على اختلاف آرائهم- من جانب آخر، وهي تمثل الثمرة الحقيقية للخلاف بين الفريقين.

ولقد ركَّز المصنف رحمه الله كثيرًا على هذه القضية في كتاب "شرح حديث جبريل"، وأورد من الاستدلالات والبراهين الواضحة، ما يدحض حجج المرجئة، الذين يقولون: إنه يمكن أن يكون الإنسان مؤمنًا كامل الإيمان، ولو لم يعمل عملاً قط.

وقد أورد المصنف رحمه الله عدة صور لتارك جنس الأعمال على سبيل التعجب والاستدلال على فساد قول المرجئة وتهافته، ومن ذلك:

يقول شيخ الإسلام في نص هام عن أهمية جنس العمل على صحة الإيمان: "والسلف اشتد نكيرهم على المرجئة لما أخرجوا العمل من الإيمان، وقالوا: إن الإيمان يتماثل الناس فيه، ولا ريب أن قولهم بتساوي إيمان الناس من أفحش الخطأ، بل لا يتساوى الناس في التصديق، ولا في الحب، ولا في الخشية، ولا في العلم، بل يتفاضلون من وجوه كثيرة.

وأيضًا فإخراجهم العمل يشعر أنهم أخرجوا أعمال القلوب أيضًا، وهذا باطل قطعًا، فإن من صدق الرسول وأبغضه وعاداه بقلبه وبدنه فهو كافر قطعًا بالضرورة، وإن أدخلوا أعمال القلوب في الإيمان أخطأوا أيضًا، لامتناع قيام الإيمان بالقلب من غير حركة بدن.

وليس المقصود هنا ذكر عمل معيَّن، بل من كان مؤمنًا بالله ورسوله بقلبه، هل يُتصور إذا رأى الرسول وأعداءه يقاتلونه، وهو قادر على أن ينظر إليهم، ويحض على نصر الرسول بما لا يضره، هل يمكن مثل هذا في العادة إلا أن يكون منه حركة ما إلى نصر الرسول؟ فمن المعلوم أن هذا ممتنع" (1).

ويقول رحمه الله في نص آخر لا يقل أهمية عن الأول: "ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمنًا إيمانًا ثابتًا في قلبه، بأن الله فرض عليه الصلاة والزكاة

(1) شرح حديث جبريل (447 - 448).

ص: 147

والصيام والحج، ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة، ولا يصوم من رمضان، ولا يؤدي زكاة، ولا يحج إلى بيته، فهذا ممتنع.

ولا يصدر هذا إلا مع نفاق في القلب وزندقة، لا مع إيمان صحيح. . " (1).

وكانت ساحة النزاع بين السلف والمرجئة في هذا المقام هي قضية تارك الصلاة، حيث حكم المرجئة والفقهاء المتأثرون بأصلهم بعدم كفره، بل قال جمهورهم: إنه يستتاب ويعرض على السيف، فإن صلَّى وإلا قتل حدًا.

ولنا في هذا المقام ثلاث وقفات:

الأولى: أن جمهور السلف متفقون على كفر تارك الصلاة بالكلية، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله تعالى.

الثانية: أن هذا الافتراض افتراض باطل قطعًا، وهو لا يقع أبدًا إلا في الخيال، أما في الواقع فمن المستحيل وقوع ذلك.

يقول المصنف رحمه الله مبينًا بطلان ذلك الافتراض: "ولا يُتصور في العادة أن رجلًا بكون مؤمنًا بقلبه، مقرًا بأن الله أوجب عليه الصلاة، ملتزمًا لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، يأمره ولي الأمر بالصلاة فيمتنع حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمنًا في الباطن قط، لا يكون إلا كافرًا.

ولو قال: أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها، كان هذا القول مع هذه الحال كذبًا منه، كما لو أخذ يلقي المصحف في الحش ويقول: أشهد أن ما فيه كلام الله، أو جعل يقتل نبيًا من الأنبياء، ويقول: أشهد أنه رسول الله، ونحو ذلك من الأفعال التي تنافي إيمان القلب، فإذا قال: أنا مؤمن بقلبي مع هذه الحال، كان كاذبًا فيما أظهره من القول. . " (2).

(1) المصدر السابق (557).

(2)

المصدر السابق (566)، وقد شعر بعض القائلين بعدم كفر تارك الصلاة بضعف هذا القول، وفساد هذا الافتراض، ومن هؤلاء الشيخ ناصر الدين الألباني رحمه الله حيت يقول في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (1/ 130 - 132): "ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة خاصة، مع إيمانه بمشروعيتها، =

ص: 148

ويقول في موضع آخر: "ولهذا فرض متأخرو الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها، وهو أن الرجل إذا كان مقرًا بوجوب الصلاة فدعي إليها، وامتنع واستتيب ثلاثًا، مع تهديده بالقتل، فلم يصل حتى قتل، هل يموت كافرًا أو فاسقًا؟ على قولين.

وهذا الفرض باطل قطعًا، فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على تركها، ويصبر على القتل، ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله بشر قط، بل ولا يُضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، لا ينتهي به الأمر إلى القتل، وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه الإنسان، إلا لأمر عظيم، مثل لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك، فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين حقًا أو باطلاً، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطنًا وظاهرًا، فلا يكون فعل الصلاة أصعب عليه من احتمال القتل قط.

ونظير هذا: لو قيل: إن رجلًا من أهل السنّة قيل له: ترضَّ عن أبي بكر وعمر، فامتنع عن ذلك حتى قتل، مع محبته لهما واعتقاده فضلهما، ومع عدم الأعذار المانعة من الترضي عنهما، فهذا لا يقع قط. . " (1).

الثالثة: أن السلف رضوان الله عليهم إذا حكموا على تارك الصلاة بالكفر الأكبر -بل قد حكم بعضهم بالكفر على من ترك بقية الأركان الأخرى- هل يعقل عنهم أبدًا أنهم سيحكمون بالإيمان لمن عاش حياته كلها، لم يعمل من أعمال الإسلام شيئًا، لا صلاة، ولا صيامًا، ولا زكاة، ولا حجًا! ! ! .

= فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك، بل يفسق، وذهب أحمد إلى أنه يكفر، وأنه يقتل ردة لا حدًا. . . وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور. . ".

ثم قال: "أما لو خير بين القتل والتوبة وبالرجوع إلى المحافظة على الصلاة، فاختار القتل عليها، فقتل، فهو في هذه الحالة يموت كافرًا، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا تجري عليه أحكامهم. . . لأنه لا يعقل -لو كان غير جاحد لها في قلبه- أن يختار القتل عليها، هذا أمر مستحيل، معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان، لا يحتاج إثباته إلى برهان. . ".

(1)

الإيمان (173).

ص: 149

فإنه من باب أولى سيحكمون على مثل هذا الشخص بالكفر البواح، ولن يترددوا في ذلك أبدًا.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر: "ويعلم أنه لو قدر أن قومًا قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: نحن نؤمن بما جئتنا به بقلوبنا من غير شك، ونقر بألسنتنا بالشهادتين، إلا أنا لا نطيعك في شيء مما أمرت به ونهيت عنه، فلا نصلي ولا نصوم ولا نحج، ولا نصدق الحديث، ولا نؤدي الأمانة، ولا نفي بالعهد، ولا نصل الرحم، ولا نفعل شيئًا من الخير الذي أمرت به، ونشرب الخمر، وننكح ذوات المحارم بالزنى الظاهر، ونقتل من قدرنا عليه من أصحابك وأمتك، ونأخذ أموالهم، بل نقتلك أيضًا، ونقاتلك مع أعدائك، هل كان يتوهم عاقل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول لهم: أنتم مؤمنون كاملوا الإيمان، وأنتم من أهل شفاعتي يوم القيامة ويرجى لكم أن لا يدخل أحد منكم النار، بل كل مسلم يعلم بالاضطرار أنه يقول لهم: أنتم أكفر الناس بما جئت به، ويضرب رقابهم إن لم يتوبوا من ذلك"(1).

وحين يبطل المصنف رحمه الله تعالى القول بعدم كفر تارك الصلاة، واقتراض الفقهاء السابق، ينبه إلى أن الداعي لذلك الافتراض كان متمثلاً في شبهة من شبهات المرجئة.

يقول رحمه الله: "فهذا الموضع ينبغي تدبره، فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن، زالت عنه الشبهة في هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء: إنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل لا يقتل أو يقتل مع إسلامه، فإنه دخلت عليه الشبهة التي دخلت على المرجئة والجهمية. . "(2).

وبعد أن وضح المصنف لوثة الإرجاء التي دخلت على كثير من الفقهاء الذين تكلموا على حكم تارك الصلاة، قال معقبًا ومنوهًا بأهمية جنس العمل، وأنه لازم للإيمان: "ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء بنوه على قولهم في مسألة الإيمان، وأن الأعمال ليست من

(1) المصدر السابق (225).

(2)

شرح حديث جبريل (566).

ص: 150

الإيمان، وقد تقدم أن جنس الأعمال من لوازم إيمان القلب، وأن إيمان القلب التام بدون شيء من الأعمال الظاهرة ممتنع. . " (1).

ويواصل المصنف الحديث عن حكم ترك جنس العمل، ومن ذلك ما قاله في آخر حديثه عن الإيمان، وقبل فصل الإحسان بقليل.

يقول رحمه الله: "وقد تبين أن الدين لا بد فيه من قول وعمل، وأنه يمتنع أن يكون الرجل مؤمنًا بالله ورسوله، بقلبه أو بقلبه ولسانه، ولم يؤد واجبًا ظاهرًا لا صلاة، ولا زكاة، ولا صيامًا، ولا غير ذلك من الواجبات، ولو قدر أنه يؤدي الواجبات، لا لأجل أن الله أوجبها، منل من يؤدي الأمانة، أو يصدق الحديث، أو يعدل في قسمه وحكمه، من غير إيمان بالله ورسوله، لم يخرج بذلك من الكفر.

فإن المشركين وأهل الكتاب يرون وجوب هذه الأمور، فلا يكون الرجل مؤمنًا بالله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، مع عدم شيء من الواجبات التي يختص بإيجابها محمد صلى الله عليه وسلم. . " (2).

والمرجئة يرون أن اعتقاد القلب، وإقرار اللسان، هما تمام الإيمان، وبهما نجاة العبد في الآخرة، ورأى بعضهم أن قول اللسان يعد عملًا -لما رأوه من أهمية العمل في الشرع- ولهذا أنكر الإمام أحمد على من قال هذا إنكارًا شديدًا، واعتبره قولًا خبيثًا (3).

ويقول المصنف: "وهذا هو الحق، فإن مجرد التكلم بالشهادتين ليس مستلزمًا للإيمان النافع عند الله. . "(4).

(1) المصدر السابق (567).

(2)

المصدر السابق (577).

(3)

روى الخلال في كتاب السنَّة (571) عن أبي بكر الأثرم رحمه الله قال: سمعت أبا عبد الله وقيل له: شبابة أي شيء يقول فيه؟ فقال: شبابة كان يدعو إلى الإرجاء، قال: وقد حكي عن شبابة قول أخبث من هذه الأقاويل ما سمعت عن أحد مثله، قال: يقول شبابة: إذا قال فقد عمل، قال: الإيمان قول وعمل كما يقولون، فإذا قال فقد عمل بجارحته، أي بلسانه حين تكلم، ثم قال أبو عبد الله: هذا قول خبيث ما سمعت أحدًا يقول به، ولا يلغي.

(4)

شرح حديث جبريل (490) ، وهذا النص رد على ما تظافر عليه مرجئة عصرنا من =

ص: 151

والآن نأتي إلى الحديث عن حكم تارك الصلاة، كقضية متعلقة بقضية رئيسية، وهي حكم ترك جنس العمل.

حكم تارك الصلاة:

تارك الصلاة الذي نعنيه في هذا المقام ليس الجاحد لفرضيها، المنكر لوجوبها، فإن من جحد شيئًا معلومًا بالضرورة من الدين -صلاة أو غيرها- فهو كافر، لا خلاف في ذلك.

وإنما نعني بالتارك هنا الذي يترك الصلاة تكاسلًا وتهاونًا، مع إقراره بوجوبها.

والمصنف حين يتحدث في هذا المقام عن تارك الصلاة، فيقصد به تاركها بالكلية، الذي لا يصلي بالمرة، أما من كان يصلي أحيانًا، ويدع أحيانًا أخرى فهو عنده داخل تحت الوعيد.

يقول رحمه الله في موضع آخر: "فأما من كان مصرًا على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك، فهذا لا يكون مسلمًا، لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها أخرى، فهؤلاء ليسوا محافظين عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة. . " (1).

= اعتقادهم وقولهم: إن من قال لا إله إلا الله، ولم يعمل شيئًا من أعمال الإسلام يكون مؤمنًا، ولحكم له بالإسلام، وغالى بعضهم فطرد هذا الحكم الباطل، وقال: إن من قال لا إله إلا الله، وحارب أحكام الشريعة الإسلامية بتطبيق وفرض القوانين الوضعية، فهو مسلم! ! ، وقد كانت هذه الدعوى الباطلة من أهم الدعاوى الشيطانية التي قاوم بها عباد القبور ومجاورة الأضرحة الدعوة السلفية التى جدد الله أمرها في أواسط القرن الثاني عشر الهجري، على يد الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه، وذلك حين قاموا ينعقون بأن مجرد التكلم بالشهادتين كاف في البقاء على الإسلام ، حتى وهم يدعون من دون الله أربابًا، ويذبحون ويطوفون لمن لا يملك لهم ضرًا ولا نفعًا، وما زالت فلول المرجئة في هذا العصر تنافح عن بدعة الإرجاء التي بالغ السلف في ذمها، وتصر على أن الإسلام مجرد كلمة تقال باللسان، وأخرى توضع في سجلات الهوية! ! .

(1)

مجموع الفتاوى (22/ 49)، وسيأتي الحديث بتمامه بعد قليل إن شاء الله تعالى.

ص: 152

ويقول رحمه الله: "وبهذا نزول الشبهة في هذا الباب، فإن كثيرًا من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار، لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحيانًا، ويدعون أحيانًا، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم أحكام الإسلام الظاهرة كالمواريث ونحوها من الأحكام، فإن هذه الأحكام إذا جرت على المنافق المحض -كابن أبيّ وأمثاله من المنافقين- فلأن تجري على هؤلاء أولى وأحرى"(1).

وقد ساق المصنف رحمه الله تعالى عددًا لا بأس به من الأدلة التي تبين كفر تارك الصلاة، ومن هذه الأدلة:

1 -

قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (42) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (43)} [القلم: 42 - 43].

ويقول رحمه الله مُصدرًا لهذه الآية: "ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفار كقوله. . " وذكر الآية (2).

2 -

قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "أنه إذا تجلى تعالى لعباده يوم القيامة، سجد له المؤمنون، وبقي ظهر من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة، مثل الطبق لا يستطيع السجود".

ويعقب المصنف على هذا الحديث بقوله: "فإذا كان هذا حال من كان سجد في الدنيا رياء وسمعة، فكيف حال من لم يسجد قط! ! "(3).

3 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن النار تأكل من ابن آدم كل شيء إلا موضع السجود، فإن الله حرم على النار أن تأكله".

ويستنبط المصنف رحمه الله من هذا "أن من لم يكن يجد لله تأكله النار كله! "(4).

4 -

ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: "أنه يعرف أمته يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء".

(1) شرح حديث جبريل (567).

(2)

المصدر نفسه (557).

(3)

المصدر نفسه (558).

(4)

المصدر نفسه (558).

ص: 153

ويقول رحمه الله بعد هذا: "فدل ذلك على أن من لم يكن غرًا محجلًا، لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يكون من أمته"(1)، وقال في موضع آخر:"وأما من لم يوضأ قط ولم يصل، فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة"(2).

5 -

قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ (46) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (47) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (49)} [المرسلات: 46 - 49].

6 -

قوله تعالى: {فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (20) وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ (21) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ (22) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ (23)} [20 - 23].

7 -

قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى (31) وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (32)} [القيامة 31 - 32].

8 -

قوله تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47)} [المدثر: 42 - 47].

9 -

قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].

10 -

قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].

ويقول المصنف عن هاتين الآيتين الكريمتين: "وأيضًا فقد علق الأخوة في الدين على نفس إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، كما علق ذلك على التوبة من الكفر، فإذا انتفى ذلك انتفت الأخوة. . "(3).

11 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر"(4).

12 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك الصلاة متعمدًا فقد برئت منه الذمة".

(1) المصدر السابق (558).

(2)

مجموع الفتاوى (21/ 171).

(3)

شرح حديث جبريل (559).

(4)

وروى مسلم في صحيحه برقم (82) 1/ 85 أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة"، والمصنف لم يذكر هذا الحديث، ولعله رأى أن حديث "العهد الذي بيننا وبينهم" يكفي عنه.

ص: 154

13 -

إن شعار المسلمين الصلاة، ولهذا يعبر عنهم بها، فيقال: اختلف أهل الصلاة، واختلف أهل القبلة، والمصنفون لمقالات المسلمين يقولون: مقالات الإسلاميين، واختلاف المصلين.

14 -

قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم له ما لنا، وعليه ما علينا"(1).

مناقشة المصنف لبعض أدلة الذين لم يكفروا تارك الصلاة:

يذكر المصنف أن الذين لم يكفروا ترك الصلاة ونحوها، ليست لهم حجة إلا وهي متناولة للجاحد كتناولها للتارك، فما كان جوابهم عن الجاحد كان جوابًا لهم عن التارك، مع النصوص الشرعية الني علقت الكفر بالتولي.

ومن ذلك استدلال الذين لم يكفروا تارك الصلاة بالعمومات التي يحتج بها المرجئة، كقوله:"من شهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. . أدخله الله الجنة. . "، ونحو ذلك من النصوص (2).

فإن هذه النصوص كما بين المصنف رحمه الله تعالى تتناول التارك للصلاة المقر بوجوبها، كما تتناول الجاحد لفرضيتها الفكر لوجوبها، سواء بسواء، ولا فرق بين الأمرين.

أما الدليل الذي يحوم عليه القائلون بعدم كفر تارك الصلاة، ويحتج به المرجئون كما يقول المصنف، فهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ، خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة" (3).

(1) شرح حديث جبريل (559 - 562).

(2)

المصدر نفسه (562).

(3)

حديث صحيح رواه أهل السنن، ويأتي تخريجه بالتفصيل أثناء تحقيق المتن إن شاء الله تعالى.

ص: 155

ويقول هؤلاء: قد جعل غير المحافظ تحت المشيئة، والكافر لا يكون تحت المشيئة.

وقد ناقش المصنف رحمه هذا الدليل، وأبطل الاستدلال به على عدم كفر تارك الصلاة.

وفي ذلك يقول رحمه الله: "ولا دلالة في هذا، فإن الوعد تعلق بالمحافظة عليها، والمحافظ فعلها في أوقاتها كما أمر، كما قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]، وعدم المحافظة يكون مع فعلها بعد الوقت. . "(1).

ويقول أيضًا: "وقد قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59].

فقيل لابن مسعود وغيره: ما إضاعتها؟ فقال: تأخيرها عن وقتها، فقالوا: ما كنا نظن ذلك إلا تركها، فقال: لو تركوها لكانوا كفارًا! ! .

وكذلك قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} [الماعون: 4 - 5]، ذمهم مع أنهم يصلون، لأنهم سهوا عن حقوقها الواجبة، من فعلها في الوقت، وإتمام أفعالها المفروضة" (2).

ثم ذكر حديث الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وعقب بعده بقوله:"فنهى عن قتالهم، إذا صلوا، وكان في ذلك دلالة على أنهم إذا لم يصلوا قوتلوا، وبين أنهم يؤخرون الصلاة عن وقتها، وذلك ترك المحافظة عليها، لا تركها. . "(3).

ويقول بعد ذلك ملخصًا وجه الاستدلال الصحيح، ومبطلًا حجة من استدل به على عدم كفر تارك الصلاة:"وإذا عرف الفرق بين الأمرين، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها، لا من تركها، ونفس ترك صفة المحافظة يقتضي أنهم صلوا، ولم يحافظوا عليها، ولا يتناول من لم يحافظ. . "(4).

(1) المصدر السابق (563).

(2)

المصدر نفسه (564).

(3)

المصدر نفسه (564).

(4)

المصدر نفسه (565).

ص: 156

والمصنف -كما سبق- يفرق بين تارك الصلاة بالكلية، وبين الذي بصلي أحيانًا، ويدعها أحيانًا أخرى.

نعود لنذكر أن المصنف رحمه الله قد أفاض في تلك القضية -أعني قضية تارك الصلاة بالكلية -تفريعًا للأصل الهام الذي دارت حوله تقريبًا جميع مباحث الإيمان في كتاب "شرح حديث جبريل"، هذا الأصل هو أن جنس الأعمال من لوازم الإيمان الباطن، لا يصح إيمان باطن بدون أعمال ظاهرة.

لذا نجد أن المصنف يختم حديثه عن الإيمان باعتبار قول القائلين -وهم المرجئة- إن الإيمان الواجب يكون بدون فعل شيء من الواجبات خطئًا بينًا، ويذكر بأن هذه البدعة المذمومة -وهي الإرجاء- قد أعظم السلف والأئمة الكلام في أهلها، وقالوا فيها من المقالات الغليظة ما هو معروف.

ثم ينبه إلى أن الصلاة هي آكد الأعمال التي لا يصح الإيمان بدون شيء منها، وهي أيضًا أعظم الواجبات وأولها وأجلها (1).

ومن تأمل الأمر وجد أن افتراض إيمان بلا عمل ظاهر، هو بدعة شنعاء لا حقيقة لها في واقع البشر، وإنما هي فكرة فلسفية دارت وتدور في عقول المرجئة قديمًا وحدثًا.

أما واقع الحياة، وطبيعة البشر، والواقع التطبيقي للجيل الأول في هذه الأمة، والمنهاج الأسمى الذي تربى عليه المؤمنون في الصدر الأول، فكل هذه الأمور تبطل تصورات المرجئة، وتنسفها من أساسها.

فالمنافقون كما أشار المصنف في أول الكتاب (2) كانوا يصلون ويزكون وينفقون، ولكن لم يكن يقبل منهم، وكانوا يقاتلون مع المسلمين، ويغزون معهم، ويسافرون إلى الأماكن القاصية للغزو مع المسلمين، ويصابون في أنفهم وأموالهم، ومع ذلك لم يتقبل منهم، أفيعقل أن يقبل

(1) المصدر نفسه (577).

(2)

المصدر نفسه (301).

ص: 157

من إنسان عاش دهره كله، لم يسجد لله سجدة، ولا أطاع الله أبدًا، ثم يزعم أن قلبه عامر بالإيمان.

هل يعقل أن هناك إنسانًا مؤمنًا محبًا لله ورسوله يعيش حياته لا يصلي ولا يصوم ولا بحج ولا يتصدق؟ .

والله عز وجل قد أقام الحجة على من ادعى حب الله تعالى، وجعل علامة بينة على هذا الحب، يعرف بها الصادق من الكاذب، وهذه العلامة هي اتباع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)} [آل عمران: 31].

ويقول الحافظ ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية الكريمة: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي، في جميع أقواله وأعماله. . "(1).

وانظر كيف عقب سبحانه وتعالى على الآية السابقة بقوله عز وجل: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)} [آل عمران: 32].

فإن التولي عن طاعة الله ورسوله بالكلية كفر، وفي ذلك يقول الحافظ ابن كثير:(فإن تولوا: تخالفوا عن أمره، فإن الله لا يحب الكافرين، فدل على أن مخالفته في الطريقة كفر، والله لا يحب من اتصف بذلك، وإن ادعى وزعم في نفسه أنه محب لله، ويتقرب إليه حتى يتابع النبي الأمي خاتم الرسل، ورسول الله إلى جميع الثقلين الجن والإنس)(2).

وأي مخالفة أعظم من أن يعيش المرء دهره وعمره لا يطيع الله، ولا يطيع رسوله طاعة أبدًا! ! وأي قول أشد من هذا التولي! ! .

وماذا تصنع المرجئة بنصوص الكتاب والسنّة المتظافرة المتواترة المستفيضة الصحيحة الصريحة التي توجب العمل، وتشيد بالعمل، وتحذر من التهاون في العمل، ولا تكاد تذكر الإيمان إلا ومعه العمل.

(1) تفسير القرآن العظيم (1/ 359).

(2)

المصدر السابق (1/ 359).

ص: 158

والله عز وجل حين يقول في آيات كثيرة: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} أو نحوها كقوله: {آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فجاءت هذه الآيات التي تربط صراحة بين الإيمان والعمل في أكثر من مائة آية، قد علم سبحانه أنه سيأتي أناس من هذه الأمة، يخرجون الأعمال من الإيمان، ويعتقدون باستنباطات فاسدة، أو تأويلات باطلة لتلك النصوص المتظافرة أن الإنسان يكون مؤمنًا كامل الإيمان، ناجيًا عند الله عز وجل، ولو لم يحمل عملًا صالحًا قط! ! ! .

يقول شيخ الإسلام رحمه الله بعد أن نبه على أن الأعمال الصالحة المعطوفة على الإيمان دخلت في الإيمان: "فإذا عطفت عليه ذكرت، لئلا يظن الظان أن مجرد إيمانه بدون الأعمال الصالحة اللازمة للإيمان يوجب الوعد، فكان ذكرها تخصيصًا وتنصيصًا، ليعلم أن الثواب الموعود به في الآخرة -وهو الجنة بلا عذاب- لا يكون إلا لمن آمن وعمل صالحًا، لا يكون لمن ادعى الإيمان ولم يعمل. . "(1).

نصوص للمصنف تبين أهمية الأعمال، وأن جنسها من لوازم الإيمان:

قد سبق ذكر عدة نصوص للمصنف رحمه الله تعالى في ذلك الباب، وهناك بعض النصوص التي تحتوي على مناقشات واستدلالات على أهمية جنس العمل وأنه لازم لصحة الإيمان، والتي توضح بما لا يدع مجالًا للشك، أن العمل ركن الإيمان الثاني الذي إذا عدم انهدم بناء الإيمان، وزالت معالمه، وبطلت حقيقته، ويظهر جليًا ما عناه السلف وما تواتر من قولهم، يوم أن قالوا: الإيمان قول وعمل.

وسوف تكون هناك وقفات يسيرة مع هذه النصوص الهامة التي فتح الله بها على المصنف. يقول المصنف رحمه الله: "ثم الحب التام مع القدرة، يستلزم حركة البدن بالقول الظاهر، والعمل الظاهر ضرورة. . .

فمن صَدق به وبرسوله، ولم يكن محبًا له ولرسوله، لم يكن مؤمنًا حتى يكون فيه مع ذلك الحب له ولرسوله.

(1) الإيمان (161).

ص: 159

وإذا قام بالقلب الصديق به (أي بالله) والمحبة له لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة، والأعمال الظاهرة، فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه، ودليله ومعلوله، كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضًا تأثير فيما في القلب.

فكل منهما يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل، والبدن هو فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل يثبت ويقوى بفرعه كما في الشجرة التي يضرب بها المثل لكلمة الإيمان. . " (1).

فما دام أن هناك في القلب حبًا تامًا مقترنًا بقدرة، فلابد أن يكون هناك عمل بالضرورة، أما إن فقد العمل، فلا يخلو ذلك من سببين: إما أن القدرة مفقودة غير حاصلة، وإما أن يكون الحب ليس تامًا، ولا صحيحًا، بل ليس حبًا في الحقيقة.

فمن آمن بالله وأحبه فلابد أن يطيعه حتمًا ما دام قادرًا، كما قال الشاعر:

تعصي الإله وأنت تظهر حبه. . . هذا محال في القياس بديع

لو كان حبك صادقًا لأطعته. . . إن المحب لمن يحب مطيع (2)

كما أن هناك علاقة وثيقة بين أصل الإيمان وفرعه، بين إيمان القلب وإيمان الجوارح، فإذا ثبت الإيمان في القلب، أثمر الأعمال بحسبه ولابد.

غير أننا ننبه إلى أمر ذي بال، قد نبه عليه المصنف رحمه الله تعالى، وهو أننا حين نقول: إن الأعمال ثمرات الإيمان فإننا نقصد بالطبع أنها لوازم للإيمان الباطن، متى وجد الإيمان الباطن وجدت، كما هو مذهب السلف وأهل السنة.

(1) شرح حديث جبريل (427).

(2)

هذه الأبيات منسوبة إلى الإمام الشافعي رضي الله عنه وأرضاه، وهي في الديوان الصغير الذي جمعه محمد عفيف الزعبي (58).

ص: 160

أما ما يقصده المرجئة بقولهم: إن الأعمال ثمرات الإيمان الباطن، فيعنون بذلك أن الإيمان الباطن قد يكون سببًا، وقد يكون الإيمان الباطن تامًا كاملًا، وهي لم توجد، وهذا قول باطل (1).

كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال الظاهرة والباطنة له تأثير ولا شك في إيمان القلب، وكل منهما يؤثر في الآخر.

"غير أن من المهم هنا أن نعرج على الحالة المعاكسة -أي حالة المنافق الذي يستسلم ظاهرًا، وهو غير منقاد باطنًا- لنبين أن ذلك لا يتعارض مع هذه الحقيقة، وذلك أن أعمال المنافق هي بلا ريب أثر ما في قلبه، فقد يقال: لِمَ لَمْ يتلازم الظاهر والباطن في حقه، إذ نراه على ظاهر يخالف باطنه؟ .

والجواب: إن القاعدة صحيحة، وإن التلازم ثابت، فإن الالتواء أو التذبذب الخارجي هو أثر الالتواء والتذبذب الباطني المطابق له، والمنافق في الواقع ونفس الأمر ليس منقادًا لا ظاهرًا ولا باطنًا، فهذا هو حكمه عند الله الذي يعلم الأمور على حقائقها.

ومخالفة ظاهره لباطنه إنما هي في علمنا البشري القاصر، حيث يمكن أن يحجبنا بتصنعه وتكلفه أعمال الإيمان الظاهرة عما في قلبه من الكفر، ومع ذلك فليس الأمر على إطلاقه، فبصيرة المؤمنين لها أثر في معرفة المنافق، ولحن القول لا ينفك ينبئ عن المنافقين بين الحين والحين، كما أن اعوجاج المظهر من لوازمه المعلمة عن حقيقة المخبر، ولولا وجود ضعاف الإيمان من غير المنافقين، لكان أمرهم أجلى. . " (2).

ونأتي الآن إلى نص آخر للمصنف حيث يقول رحمه الله فيه: "ولما كانت الأقوال والأعمال الظاهرة لازمة ومستلزمة للأقوال والأعمال الباطنة كان يستدل بها عليها، كما في قوله تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ

(1) الإيمان (285).

(2)

ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي (2/ 648).

ص: 161

الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة: 22]، فأخبر أن من كان مؤمنًا بالله واليوم الآخر، لا يوجدون موادين لأعداء الله ورسوله، بل نفس الإيمان ينافي مودتهم، فإذا حصلت الموادة دل ذلك على خلل في الإيمان.

وكذلك قوله تعالى: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ} [المائدة: 80 - 81](1).

وهذه الآية التي أوردها المصنف من أظهر الأدلة على بطلان مذهب المرجئة، ومن أقوى الأدلة أيضًا على أن الإيمان الذي في القلب إذا لم يظهر منه شيء على البدن، فليس بإيمان صحيح، ولا نافع عند الله تعالى في الآخرة.

فقد ذكر سبحانه وتعالى أنه كتب الإيمان في قلوبهم، أي جعله في قلوبهم كما ذكر المفسرون (2)، فنص على إيمان القلب، وقبل ذلك نفى الإيمان عن الذين يوادون من حاد الله ورسوله، حتى لو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم.

فدل على أن إيمان القلب مرتبط بإيمان الجوارح، أو بعبارة أخرى: أن الإيمان الظاهر لازم للإيمان الباطن.

وفي حين أنكر الناس على الكرامية قولهم في الإيمان، واعتبروا أن القول المجرد عن الاعتقاد هو الإيمان، فإن المصنف رحمه الله لينكر قول الذين يرون أن الإيمان في القلب يكون تامًا بدون العمل.

يقول عن هاتين الطائفتين التي اعتبرت إحداهما أن التصديق المجرد هو الإيمان، والأخرى التي اعتبرت أن القول المجرد هو الإيمان: "بل

(1) شرح حديث جبريل (428).

(2)

تفسير القرآن العظيم (4/ 330).

ص: 162

القول المجرد عن اعتقاد الإيمان ليس إيمانًا باتفاق المسلمين، إلا من شذ من أتباع ابن كرام، وكذلك تصديق القلب الذي ليس معه حب لله ولا تعظيم، بل فيه بغض وعداوة لله ولرسله، ليس إيمانًا باتفاق المسلمين، فليس مجرد التصديق بالباطن هو الإيمان عند عامة المسلمين، إلا من شذ من أتباع جهم والصالحي، وفي قولهما من السفسطة العقلية والمخالفة في الأحكام الدينية أعظم مما في قول ابن كرام، وقول ابن كرام فيه مخالفة في الاسم دون الحكم، فإنه وإن سمى المنافقين مؤمنين يقول: إنهم مخلدون في النار، فيخالف الجماعة في الاسم دون الحكم وأتباع جهم يخالفون في الاسم والحكم جميعًا" (1).

فالمصنف رحمه الله يجعل من حصر الإيمان في القلب وجعله هو التصديق قولا شاذًا، بل يعتبره أبعد وأضل من قول الكرامية الذي اتفق الناس على شذوذه (2).

ونأتي الآن إلى نص آخر يقول فيه المصنف: "وبهذا تعرف أن من آمن قلبه إيمانً جازمًا، امتنع أن لا يتكلم بالشهادتين مع القدرة، فعدم الشهادتين مع القدرة مستلزم الماء الإيمان القلبي التام، وبهذا يظهر خطأ جهم ومن اتبعه في زعمهم أن مجرد إيمان بدون الإيمان الظاهر ينفع في الآخرة، فإن هذا ممتنع، إذ لا يحصل الإيمان التام في القلب إلا ويحصل في الظاهر موجبه بحب القدرة، فإن من الممتنع أن يحب الإنسان غيره حبًا جازمًا، وهو قادر على مواصلته، ولا يحصل منه حركة ظاهرة إلى ذلك. "(3).

ويقول رحمه الله في نص آخر: "أن الإيمان الذي في القلب من التصديق والحب وغير ذلك، يستلزم الأمور الظاهرة من الأقوال الظاهرة والأعمال

(1) شرح حديث جبريل (441).

(2)

وهؤلاء هم الجهمية ومن تابعهم من الأشعرية وغيرهم، الذين حصروا الإيمان في التصديق، وقد سبق لنا ذكر مناقشة المصنف لهم.

(3)

المصدر السابق (444).

ص: 163

الظاهرة، كما أن القصد التام مع القدرة يستلزم وجود المراد، وأنه يمتنع مقام الإيمان الواجب في القلب من غير ظهور موجب ذلك ومقتضاه" (1).

ويقول أيضًا في نص آخر: "وإذا نقصت الأعمال الظاهرة كان ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان، فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب، أن تعدم الأعمال الظاهرة الواجبة، بل يلزم من وجود هذا كاملًا وجود هذا كاملًا، كما يلزم من نقص هذا نقص هذا، إذ تقدير إيمان تام في القلب بلا ظاهر من قول وعمل، كتقدير موجب تام بلا موجبه، وعلة بلا معلولها، وهذا ممتنع"(2).

وكل هذه النصوص التي نقلت عن المصنف رحمه الله تعالى، توضح أن الإيمان قول وعمل، كالبدن والروح، لا بدن إلا بروح، ولا روح إلا ببدن، فكذلك لا إيمان إلا بعمل، ولا عمل إلا بإيمان (3).

ومن المحال أن يوجد شخص في قلبه إيمان كامل -كما تقوله المرجئة- ويعيش الدهر كله عاصيًا لله، لا يقوم بطاعة أبدًا.

ولذلك أنكر السلف رضوان الله عليهم مقالة الإرجاء، واعتبروها من أخطر المقالات.

ويقول المصنف بعد كل المناقشات والردود على المخالفين في حقيقة الإيمان: "وهذه الأمور كلها إذا تدبرها المؤمن بعقله، تبين له أن مذهب السلف هو المذهب الحق، الذي لا عدول عنه، وأن من خالفهم لزمه فساد معلوم، بصريح المعقول، وصحيح المنقول، كسائر ما يلزم الأقوال المخالفة لأقوال السلف والأئمة"(4).

والخلاصة: أن تارك جنس العمل ليس مؤمنًا، بل هو كافر بالله باطنًا وظاهرًا، حتى لو أجريت عليه أحكام المسلمين الظاهرة، كما أجريت على المنافقين.

(1) المصدر السابق (481).

(2)

المصدر نفسه (492).

(3)

مجموع الفتاوى (13/ 268).

(4)

شرح حديث جبريل (496).

ص: 164

وقد مر كيف أن جمهور السلف قد أجمعوا على كفر تارك الصلاة، بل قد كفَّر كثير منهم تارك الزكاة والصيام والحج، فمن باب أولى أن الذي لم يعمل شيئًا مطلقًا كافر لا شك عندهم في كفره.

على أننا يحسن التنبيه في هذا المقام إلى مسألتين متعلقتين بموضوع ترك جنس الأعمال.

المسألة الأولى: ما يتعلق بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه وأرضاه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس: الشيخ الكبير والعجوز، يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها".

فقال صلة بن زفر لحذيفة: ما تغني عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة، ثم ردها عليه ثلاثًا، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة، تنجيهم من النار، ثلاثًا (1).

فهذا الحديث قد يفهم منه بعض الناس أنه مخالف لما سبق تقريره عن السلف في حكم تارك جنس الأعمال، ويعتقد أن الأمر بخلاف ذلك، فيراه مؤمنًا ناجيًا عند الله، مستدلًا بقول حذيفة رضي الله عنه في جوابه لصلة: يا صلة! ! تنجيهم من النار.

وفي الواقع إن الحديث ليس فيه ما يؤيد هذا الفهم الخاطئ، ولا

(1) رواه ابن ماجه برقم (4049) كتاب الفتن، والحاكم في المستدرك (4/ 473)، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد (1/ 400)، وقال الحافظ في الفتح عن رواية ابن ماجه (13/ 16): سنده قوي.

وحكم عليه الشيخ، الألباني بأنه على شرط مسلم في سلسلته الصحيحة (1/ 127)، وهو في كتابه صحيح سنن ابن ماجه برقم (3273).

ص: 165

مانع أنه في فترات اندراس الإسلام، وخفوت أنواره ومعالمه، وانتشار الجهل، أن يكون تارك الصلاة، أو تارك جنس العمل، ليس كافرًا، ولا مخلدًا في النار، فإن العذر بالجهل مانع من موانع الكفر.

وهذا الحديث يشير إلى اندراس الإسلام وانتشار الجهل، وعجز الناس عن معرفة فرائضه وأحكامه، والله عز وجل لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وليس في وسعها -في ذلك الزمان- معرفة شيء منه إلا الشهادة، وهؤلاء معذورون بالعجز، وليس في الحديث أنهم يتركون الفرائض مع علمهم بها.

وقد أشار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى إلى ذلك فقال: "لكن من الناس من يكون جاهلًا ببعض الأحكام جهلًا يعذر به، فلا يحكم بكفر أحد حتى تقوم عليه الحجة من جهة بلاغ الرسالة، كما قال تعالى:{لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقال تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الأمراء: 15].

ولهذا لو أسلم رجل ولم يعلم أن الصلاة واجبة عليه، أو لم يعلم أن الخمر يحرم، لم يكفر بعدم اعتقاد إيجاب هذا وتحريم هذا، بل ولم يعاقب حتى تبلغه الحجة النبوية. .

وكثير من الناس قد ينشأ في الأمكنة والأزمنة الذي يندرس فيها كثير من علوم النبوات، حتى لا يبقى من يبلغ ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة، فلا يعلم كثيرًا مما يبعث الله به رسوله، ولا يكون هناك من يبلغه ذلك، ومثل هذا لا يكفر.

ولهذا اتفق الأئمة على أن من نشأ ببادية بعيدة عن أهل العلم والإيمان، وكان حديث العهد بالإسلام، فأنكر شيئًا من هذه الأحكام الظاهرة المتواترة، فإنه لا يحكم بكفره حتى يعرف ما جاء به الرسول.

ولهذا جاء في الحديث: "يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة ولا زكاة وصومًا ولا حجًا، إلا الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، يقول: أدركا آباءنا وهم يقولون: لا إله إلا الله"(1).

(1) مجموع الفتاوى (11/ 406 - 408).

ص: 166

ثم ذكر رحمه الله ما أورده في كتاب "شرح حديث جبريل" من حديث الرجل الذي أمر أهله بتحريقه وتذريته، ظانًا أن الله لا يقدر على بعثه وإعادته، فأنكر قدرة الله عز وجل على الإعادة، وأنكر معاد الأبدان، وكلاهما كفر، ولكنه كان مؤمنًا بالله، مؤمنًا بأمره وخشيته، جاهلًا بذلك، ضالًا في ظنه مخطئًا، فغفر الله له ذلك (1).

فتبين أن حديث حذيفة رضي الله عنه يحمل على ما قاله شيخ الإسلام، ألا ترى أن صلة رحمه الله قد تعجب من مجرد قولهم لا إله إلا الله، وأن ذلك ينفعهم، لأنه قد رسخ في نفوس السلف رضوان الله عليهم أن الإيمان لا غنى له ولا قوام إلا بالعمل، أي أن جنس العمل لا يصح الإيمان إلا به، ولذلك تساءل صلة، فلما خفي عليه حكم بعض الحالات الاستثنائية وأراد تنزيلها على الأصل، بين له حذيفة رضي الله عنه، أن تلك حالة خاصة.

المسألة الثانية: ما ورد في بعض الأحاديث الدالة على خروج عصاة الموحدين من النار، وفي بعض الروايات أن الله عز وجل بعد أن تشفع فيهم الملائكة، ويشفع النبيون، ويشفع المؤمنون، يقبض أرحم الراحمين قبضة من النار، فيخرج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط:"فيخرجون منها كاللؤلؤ في رقابهم الخواتيم، يعرفهم أهل الجنة، هؤلاء عتقاء الله، الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه. . "(2).

فقد جاء في الحديث: لم يعملوا خيرًا قط، وجاء فيه أيضًا: أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه، ولا خير قدموه.

وربما احتج بعض الناس على أن ترك جنس الأعمال ليس كفرًا، وفي الواقع كيف يمكن لمستدل بنص واحد أن يقف في وجه عشرات، بل مئات النصوص التي تأمر بالعمل، وتجعل من الأعمال ركنًا من أركان الإيمان لا يتم إلا به.

(1) المصدر نفسه (11/ 409).

(2)

هذه رواية مسلم، رواها برقم (1831) 1/ 145، كتاب الإيمان باب معرفة طريق الرؤية.

ص: 167

وقد بين إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله تعالى أن قوله في الحديث (لم يعملوا خيرًا قط) جريًا على ما تعارفت عليه العرب، واستعملته في كلامها، من نفي الاسم عن الشيء لنقصه عن الكمال والتمام، لا لانتفائه نهائيًا (1).

وقد وردت تلك الصيغة في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، منها الحديث الذي رواه النسائي وأحمد وابن حبان والحاكم، وأصله في الصحيحين، لكن ليس فيه: لم يعمل خيرًا قط، ولكنها ثابتة من الروايات الأخرى، في الرجل الذي لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس، ويأمر غلمانه بالتجاوز عن المعسرين، وفي رواية عند الحاكم من حديث ابن مسعود: حوسب رجل، فلم يوجد له خير، ثم ذكر الحديث، وكيف أنه كان ينظر المعسرين، ويتجاوز عنهم.

ولفظ النسائي: (إن رجلًا لم يعمل خيرًا قط، وكان يداين الناس، فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز لعل الله تعالى، أن يتجاوز عنا، قلما هلك فال الله عز وجل له: هل عملت خيرًا قط؟ ، قال: لا، إلا أنه كان لي غلام، وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى، قلت له: خذ ما تيسر، واترك ما عسر، وتجاوز، لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى: قد تجاوزت عنك)(2).

والشاهد في هذا الحديث، قوله: لم يعمل خيرًا قط! ! فهل هذا النفي على عمومه، أي أن الرجل بالفعل ما صنع خيرًا أبدًا؟ .

أم أن النفي قد جرى مجرى الأغلب، فيقال لمن غلب شره خيره: فلان لا خير فيه! ! .

(1) التوحيد (309).

(2)

رواه النسائي برقم (4694) كتاب البيوع، ورواه في سننه الكبرى (4/ 60)، وأحمد برقم (8715)، وابن حبان في صحيحه برقم (5043) 11/ 422، وقال محققه:"إسناده حسن"، والحاكم في المستدرك من طريقين، إحداهما (2/ 28) على شرط مسلم كما قال، والأخرى على شرط الشيخين (2/ 29)، ووافقه الذهبي في كلا الطريقين.

ص: 168

والواقع أن الثاني هو المقصود بالطبع، كيف وقد صرح في الحديث بأنه كان يعمل الخير، وذلك حين كان يتجاوز عن المعسرين، وهذا من أعمال الجوارح، أو ما قام بقلبه حين كان يقول: لعل الله بتجاوز عنا، وهذه الكلمة تتضمن في طياتها خوفاً ورجاء، وهما من أعمال القلوب.

ولكن التساؤل المشكل الذي لا ينفك يطرح نفسه للنقاش، عند الحديث عن لزوم جنس العمل للإيمان، هو هل هناك حالات شاذة يضعف فيها إيمان القلب، حتى لا يستطيع التأثير على الجوارح؟ .

أو بمعنى آخر: هل يمكن أن يكون في القلب إيمان ضعيف للغاية، ولا يظهر له أي أثر على الجوارح؟ .

والجواب: أنه لا بد أن يظهر يومًا من الأيام أثر لذلك الإيمان الضعيف جدًا الساكن في القلب، ولو مرة واحدة، ولو لم يشعر بذلك أحد البتة.

ولكن نتيجة للضعف الشديد لذلك الإيمان يضعف أثره حتى لكأنما يصير معدومًا، ولكن محال أن لا يصدر عنه حركة، ولو يسيرة، ولو لم يشعر بها أحد.

ومعتقد السلف الصالح، ينكر هذا أشد الإنكار ونصوص شيخ الإسلام المتظافرة تجمع على أنه يستحيل أن يوجد إيمان مجزئ في الآخرة، ولا يكون له أي أثر على الإطلاق، ولكن أن يضعف التأثير، ويضعف بالتالي الأثر حتى لكأنه شبه المعدوم شيء آخر.

وزيادة في التوضيح "قد تحصل حالة شاذة خفية، وهي أن يضعف إيمان القلب ضعفًا، لا يبقى معه قدرة على تحريك الجوارح لعمل خير (على الأقل في الظاهر)، مثله مثل المريض الفاقد الحركة والإحساس، إلا أن في قلبه نبضًا، لا يستطيع الأطباء معه الحكم بوفاته، مع أنه ميئوس من شفائه، فهو ظاهرًا في حكم الميت، وباطنًا لديه هذا القدر الضئيل من الحياة الذي لا حركة معه"(1).

(1) ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي (2/ 529).

ص: 169

وهذه الحالات أضحت معروفة في عصرنا هذا، ووقع فيها نزاع بين الكثيرين من الفقهاء والأطباء في حكمها، هل يحكم على أصحابها بالموت، أم يحكم لهم بالحياة، ولكل منهما أحكام خاصة (1).

وقد تعود إلى بعض هؤلاء ملامح الحياة الواضحة، وإن كان ذلك في النادر القليل (2)، ولكن الشاهد أنه كما توجد مثل هذه الحالة التي ذكرت آنفًا ، فإنه قد توجد حالات شاذة يضعف فيها ما في القلب من الإيمان حتى لا يقوى على تحريك صاحبه على فعل خير، على الأقل في الظاهر.

وهناك مثال آخر، فقد تكون هناك شجرة قد قطعت أغصانها، فلم يبق منها سوى جذع يابس، كأنه خشب مغروس في الأرض، وقد تكون فيها حياة، ولكن لا أثر لها البتة، ولا يشعر بها أحد ، ولكن بعد مضي عدة سنين، إذا بالجذع تخرج منه نبتة صغيرة، وتظهر فيه الحياة من جديد، وإن لم تعد الشجرة سيرتها الأولى.

(1) يقول د. مختار المهدي في بحث قدمه إلى مؤتمر الطب الإسلامي في الكويت، بعنوان: نهاية الحياة الإنسانية، واصفًا للمثال الذي ذكر أعلاه:"يكون هناك فقد كامل للوعي، يستمر هذا الإنسان في حياة يصفها البعض خطأ بالحياة النباتية، والبعض الآخر بالحياة الخلوية، وكلها تعبيرات غير دقيقة من الناحية العلمية، وقد يكون وصف (حياة جسدية) هو الوصف الأدق، ومن الناحية النظرية يمكن لإنسان من هذا النوع أن يعيش مدى حياة كامل على هذا الوضع، ويعتمد ذلك على مستوى كفاءة التمريض والرعاية الطبية وعلاج الأمراض العارضة والتي قد تصيبه نتيجة للرقاد الطويل وهذا المريض يحتاج إلى إطعام عن طريق أنبوب إلى المعدة بغذاء شبه سائل بنسب متوازنة، وعناية مستمرة بالجلد ، وتقليب الجسد أو تغيير أوضاعه كل ساعتين تقريبًا لمنع قرح الفراش. . وإنسان مثل هذا يتنفس ذاتيًا، لأن جذع المخ سليم، ولكن حياة مثل هذا لا تكون إلا داخل مستشفى، وهي بالتأكيد كارثة اقتصادية، للتكلفة المادية الباهظة، وانعدام الأمل في عودة المريض إلى وعيه، وقد رأيت بنفسي إحدى هذه الحالات استمرت حياتها لمدة خمسة عشر عامًا على هذا الوضع في إحدى (أحد) المستشفيات الأوربية. . " مجلة مجمع الفقه الإسلامى (565) العدد الثالث، الجزء الثاني (1408 هـ- 1987 م).

وانظر: أحكام الجراحة الطبية والآثار المترتبة عليها (342 - 354) للدكتور محمد بن محمد المختار الشنقيطي، حيث رجح عدم اعتبار الإنسان ميتًا بمجرد موت دماغه.

(2)

المصدر نفسه (685 - 687).

ص: 170