الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو قال: اسق هذه الثمرة بعد ظهورها، على شيء معلوم من الثمر، وأن يخرصها جاز ذلك (1).
[أصل مذهب أحمد في العقود الجواز]
وأصل مذهب أحمد في العقود الجواز، فلا يحرم منها إلَّا ما حرمه الله ورسوله، ومذهبه أوسع المذاهب في باب المزارعة والمناصبة والمساقاة، وكل ما كان من المعاملات المباحة (2).
وعلى العامل الحرث وآلته، وبقره، وإصلاح طرق الماء، وقطع الشوك والشجر اليابس، وزبار الكرم (3)، وتسوية الثمرة، والحفظ والتشميس، وإصلاح موضعه، وقيل: ما يتكرر كل عام فهو على العامل، وما عداه فعلى رب الأرض (4).
فصل [رفع الجوائح من الإحسان]
وأما الجائحة (5) في بيع الثمار ففيها نزاع مشهور، فلو اشترى ثمرًا قد
(1) هذه هي المساقاة، وهي كالمزارعة والمغارسة، ولكن السقي فيها يقوم مقام الغرس والزرع.
(2)
انظر حول ذلك: مجموع الفتاوي (29/ 125 - 150).
(3)
لم يتبين لي المقصود بزبار الكرم، والكرم هوا: العناب، الصحاح (5/ 2020)، وقال في الصحاح (2/ 668):"ازبأر النبت والوبر، إذا نبت"، أو يكون المقصود بذلك حشرة الزنبور أو الزنبار التي تكثر في شجر العنب كما هو معروف، والله أعلم.
قلت: وقد ورد عند الشيخين النهي عن تسمية العنب كرمًا، وأن الكرم قلب المؤمن، رواه البخاري برقم (6182) ومسلم برقم (2247)، وقد اختلفت أنظار الشراح في معنى ذلك، وهل النهي للتحريم أو للكراهة، وممن تولى هذه المسألة الحافظ في الفتح (10/ 567).
(4)
انظر: مجموع الفتاوي (29/ 88 - 125).
(5)
الجائحة في اللغة: من الجوح وهو الاستئصال، قال في الصحاح (1/ 360):"ومنه الجائحة وهي الشدة التي تجتاح المال من سنة أو فتنة"، وانظر: القاموس المحيط (276).
ومراد الفقهاء رحمهم الله بالجائحة أنها كل ما أصاب الزرع والثمر والمال بغير جناية آدمي كريح ومطر وغير ذلك، ويقول ابن قدامة في المغني (4/ 234):"الجائحة كل آفة لا صنع للآدمي فيها كالريح والبرد والجراد والعطش. . ".
بدا صلاحها، فأصابته جائحة، كان من ضمان البائع في مذهب مالك، والإمام أحمد، وجماعة من علماء السلف.
وقد صح النقل وثبت الخبر في صحيح مسلم مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "إن بعت من أخيك ثمرة، فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئًا! أيأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق! ! "(1).
وأما أبو حنيفة فلا يفرق بين ما بيع قبل بدو الصلاح أو بعده (2).
وأما ضمان البساتين عامًا أو أعوامًا، ليستغلها الضامن بسقيه وعمله، كالإجارة، وكذلك إذا بدا الصلاح في جنس من الثمر (3) إذا أكل منه، وبيع جميع ثمر البستان فأظهر الأقوال جواز ذلك (4).
وكذلك لو أعطى ماء ليسقي به زرعه، ويكون له الربع منه، أو أقل أو أكثر جاز، سواء كان الماء من صاحب البذر العامل فيها، أو من صاحب الأرض، أو من غيرهما، كل هذا جائز، وهذا من جنس المشاركة، لا من جنس الإجارة، وهو بمنزلة المساقاة والمزارعة.
والصحيح على مذهب أهل الحديث، أن المزارعة جائزة، سواء كان البذر من المالك، أو من الفلاح، أو منهما، وسواء كان على أرض بيضاء، أو ذات شجر، وكذلك تصبح المساقاة على جميع الأشجار، ويورث من كل منهم، وتقسم الشجرة أو الزرع في ورثته قسمة شرعية، فإن هذا كله من فضل الله الَّذي يبتغى في الأرض.
(1) رواه مسلم برقم (1554) 3/ 1190 كتاب المساقاة باب وضع الجوائح، والنسائي برقم (4527) كتاب البيوع، وأبو داود برقم (3470) كتاب البيوع، وابن ماجة برقم (2219) كتاب التجارات، والدارمي برقم (2556) كتاب البيوع، وكلهم بألفاظ متقاربة.
(2)
هذه الأقوال في: الأم (3/ 56)، المبسوط (13/ 91)، روضة الطالبين (3/ 470)، بداية المجتهد (2/ 186)، المغني (4/ 233).
(3)
هنا كلمة غير واضحة في نسخة الأصل.
(4)
والمصنف ذكر الخلاف في مجموع الفتاوي (30/ 240)، ورجح القول بالجواز، وقال: إنه الأصح، وذكر مآخذه وأدلته.
ومن قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ (20)} [الحجر: 20]. ومن قوله تعالى: {فَامْشُوا في مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15].
ومن قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63). . .} [الواقعة: 63].
وقد كان إبراهيم بن أدهم (1) وشقيق (2) بعد ما كانا فيه من سعة الرزق، يقومان على الكروم، ويسترزقان الله من العمل في البساتين، ويتقوتان (3) من الحصاد، وهو سنة ماضية من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين، فمن بعدهم.
(1) هو إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر العجلي، وقيل: التميمي البلخي نزيل الشام، نعته الذهبي بسيد الزهاد، وقال عنه ابن كثير: أحد مشاهير العباد وأكابر الزهاد، روى عن أبيه وأبي إسحاق السبيعي ومنصور بن المعتمر ومالك بن دينار والأعمش ومقاتل بن حيان، وروى عنه رفيقه سفيان الثوري وشقيق البلخي وبقية بن الوليد ومحمد بن يوسف الفريابي وأبو إسحاق الفزاري، وذكر أبو نعيم وغيره أنَّه كان من أبناء الملوك، يعيش في ثراء ورغد عيش، فخرج من ذلك كله، وانصرف للزهد والعبادة والجهاد، وكان طيلة إقامته في الشام -مع أصحابه كشقيق البلخي- يعمل في الحصاد وحفظ البساتين، كما ذكر أبو نعيم وغيره، وكان سخيًا جوادًا كريم النفس، يقوم على خدمة إخوانه ويكرمهم، وهو القائل العبارة المشهورة:"والله لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف"، توفي مرابطًا في إحدى الجزر ببحر الروم في صائفة سنة 162 هـ.
الجرح والتعديل (2/ 87)، حلية الأولياء (7/ 367)، الكامل لابن الأثير (6/ 56) سير أعلام النبلاء (7/ 387)، البداية والنهاية (10/ 138)، شذرات الذهب (2/ 282).
(2)
هو شقيق بن إبراهيم الأزدي البلخي، قال عنه الذهبي: الإمام الزاهد شيخ خرسان، صحب إبراهيم بن أدهم كثيرًا وتأثر به، وهو نزر الرواية -كما قال الذهبي - وكان صاحب ثروة ومال، فتزهد وتصدق بها، وأقبل على طلب العلم، وكان مع زهده من رؤوس الغزاة والمجاهدين، واستشهد رحمه الله في غزاة كولان سنة 194 هـ.
الجرح والتعديل (4/ 373)، حلية الأولياء (8/ 58)، سير أعلام النبلاء (9/ 313)، شذرات الذهب (2/ 442).
(3)
في نسخة الأصل: يتقوتون، وأثبتنا ما في أعلاه ليتفق مع ما ورد قبله بصيغة التثنية.