الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وهذا يدل على أن كل من خشي الله فهو عالم، وهو حق، ولا يدل على أن كل عالم يخشاه، لكن لما كان العلم به موجبًا للخشية عند عدم المعارضة، كان عدمه دليلًا على ضعف الأصل، إذ لو قوي لدفع المعارض.
[معنى العقل]
وهكذا لفظ العقل، يراد به الغريزة التي بها يعلم، ويراد بها أنواع من العلم، ويراد به العمل بموجب ذلك العلم (1)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إذا كان أحدكم صائمًا، فلا يرفث ولا يجهل، فإن امرؤ شاتمه، أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم"(2).
[معنى الجاهلية]
والجهل هنا هو الكلام الباطل، بمنزلة الجهل المركب، ومنه قول الشاعر:
ألا لا يجهلن أحد علينا
…
فنجهل فوق جهل الجاهلينا (3)
ومن هذا سميت الجاهلية جاهلية، وهي متضمنة لعدم العلم، أو لعدم
(1) انظر على سبيل المثال ما أورده الغزالي عن تعريف العقل في الإحياء (1/ 101)، وهو قريب من كلام المؤلف.
(2)
رواه البخاري برقم (1894) كتاب الصوم باب فضل الصوم، ومسلم برقم (1151) 2/ 806 كتاب الصيام باب حفظ اللسان للصائم، وأبو داود برقم (2363) كتاب الصوم، وابن ماجة برقم (1691) كتاب الصيام، وأحمد برقم (7295)، ومالك برقم (1894) كتاب الصوم.
(3)
هذا البيت جزء من معلقة الشاعر الجاهلي المعروف عمرو بن كلثوم التغلبي، ومعلقته إحدى المعلقات السبع -على قول من يقول إنها سبع-، وتسمى أيضًا المذهبات، لأن العرب كتبتها بماء الذهب وعلقتها بين أستار الكعبة، وعمرو بن كلثوم شاعر جاهلي من فحول الشعراء الجاهليين، وهو في طبقة امرئ القيس، وزهير بن أبي سلمى، والنابغة، وغيرهم؛ وهو الَّذي قتل عمرو بن هند ملك الحيرة، ويقال إن معلقته تربو على الألف بيت، ولكن لم يبق منها إلَّا ما حفظه منه الرواة وتناقلوه، وأولها؛ ألا هبي بصحنك فاصبحينا، ومات عمرو قبل البعثة بنحو ثلاثين عامًا: شرح المعلقات العشر (289) للخطيب التبربزي، خزانة الأدب للبغدادي (1/ 519)، الأغاني (11/ 52)، العقد الفريد (5/ 313، 6/ 103).
العمل به (1)، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:"إنك امرؤ فيك جاهلية"(2)، لما ساب الرجل وعيره بأمه.
إذ (3) قال تعالى: {إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ} [الفتح: 26]، فإن الغضب والحمية يحمل المرء على فعل ما يضره، وترك ما ينفعه، وهذا من الجهل الَّذي هو عمل بخلاف العلم، حتى يقدم المرء على فعل ما يعلم أنَّه يضره، وترك ما يعلم أنَّه ينفعه، لما في نفسه من البغض والمعاداة لأشخاص وأفعال، وهو في هذه الحال ليس عديم العلم والتصديق بالكلية، لكنه لما في نفسه من بغض وحسد غلب موجب ذلك لموجب العلم، فدل على ضعف العلم لعدم موجبه ومقتضاه، ولكن ذلك الموجب والنتيجة لا يوجد (4) عنه وحده، بل عنه وعما في النفس من حب ما ينفعها، وبغض ما يضرها، فإذا حصل لها مرض ففسدت به أحبت ما يضرها، وأبغضت ما ينفعها، فتصير النفس كالمريض الَّذي تناول ما يضره لشهوة نفسه له، مع علمه أنَّه يضره.
قلت: هذا معنى ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، ويحب العقل الكامل عند حلول الشهوات" رواه البيهقي مرسلًا (5).
(1) الصحاح للجوهري (4/ 1663 - 1664).
(2)
سبق تخريج هذا الحديث ص 399.
(3)
في (ط): "وقد".
(4)
في (ط): "توجد".
(5)
لم أجده في السنن الكبرى للبيهقي، وإذا أطلقت رواية البيهقي فإنها تنصرف إلى السنن الكبرى ولعلها في بعض كتب البيهقي الأخرى، وقد رواه أبو نعيم في الحلية (6/ 199) من حديث عمران بن حصين، ورواه محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي في مسند الشهاب عن عمران بن حصين رضي الله عنه بلفظ أطول برقم (1080) 2/ 152 أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بطرف عمامتي وقال:"يا عمران إن الله تبارك وتعالى يحب الإنفاق، ويبغض الإقتار، فأنفق وأطعم، ولا تصر صرًا فيعسر عليك الطلب، واعلم أن الله يحب البصر النافذ عند ورود الشبهات، والعقل الكامل عند حلول الشبهات، ويحب السماحة ولو على تمرات، ويحب الشجاعة ولو على قتل حية" وذكره المؤلف كاملًا في درء التعارض (5/ 131)، وفيه عمرو بن حفص =