الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومالك وأحمد وأبو حنيفة يصححون شركة الأبدان، والشافعي لا يجوز هذا (1).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث عبد الله بن رواحة، ليقسم الثمار المشتركة بين المسلمين وبين أهل خيبر، فإنه كان قد عاملهم بنصف ما تخرج الأرض، فدل على جواز العقد لا وجوبه، على أن يعمروها من أموالهم، وكان للمسلمين نصف الثمار والزرع، فكان يبعث ابن رواحة ليعرف حق الشركاء، ويعرف مقدار الزكاة الواجبة، فكان إذا خرصها سلمها إلى اليهود.
[محاولة اليهود رشوة عبد الله بن رواحة]
ولقد قالوا له مرة: يا عبد الله لقد زدت علينا، ورشوه بشيء من حلي نسائهم، فقال: يا معشر يهود كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد، قال: فإني عاهدت محمدًا صلى الله عليه وسلم أن لا أكتم حقًّا، أو أواطئ على باطل، فرد إليهم الحلي، فأيسوا مه، ولم يجدوا بدًا من دفع الحق إلى المسلمين (2).
(1) قال في المغني (5/ 111): "معنى شركة الأبدان أن يشترك اثنان أو أكثر فيما يكتسبونه بأيديهم، كالصناع يشتركون على أن يعملوا في صناعاتهم، فما رزق الله تعالى فهو بينهم. . . وبهذا قال مالك، وقال أبو حنيفة: يصح في الصناعة، ولا يصح في اكتساب المباح كالاحتشاش. .، وقال الشافعي: شركة الأبدان كلها فاسدة، لأنها شركة: على غير مال، فلم تصح، كما لو اختلفت الصناعات"، وانظر: بدائع الصنائع للكاساني (6/ 58)، شرح الخرشي على المختصر الجليل (4/ 267)، مغني المحتاج للشربيني (2/ 212)، إحياء علوم الدين (1/ 80).
(2)
قصة ابن رواحة رواها مالك في الموطأ برقم (1413) كتاب المساقاة، والبيهقي في سننه (4/ 122) عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص بينه وبين يهود. . القصة، وهو مرسل، سليمان بن يسار تابعي كبير، لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عبد الله بن رواحة.
لكن يشهد لهذا المرسل ما رواه أحمد في مسنده برقم (14536)، والدارقطني في سننه (2/ 133)، قال أحمد: حدثنا محمد بن سابق حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله قال: "أفاء الله خيبر على رسوله، فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلها بينه وبينهم، فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم، ثم قال: يا معشر يهود أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم أن أحيف عليكم، قد خرصت عشرين ألف وسق من =
وروي مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: لعن الله الراشي والمرتشي" (1).
ولقد مر علي رضي الله عنه يهودي، فنظر من ثلمة (2) في الحائط، فبصر باليهودي يستقي ببكرة (3)، فقال: يا أخا العرب هل لك في كل دلو تمرة! قال: نعم، فدخل علي رضي الله عنه فأخذ الدلو، قال: فجعلت كلما نزعت دلوًا رمي لي بتمرة، حتى جمعت ملئي كفي، تركت الدلو وذهبت، قال: ما بدا لك، قلت: حسبي، فأخذت التمر فأكلته، ثم أتيت المسجد، فما أن غزونا خيبر، فأغنمها الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، وقتل اليهودي، وقسمت
= تمر، فإن شئتم فلكم، وإن أبيتم فلي، قالوا: بهذا قامت السماوات والأرض، قد أخذناها، قال: فاخرجوا عنا. . . ".
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، ولولا أن البخاري أخرج لأبي الزبير مقرونًا، لكان على شرطهما.
ورواه ابن جرير في تاريخه (2/ 140) عن عبد الله بن أبي بكر، وفيه عنعنة ابن إسحاق، وانظر سيرة ابن هشام (2/ 345).
(1)
رواه الترمذي برقم (1337) كتاب الأحكام، وقال: حديث حسن صحيح، وأبو داود برقم (3580) كتاب الأقضية، وأحمد برقم (6532)، وابن حبان في صحيحه برقم (5076) 11/ 467، والحاكم (4/ 103) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وأبو يعلى في مسنده برقم (4610) 8/ 74، والبيهقي (10/ 138)، وكلهم بلفظ:(لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي. . .)، ورواه أحمد برقم (9011)، والطبراني في المعجم الكبير (23/ 398) بلفظ:(لعن الله الراشي. . .)، ورواه ابن ماجة برقم (2313) كتاب الأحكام، ولفظه:(لعنة الله على الراشي والمرتشي).
وانظر: تلخيص الحبير (5/ 221)، إرواء الغليل برقم (2620).
وقال الحافظ في الفتح (5/ 221): "وقد ثبت حديث عبد الله بن عمرو في لعن الراشي والمرتشي. . "، والحديث صححه الشيخ الألباني في كتابه صحيح سنن أبي داود برقم (3055)، وكتابه صحيح سنن ابن ماجة برقم (1871).
(2)
قال في الصحاح (5/ 1881): الثلمة الخلل في الحائط وغيره، وقال في القاموس المحيط (1402): الثلمة فرجة المكسور والمهدوم.
(3)
قال في الصحاح (5/ 1881): بكرة البئر يستقى عليها، وقال في القاموس المحيط (450): خشبة مستديرة في وسطها محز يستقى عليها، أو المحالة السريعة.
أمواله ورباعه في أهل بيعة الرضوان وأصحاب السفينة (1).
ولا خلاف أن عمل فلاحي (2) المسلمين أنفع لأرضهم، واشتراكهم فيما يرزقهم الله من ثمر وزرع أصلح في دينهم ودنياهم، من أن يفلحها الكفار، ويبقى فلاحو (3) المسلمين فقراء محتاجين.
وإذا أراد صاحب الأرض أن يغرسها، فعامله إنسان على أن يكون له نصف الثمر ويقوم بمصالحها، ونصف الثمر لصاحب الأرض جاز ذلك (4).
(1) خبر علي رضي الله عنه حديث خيبر، روي بوجوه متقاربة، فقد رواه الترمذي برقم (2473) كتاب صفة القيامة عن محمد بن كعب القرظي عمن سمع من علي رضي الله عنه: وقال: حديث حسن غريب، وأبو يعلي في مسنده برقم (502) 1/ 387 عن يزيد بن رومان القرظي عن رجل عن علي رضي الله عنه، وقال محققه: إسناده ضعيف، والبيهقي في سننه (6/ 119) عن حنش عن عكرمة عن ابن عباس، ورواه مختصرًا ابن ماجة برقم (2446) كتاب الأحكام، وأحمد برقم (687) عن مجاهد، وضعفه الشيخ أحمد شاكر.
قلت: في إسناد الترمذي رجل لم يسم، وهو التابعي الَّذي سمع عليًا، وكذلك الحال في إسناد أبي يعلى، وأما إسناد ابن ماجة والبيهقي ففيهما حنش، وهو الحسين بن قيس الرحبي متروك كما في التهذيب (2/ 313)، إلَّا الحاكم فقد وثقه كما ذكر الزيلعي في نصب الراية (4/ 132)، وأما إسناد أحمد ففيه انقطاع، فإن مجاهدًا على الراجح لم يلق عليًّا كما في السير (4/ 454) والتهذيب (10/ 40)، ونصب الراية (4/ 132)، وبهذه العلة أعل الشيخ أحمد شاكر الرواية التي في المسند (1/ 688)، وقال الحافظ في تلخيص الحبير (3/ 61):"ورواه أحمد من طريق علي بسند جيد، ورواه ابن ماجة بسند صححه ابن السكن مختصرًا. . ".
قلت: هذا يحمل من الحافظ على أنَّه يقول بسماع مجاهد من علي، وأما ما ذكر من تصحيح ابن السكن فهو مردود بتضعيف الأئمة لحنش الرحبي كما ذكرنا من قبل.
والخبر ضعفه الشيخ الألباني في كتابه ضعيف سنن الترمذي برقم (689) وكتابه ضعيف سنن ابن ماجة برقم (535)، وفي الإرواء برقم (1491) حيث أطال في تخريجه، وقال في آخره (5/ 313): وجملة القول أن الحديث ضعيف، لشدة ضعف طرقه. . . ".
قلت: ومن المحتمل أن يكون للقصة أصل، والله أعلم.
(2)
في نسخة الأصل: "فلاحين"، وهو خطأ.
(3)
في نسخة الأصل: "فلاحين"، وهو خطأ.
(4)
هذه هي المغارسة، وقد تقدم الحديث عنها.