الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل له ثانيًا: لا نزاع في أن العمل الظاهر هو فرع [عن](1) الباطن وموجب له ومقتضاه، لكن هل هو داخل في مسمى الاسم وجزء منه؟ أو هو لازم للمسمى كالشرط المفارق والموجب التابع؟
[حقيقة الأسماء الشرعية]
ومن المعلوم أن الأسماء الشرعية والدينية، كاسم الصلاة والزكاة والحج ونحو ذلك، هي باتفاق الفقهاء اسم لمجموع الصلاة الشرعية (2)، والزكاة الشرعية، والحج الشرعي، ومن قال إن الاسم إنما يتناول ما يتناوله عند الإطلاق في اللغة، وأن ما زاده الشارع إنما هو زيادة في الحكم وشرط فيه لا داخل في الاسم، كما قال ذلك القاضي أبو بكر بن الطيب (3)، والقاضي أبو يعلى (4)، ومن وافقهما على أن الشرع زاد أحكامًا شرعية جعلها شروطًا في القصد و [الأعمال](5) والدعاء، ليست داخلة في مسمى الحج والصيام والصلاة، فقولهم مرجوح عند الفقهاء وجماهير المنسوبين إلى العلم، ولهذا كان الجمهور من أصحاب الأئمة الأربعة على خلاف هذا القول (6).
(1) في نسخة الأصل: "عند"، وأثبتنا ما في (م) و (ط) لأنه أقرب إلى الصواب.
(2)
عبارة "والزكاة الشرعية" ليست في (م) و (ط).
(3)
هو الباقلاني ويقول في التمهيد عند تعريفه للإيمان. "الإيمان في الشريعة هو الإيمان المعروف في اللغة لأن الله عز وجل ما غير لسان العرب ولا قلبه، ولو فعل ذلك لتواترت الأخبار بفعله، وتوفرت دواعي الحرب على نقله، ولغلب إظهاره وإشهاره على طيه وكتمانه، وفي علمنا بأنه لم يفعل ذلك، بل أقر أسماء الأشياء والتخاطب بأسره على ما كان فيها دليل على أن الإيمان في الشرع هو الإيمان اللغوي"(390)، وممن نقل مذهب الباقلاني في ذلك إمام الحرمين في البرهان (1/ 174)، والطوفي في شرح مختصر الروضة (1/ 492).
(4)
يقول القاضي أبو يعلى في العدة في أصول الفقه: "وكذلك الحج عبارة عن القصد في اللغة، وهو في الشريعة: عبارة عن أفعال مخصوصة، فهو في الشريعة كما كان في اللغة. وضمت إليه شروط شرعية، ولا نقول بأنها (يعني الأسماء) منقولة من اللغة إلى معاني أحكام شرعية"(1/ 108).
(5)
في نسخة الأصل: الأمال، وهو خطأ، والتصحيح من (م) و (ط).
(6)
هذه المسألة هي من المسائل المهمة، وتسمى مسألة الأسماء الشرعية، وهي من المسائل التي يشترك البحث فيها بين علماء العقيدة والمتكلمين من جانب، وعلماء أصول الفقه من جانب آخر. =
فإذا قال قائل: إن اسم الإيمان إنما يتناول مجرد (1) ما هو تصديق،
= يقول أبو الخطاب الكلوذاني في كتابه التمهيد في أصول الفقه (2/ 252): "الأسماء المنقولة من اللغة إلى الشرع حقيقة في مسمياتها مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج، فيكون حد الاسم الشرعي ما استفيد بالشرع وضعه للمعنى سواء عرفه أهل اللغة أو لم يعرفوه، فإذا أطلق الشرع الأمر بالصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج حمل على الشرعية، وبه قال عامة المعتزلة، وأصحاب أبي حنيفة.
وقالت الأشعرية: لم ينقل شيء من الأسماء في اللغة إلى الشرع، ولا يجوز ذلك، بل الاسم باق على ما كان عليه في اللغة، وضم الشرع إليه أفعالًا، فالصلاة اسم الدعاء، وضم الشرع إليها ركوعًا وسجودًا وقيامًا وجلوسًا وذكرًا. . . " ثم شرع في الرد عليهم.
ويقتضي على مذهب هؤلاء أن الركوع والسجود وبقية أجزاء الصلاة ليست منها حقمة، وإنما مجازًا، وكذلك فعلوا في الإيمان. مجموع الفتاوى (7/ 289).
وهذه المسألة طرقها علماء الأصول، وقد ذكرنا بعض من تكلم فيها كأبي يعلى وإمام الحرمين وأبي الخطاب والطوفي، وانظر كذلك: شرح الكوكب المنير لابن النجار (47)، روضة الناظر (135) حيث نصر مؤلفه العلامة ابن قدامة المقدسي رحمه الله القول الأول، وضعف القول الثاني الذي هو قول الباقلاني وأبي يعلى، وانظر: إرشاد الفحول للشوكاني (21)، ونزهة الخاطر للشيخ عبد القادر بن بدران (2/ 10)، وذكر أن القول الأول هو مذهب الجمهور.
والمؤلف رحمه الله بحث المسألة في الإيمان الكبير، مجموع الفتوى (7/ 298 - 302)، وحكى فيها ثلاثة أقوال:(الأول): أنها منقولة من اللغة إلى الشرع، و (الثاني) أنها باقية في الشرع على ما كانت عليه في اللغة، و (الثالث) أنه حقيقة في الشرع مجاز في اللغة، ثم قال:"والتحقيق أن الشارع لم ينقلها ولم يغيرها، ولكن استعملها مقيدة لا مطلقة، كما يستعمل نظائرها. . . "(7/ 298)، وقال:"وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم تلك الخصائص، والاسم دل عليها، فلا يقال: إنها منقولة، ولا أنه زيد في الحكم دون الاسم، بل الاسم إنما استعمل على وجه يختص بمراد الشارع، لم يستعمل مطلقًا، وهو إنما قال: {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} بعد أن عرفهم الصلاة المأمور بها، فكان التعريف منصرفًا إلى الصلاة التي يعرفونها، لم يرد لفظ الصلاة وهم لا يعرفون معناه. . "(7/ 300).
ويقول أيضًا: "وكذلك الإيمان والإسلام وقد كان معنى ذلك عندهم من أظهر الأمور، وإنما سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وهم يسمعون، وقال: هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم، ليبين لهم كمال هذه الأسماء وحقائقها التي ينبغى أن تقصد لئلا يقصروا على أدنى مسمياتها. . . "(7/ 301).
(1)
في (م): "مجردًا".
وإما كونه تصديقًا بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، وكون ذلك مستلزمًا لحب الله ورسوله ونحو ذلك هو شرط في الحكم لا داخل في الاسم، إن لم يكن أضعف من ذلك القول فليس بدونه (1) في الضعف.
فكذلك من قال: الأعمال الظاهرة لوزام للباطن، لا تدخل في الاسم عند الإطلاق، يشبه قوله قول هؤلاء.
والشارع إذا قرن بالإيمان العمل فكما يقرن بالحج ما هو من تمامه كما إذا قال: من حج البيت وطاف وسعى [و](2) وقف بعرفة ورمى الجمار، ومن صلى فقرأ وركع وسجد، كما قال:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا. . . "(3)، ومعلوم أنه لا يكون (4) صومًا شرعيًا إن لم يكن إيمانًا واحتسابًا.
[و](5) قال: "من حج هذا البيت، فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه"(6)، ومعلوم أن الرفث (7) الذي هو الجماع يفسد الحج، والفسوق ينقص ثوابه، وكما قال:"من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا"(8)، فلا يكون مصليًا إن لم يستقبل قبلتنا في الصلاة.
(1) في (ط): "دونه".
(2)
الواو ليست في نسخة الأصل، وهو في (م) و (ط).
(3)
تقدم تخريج هذا الحديث، وهو في الصحيحين.
(4)
في (ط): "لم يكن".
(5)
الواو ليست في نسخة الأصل، وهي في (م) و (ط).
(6)
تقدم تخريج هذا الحديث، وهو في الصحيحين.
(7)
الرفث هو الجماع، الفحش من القول، وكلام النساء في الجماع، الصحاح (1/ 282)، القاموس المحيط (218).
(8)
رواه البخاري برقم (391) كتاب الصلاة باب، والنسائي برقم (4997) كتاب الإيمان وشرائعه، وتمامه:(. . . فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته)، وروى البخاري أيضًا برقم (393) كتاب الصلاة باب من قال:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا واستقبلوا قبلتنا وذبحوا ذبيحتا فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله" رواه أيضًا الترمذي برقم (2658) كتاب الإيمان، والنسائي برقم (3967) كتاب تحريم الدم، وأبو داود برقم (2641) كتاب الجهاد، وأحمد برقم (12643).
وكما قال صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات كتبهن الله على العبد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء غفر له"(1)، فذكر المحافظة (2) عليها، ومعلوم أنه لا يكون مصليًا لها على الوجه المأمور إلا بالمحافظة عليها، ولكن بين أن الوعيد مشروط بذلك، ولهذا لم (3)
(1) رواه النسائي برقم (461) كتاب الصلاة، ورواه في السنن الكبرى (1/ 142)، وأبو داود برقم (1420) كتاب الصلاة، وابن ماجه برقم (1401) كتاب إقامة الصلاة، ومالك برقم (270) كتاب النداء للصلاة، وأحمد برقم (22745)، والدارمي برقم (1577) كتاب الصلاة، وابن حبان في صحيحه برقم (1732) 5/ 23، وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: رجاله ثقات رجال الشيخين، والبيهقي في سننه الكبرى (1/ 366)، وكلهم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، وصححه الشيخ الألباني في كتابه صحيح أبي داود برقم (425) وغيره من كتبه الأخرى.
والحديث فيه المخدجي اختلف في اسمه، قيل: رفيع وقيل: أبو رفيع وهو الأشهر، وهو من بني كنانة، حيث جاء في بعض الروايات أن رجلًا من بني كنانة سأل عبادة بن الصامت عن رجل يدعى أبا محمد وزعم أن الوتر واجب، (تهذيب الكمال 33/ 315)(تهذيب التهذيب 12/ 105، 353)، والمخدجي هذا قال فيه الحافظ في (التقريب ص 640): مقبول، وذكره ابن حبان في (الثقات 5/ 570)، وقال الذهبي في (الكاشف 3/ 295): وثق.
وقد روى أبو داود برقم (425) كتاب الصلاة، وأحمد برقم (22196) عن عبد الله بن الصنابحي قال: زعم أبو محمد: أن الوتر واجب، فقال عبادة بن الصامت: كذب أبو محمد، أشهد أن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الحديث. . .، وعبد الله بن الصنابحي مختلف في صحبته، وهو على الراجح عبد الرحمن بن عسيلة المرادي أبو عبد الله الصنابحي ثقة من كبار التابعين، (تهذيب التهذيب 6/ 83، 208)، فالحديث صحيح إن شاء الله، ولا تضره جهالة المخدجي عند بعضهم، حيث ذكرنا من وثقه، بالإضافة إلى طريق الصنابحي، والمصنف يفهم من سوقه له أنه يصححه، وقد صححه الحافظان النووي وابن عبد البر كما ذكر الشيخ الألباني (مشكاة المصابيح 1/ 180)، وذكر الحافظ ابن حجر أن هذا الحديث من أقوى ما استدل به على عدم كفر تارك الصلاة (الفتح 12/ 204)، وليس فيه حجة في الواقع، وسوف يناقش المصنف هذه القضية لاحقًا إن شاء الله.
(2)
في (ط): "المحافظ".
(3)
في (ط): "لا".
يلزم من عدم المحافظة عليها أنه (1) لا يصليها، بل قد يصليها (2) بعد الوقت، فلا يكون محافظًا عليها، إذ المحافظة تستلزم فعلها في الوقت (3).
كما قال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238] نزلت لما أخرت العصر عام الخندق قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارًا، كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس"(4).
وبهذا يظهر أن الاحتجاج بذلك (5) على أن تارك الصلاة لا يكفر حجة ضعيفة، لكنه يدل على أن تارك المحافظة عليها (6) لا يكفر، فإذا صلاها بعد الوقت لم يكفر (7).
ولهذا جاءت في الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها قيل له (8): يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال:(لا ما صلوا)(9).
وكذلك لما سئل ابن مسعود عن قوله تعالى: {أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59]
(1) في (ط): "أن".
(2)
عبارة "بل قد يصليها" ليست في (ط).
(3)
عبارة "في الوقت" ليست في (ط).
(4)
رواه البخاري برقم (4533) كتاب التفسير باب {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} ، ورواه مسلم برقم (628) 1/ 436 كتاب المساجد باب الدليل لمن قال الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، والترمذي برقم (181) كتاب الصلاة، وابن ماجه برقم (686) كتاب الصلاة، وأحمد برقم (3708)، وانظر: الجامع لأحكام القرآن (2/ 194)، تفسير ابن كثير (1/ 122)، فتح القدير (1/ 256).
(5)
أي بالحديث السابق.
(6)
كلمة "عليها" ليست في (م) و (ط).
(7)
المؤلف رحمه الله في موضع آخر حمل هذا الحديث على كثير من الناس، من الذين يصلون تارة ويتركون تارة وقال عنهم:"وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس صلوات كتبهن الله على العباد. . . " مجموع الفتاوى (22/ 49).
(8)
كلمة (له) ليست في (ط).
(9)
الحديث في صحيح مسلم، وسيأتي الكلام عنه مستوفى إن شاء الله تعالى.
قال: هو تأخيرها عن وقتها، فقيل له: كنا نظن ذلك تركها، فقال: لو تركوها لكانوا كفارًا (1).
والمقصود أنه يدخل في الاسم المطلق أمور كثيرة وإن كانت تخص بالذكر، وقيل لمن قال دخول الأعمال الظاهرة في اسم الإيمان مجاز: نزاعك لفظي، فإنك إذا سلمت أن هذه لوازم الإيمان الواجب الذي في القلب وموجباته، كان عدم اللازم موجبًا لعدم الملزوم، فيلزم من عدم هذا الظاهر عدم الباطن، فإذا اعترفت بهذا كان النزاع لفظيًا.
وإن قلت: ما هو حقيقة قول جهم وأتباعه من أنه قد (2) يستقر الإيمان التام الواجب في القلب مع إظهار ما هو كفر، وترك جميع الواجبات الظاهرة.
قيل لك: فهذا يناقض قولك إن الظاهر لازم له، وموجب له، بل (3) حقيقة قولك: إن الظاهر يقارن الباطن تارة ويفارقه أخرى، فليس بلازم له ولا موجب ومعلول له، ولكنه دليل إذا وجد دل على وجوب (4) الباطن،
(1) رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة برقم (771) 1/ 359، والطبراني في المعجم الكبير (9/ 190)، وقال محققه:"قال في المجمع (10/ 198): والقاسم لم يسمع من ابن مسعود" وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله: "وقال وكيع عن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن والحسن بن سعيد عن ابن مسعود أنه قيل له: إن الله يكثر ذكر الصلاة في القرآن {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)} و {عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} فقال ابن مسعود: على مراقيتها، قالوا: ما كنا نرى ذلك إلا على الترك، قال: ذلك الكفر" تفسير القرآن العظيم (3/ 128)، وقد اختلف أهل العلم في المراد بهذه الآية، فذهب بعضهم أن المراد بإضاعة الصلاة هنا: تركها بالكلية، وذهب غيرهم وهو الصحيح -وهو ما ذهب إليه المؤلف-: إلى أن المقصود بإضاعتها، تأخيرها عن وقتها. تفسير ابن جرير (16/ 98)، معاني القرآن الكريم لأبي جعفر النحاس (4/ 340)، أحكام القرآن للقرطبي (11/ 46)، دقائق التفسير لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 338) جمع د. محمد السيد الجليند، تفسير ابن كثير (3/ 128)، تفسير أبي السعود (5/ 272)، فتح القدير (3/ 340)، أضواء البيان (4/ 332).
(2)
كلمة "قد" ليست في (ط).
(3)
في (ط): "بل قيل"، وأظن كلمة قيل مقحمة، والله أعلم.
(4)
في (م) و (ط): "وجود"، وهي أيضًا ملائمة للسياق.