الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيام رمضان، وغير ذلك إنما شرع بالمدينة بعد الهجرة، وأمروا بالزكاة والإحسان فى مكة أيضًا، ولكن فرائض الزكاة ونصبها إنما شرعت بالمدينة (1)، وأما صوم رمضان فهو إنما فرض في السنة الثانية من الهجرة (2)، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات.
[فصل][الخلاف في زمن فرض الحج]
وأما الحج فقد تنازع الناس في وجوبه فقالت طائفة: فرض سنة ست من الهجرة # وعمدتهم في ذلك أن قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، نزلت سنة ست # (3) عام الحديبية باتفاق الناس قالوا: وهذه الآية تدل على وجوب الحج، ووجوب العمرة أيضًا، لأن الأمر بالإتمام
= قال عطاء، والأوزاعي، وغيرهما" الفتح (8/ 62)، وانظر: زاد المعاد (1/ 372)، والفتح لابن حجر (2/ 354).
(1)
قال الحافظ في الفتح (3/ 266): "اختلف في أول وقت فرض الزكاة، فذهب الأكثر أنه وقع بعد الهجرة، فقيل: كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان. .، وادعى ابن خزيمة في صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة. . ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف، وثبت عند أحمد وابن خزيمة أيضًا، والنسائي وابن ماجه والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة قال "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة، ثم نزلت فريضة الزكاة، فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله" إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح إلا أبا عمار الراوي له عن قيس بن سعد، وهو كوفي اسمه عريب بالمهملة المفتوحة ابن حميد، وقد وثقه أحمد وابن معين، وهو دال على أن فرض صدقة الفطر كان قبل فرض الزكاة، فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان، وذلك بعد الهجرة، وهو المطلوب".
وما ذهب إليه المصنف من أنهم أمروا بالزكاة في مكة، لكن فرائض الزكاة ونصبها وأحكامها لم تشرع إلا في المدنية، هو المتوجه في هذا الباب، وقد ذكر الحافظ مثل ذلك، الفتح (3/ 266).
(2)
قال الحافظ ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد (2/ 30) عن صوم رمضان: "وكان فرضه في السنة الثانية من الهجرة، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صام تسع رمضانات. . . "، وانظر تاريخ ابن جرير (2/ 18)، والبداية والنهاية (3/ 254).
(3)
ما بين العلامتين (#) ساقط من (ط).
يضمن الأمر بابتداء الفعل وإتمامه، وقال الأكثرون: إنما وجب الحج متأخرًا، قيل: سنة تسع، وقيل: سنة عشر، وهذا هو الصحيح (1).
فإن آية الإيجاب إنما هي قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} [آل عمران: 97](2)، وهذه الآية في سورة (3) آل عمران في سياق مخاطبته لأهل الكتاب، وصدر آل عمران، وما فيها من مخاطبة أهل الكتاب، نزل لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد نجران النصارى، وناظروه في أمر المسيح، وهم أول من أدى الجزية من أهل الكتاب (4).
(1) اختلف أهل العلم في وقت ابتداء فرض الحج فقل:
1 -
قبل الهجرة، وهو قول شاذ -كما قال الحافظ في الفتح (3/ 378).
2 -
وقيل: سنة خمس للهجرة.
3 -
وقيل: سنة ست للهجرة، وذكر الحافظ أن هذا قول الجمهور لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} الفتح (3/ 378).
4 -
وقيل: سنة سبع للهجرة.
5 -
وقيل: سنة ثمان للهجرة.
6 -
وقيل: سنة تسع للهجرة.
7 -
وقيل: سنة عشر للهجرة، وهو ما رجحه المصنف.
وهذه الأقوال ذكرها الشيخ أبو القاسم الرافعي في كتابه، فتح العزيز على هامش المجموع (7/ 3)، وذكرها المصنف رحمه الله في كتابه شرح العمدة (1/ 218)، وقد أطال البحث فيها، ورد على من قال: إن الحج فرض سنة خمس، أو ست، غير أنه رجح أن يكون فرضه سنة تسع، شرح العمدة (1/ 222).
أما تلميذ المصنف الحافظ ابن القيم، فقد ذكر أن فرض الحج كان سنة تسع أو عشر، ولم يجزم بشيء، زاد المعاد (2/ 101).
ومن آثار هذا الخلاف المسألة المشهورة في وجوب الحج، هل هو على الفور أو التراخي، وخلاف الفقهاء في ذلك.
(2)
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله عند هذه الآية: "هذه آية وجوب الحج عند الجمهور" ورجح ذلك القول، تفسير ابن كثير (1/ 386).
(3)
كلمة "سورة" ليست في (م) و (ط).
(4)
وردت قصة وفد نجران مختصرة في الصحيح من رواية حذيفة رضي الله عنه قال: "جاء العاقب والسيد صاحبا نجران إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدان أن يلاعناه، قال: فقال أحدهما لصاحبه: لا تفعل، فوالله لئن كان نبيًا فلاعننا لا نفلح نحن ولا عقبنا من بعدنا، قالا: إنا نعطيك ما سألتنا، وابعث معنا رجلًا أمينًا، ولا تبعث معنا =
وكان ذلك بعد إنزال سورة براءة، التي شرع فيها الجزية، وأمر فيها بقتال أهل الكتاب، وحتى يعطوا الجزية عن يد وهو صاغرون.
وغزا النبي صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، التي غزا فيها النصارى لما أمر الله بذلك في قوله تعالى:{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)} [التوبة: 29].
ولهذا لم يذكر وجوب الحج في عامة الأحاديث، وإنما جاء في الأحاديث المتأخرة، وقد قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد عبد القيس، وكان قدومه قبل فتح مكة على الصحيح كما قدمناه (1)، وقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، يعنون بذلك أهل نجد من تميم وأسد وغطفان، لأنهم بين البحرين وبين المدينة، وعبد القيس من ربيعة ليسوا من مضر، ولما فتحت مكة زال هذا الخوف، ولما قدم عليه وفد عبد القيس أمرهم بالصلاة والزكاة وصيام رمضان وخمس المغنم، ولم يأمرهم بالحج.
وحديث ضمام قد تقدم أن البخاري لم يذكر فيه الحج، كما لم يذكر (2) في حديث طلحة، وأبي هريرة، وغيرهما (3)، مع قولهم: إن هذه الأحاديث هي من قصة ضمام، وهذا ممكن، مع أن تاريخ قدوم ضمام هذا ليس متيقنًا.
= إلا أمينًا، فقال: لأبعثن معكم رجلًا أمينًا، حقَّ أمين، فاستشرف له أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: قم يا أبا عبيدة بن الجراح، فلما قام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أمين هذه الأمة"، ورواه البخاري برقم (4380) كتاب المغازي باب قصة أهل نجران، ومسلم برقم (2420) 4/ 1882 كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي عبيدة بن الجراح، والترمذي برقم (3796) كتاب المناقب، وابن ماجه برقم (135) في المقدمة، وأحمد برقم (3920).
وجاءت قصة الوفد مطولة فى كتب المغازي والسير من رواية ابن إسحاق، سيرة ابن هشام (1/ 573)، ومن رواية سلمة بن عبد يسوع بن يونس، عن أبيه عن جده يونس -وكان نصرانيًا فأسلم- عند الحافظ البيهقي في دلائل النبوة (382)، وانظر: البداية والنهاية (5/ 48)، وتفسير القرآن العظيم (1/ 370).
(1)
في (م) و (ط): "بيناه" وانظر: ص 523.
(2)
فى (ط): "يذكره".
(3)
وقد تقدم الكلام على ذلك فيما سبق.
وأما قوله تعالى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196]، فليس في لفظ (1) الآية إلا الأمر بإتمام ذلك، وذلك يوجب إتمام ذلك على من دخل فيه، فنزل الأمر بذلك لما أحرموا بالعمرة عام الحديبية، ثم أحصروا فأمروا بالإتمام، وبين لهم حكم الإحصار (2)، ولم يكن حينئذ قد وجب عليهم لا عمرة ولا حج.
(الجواب الثاني): أنه كان صلى الله عليه وسلم يذكر في مقام ما يناسبه، فيذكر تارة الفرائض الظاهرة التي يقاتل (3) على فعلها (4) الطائفة الممتنعة، كالصلاة والزكاة.
ويذكر تارة ما يجب على المسائل، فمن أجابه بالصلاة والصيام، لم يكن عليه زكاة يؤديها، ومن أجابه بالصلاة والزكاة والصيام، فإما أن يكون قبل فرض الحج، وهذا هو الواجب في مثل حديث عبد القيس ونحوه، وإما أن يكون المسائل ممن لا حج عليه.
وأما الصلاة والزكاة فلهما شأن ليس لسائر الفرائض، ولهذا ذكر الله تعالى في كتابه القتال عليهما (5)، لأنهما عبادتان ظاهرتان (6) بخلاف الصوم، فإنه أمر باطن وهو مما ائتمن الناس عليه، فهو من جنس الوضوء والاغتسال من الجنابة ونحو ذلك، مما يؤتمن عليه العبد، فإن الإنسان يمكنه أن لا ينوي الصوم، وأن يأكل سرًا، كما يمكنه أن يكتم حدثه وجنابته.
وأما الصلاة والزكاة فأمر ظاهر، لا يمكن الإنسان بين المؤمنين أن يمتنع من ذلك وهو صلى الله عليه وسلم يذكر في الإسلام الأعمال الظاهرة، التي يقاتل عليها الناس، ويصيرون مسلمين بفعلها، فلهذا علق ذلك بالصلاة والزكاة
(1) في (م) و (ط): "هذه".
(2)
انظر: تفسير ابن كثير (1/ 232).
(3)
في (ط): "تقاتل".
(4)
في (ط): "تركها".
(5)
يعني قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5]، وقد تقدم الكلام عنها.
(6)
كلمة (ظاهرتان) ليست في (م) و (ط).