الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما السبب في انتساب الأسرة إلى اسم (تيمية) فقد ذكر المؤرخون في ذلك سببين اثنين:
الأول: أن جده محمد بن الخضر حج على درب تيماء، فرأى هناك طفلة في طريقه، فلما رجع وجد امرأته قد ولدت له بنتًا، فقال: يا تيمية، يا تيمية، فلقبت بذلك، وانتسب إليها بنوها.
الثاني: أن جده المذكور كانت أمه تسمى تيمية، وكانت واعظة فنسب إليها وعرف بها (1)، والله أعلم بحقيقة الحال.
ثانيًا: مكانة أسرته العلمية والاجتماعية:
ليس من الضرورة أن يكون النابغون من العلماء قد تربوا في أحضان أسر مشهورة بالعلم والفضل والمكانة والدين، فكم من أهل العلم الذين صاروا نابغين مشهورين قد ولدوا لآباء أميين، وأسلاف مغمورين، ولكن العلم رفع من شأنهم، وأعلى من قدرهم بين العالمين، ولكن حين يولد النبوغ في أسر الفضلاء، وتظهر العبقرية في بيوتات العلماء، فتلك مزية -لعمر الله- لا تعدلها مزية.
= نمير، وقد مال بعض المعاصرين -كالشيخ أبي زهرة رحمه الله في كتابه ابن تيمية (18) - إلى احتمال أن يكون أصله كرديًا، لأن ديار بكر موطن الأكراد -عشيرة السلطان العادل المجاهد الإمام الملك صلاح الدين الأيوبي رحمه الله وممن ذكر من المعاصرين أنه نميري النسب المؤرخ الكبير خير الدين الزركلي في الأعلام (1/ 144).
وقد صرَّح من الأقدمين بتلك النسبة العلامة ابن ناصر الدين الدمشقي في كتابه "تراجم الأعيان المنظومين في بديعة الزمان"(وهو مخطوط في مركز البحث العلمي في جامعة أم القرى برقم (176)، وقد ذكر هذه النسبة عند ترجمة جده مجد الدين عبد السلام ابن تيمية، كما ذكرها عند ترجمة شيخ الإسلام في الطبقة الحادية والعشرين، وهي شرح لمنظومة اسمها "بديعة الزمان عن موت الأعيان"، وفيها قال عن شيخ الإسلام لما جاء إلى ترجمه: ثم فتى تيمية حرَّاني ذكرهم كلامه المعاني.
(1)
سير أعلام النبلاء (22/ 289)، العقود الدرية (4)، وجاء في ذيل طبقات الحنابلة (2/ 161) للحافظ ابن رجب رحمه الله أن الحافظ المنذري ذكر أن الفخر ابن تيمية سئل عن سبب تسميتهم بذلك، فذكر القصة السابقة عن جده.
وقد كان لشيخ الإسلام من تلك المزية الفائقة أوفر الحظ والنصيب، فذكاء مفرط، ونبوغ باكر، وعبقرية عجيبة تألفت منها شخصية شيخ الإسلام، لتلقى الرعاية والعناية والاهتمام من رجالات هذه الأسرة العلمية النبيلة ونسائها على حد سواء.
وما الظن حين يرعى الموهوبون، ويتعاهد بالعناية والتشجيع النابغون، وهذا حال شيخ الإسلام رحمه الله في أسرته.
ولعل من المناسب أن أذكر طرفًا ميسورًا ونبذة موجزة عن بعض فروع هذه الدوحة الطيبة والشجرة المباركة من آل تيمية رحمهم الله تعالى، ليدرك المطالع سرًا من أسرار بعض ما ناله شيخ الإسلام -في حياته وبعد مماته- من رفعة وعلو وقبول ومكانة.
ولئن نالت دمشق ومصر -وغيرهما من البلدان- حظهما من علم شيخ الإسلام ودعوته، فلقد كانت حران -موطن أجداده- مهدًا لنشاط أسلافه من آل تيمية، ومركزًا بارزًا لعلومهم.
* فمن آل تيمية رحمهم الله فخر الدين أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم الخضر بن محمد بن الخضر (ت سنة 622 هـ) الذي نعته الإمام الذهبي بالشيخ الإمام العلامة المفتي المفسر الخطيب البارع عالم حران وخطيبها وواعظها، صاحب الديوان في الخطب، والتفسير الكبير الذي يبلغ ثلاثين مجلدًا، وله مختصر في مذهب الحنابلة -الذي درجت عليه هذه الأسرة- ولازم الإمام ابن الجوزي وقرأ عليه كثيرًا من مصنفاته، وهو عم المجد أبي البركات جد شيخ الإسلام، ووالده أبو القاسم كان من أهل العلم الصالحين وعليه قرأ القرآن، وقد أطال الحافظ ابن رجب في ترجمته (1)، وذكر أنه كانت بينه وبين الإمام موفق الدين ابن قدامة رحمه الله
(1) وقد بلغت هذه الترجمة إحدى عشرة صفحة، وما التراجم المطولة في الذيل إلا لمشاهير علماء الحنابلة؛ والفخر ابن تيمية واحد من أبرزهم، وإن كان ليُؤخذ على ترجمة الفخر أن ثلاث صفحات منها قد سيقت في حال المرائي التي قيل إنها رؤيت له بعد موته، ولو خلت الترجمة منها لما أضر بها شيء، ولو اقتصر فيها على قصة أو قصتين لكفى، والله أعلم.
مراسلات ومكاتبات، ووقوع نوع خلاف في بعض المسائل بينهما -وذلك دأب العلماء في كل زمان ومكان- وقد أورد بعضها، وتظهر مكانة الفخر ابن تيمية رحمه الله في عبارات المدح والثناء من الحافظ ابن قدامة عليه، فهو يطلق عليه فيها: الأخ الإمام الكبير جمال الإسلام ناصر السنّة، الذي يرجع إليه في جميع العلوم (1)! ! .
* ومن آل تيمية أبو محمد عبد الحليم بن محمد بن أبي القاسم الخضر، وهو ابن الشيخ فخر الدين -المتقدم ذكره- (المولود سنة 573 هـ)، وأقام ببغداد مدة طويلة يتلقى الحديث وسائر العلوم، حتى برع في ذلك كله، وقد سمع منه الحافظ ضياء الدين بعض الأجزاء في الحديث، ولكن الأجل لم يمهله طويلًا، ومات في حياة أبيه عن عمر يناهز الثلاثين عامًا (سنة 603 هـ).
وقد ذكر والده -كما يقول الحافظ ابن رجب- أن ابنه عبد الحليم هذا له كتاب سماه "الذخيرة" فيه مسائل دقيقة، وأخرى عويصة (2).
* ومن آل تيمية أبو محمد سيف الدين عد الغني بن فخر الدين أبي عبد الله بن تيمية خطيب حرَّان وابن خطيبها فخر الدين، وأخو عبد الحليم السالف الذكر، وقد ولد (سنة 581 هـ) وقام مقام أبيه بعد وفاته، فكان يخطب ويعظ ويدرِّس ويلقي التفسير في الجامع على الكرسي، ومن مصنفاته "الزوائد على تفسير الوالد" و "إهداء القرب إلى ساكني الترب"، ومات رحمه الله بحران (سنة 639 هـ)(3).
(1) وفيات الأعيان (4/ 386)، ذيل تاريخ بغداد (15/ 26)، سير أعلام النبلاء (22/ 289)، الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 151 - 161) شذرات الذهب (7/ 179)، مختصر طبقات الحنابلة لمحمد جميل الشطي (54).
(2)
الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 39).
(3)
الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 222)، شذرات الذهب (7/ 354)، جلاء العينين في محاكمة الأحمدين للشيخ نعمان خير الدين ابن الألوسي (29)، مختصر طبقات الحنابلة (55).
* ومن آل تيمية الكرام شيخ الإسلام ابن تيمية مجد الدين أبو البركات عبد السلام بن عبد الله بن الخضر، وصفه الحافظ الذهبي بالشيخ الإمام العلامة فقيه العصر شيخ الحنابلة، تفقه على عمه فخر الدين الخطيب، ورحل مع ابن عمه سيف الدين وهو صغير إلى بغداد، وتفقه وبرع وصنف التصانيف وانتهت إليه الإمامة في الفقه.
ويقول عنه الشيخ جمال الدين ابن مالك (الإمام في النحو وصاحب الألفية الذائعة الصيت): أُلين للشيخ المجد الفقه، كما ألين لداود الحديد.
وحين حج ومر ببغداد انبهر علماؤها بذكائه وعلمه وفضله، والتمس منه أستاذ دار الخلافة محيي الدين ابن الجوزي الإقامة عندهم، فتعلل بالأهل والوطن، وما زال المجد يصنف ويدرس وينشر العلم حتى قبضه الله عز وجل (سنة 652 هـ)، ومن مصنفاته "المنتقى من أحاديث الأحكام" وهو كتاب مشهور، و "المحرر" و "منتهى الغاية في شرح الهداية"(1).
* ومنهم أبو الفرج فخر الدين عبد القاهر بن سيف الدين عبد الغني (الذي سبقت ترجمته) ابن الشيخ فخر الدين بن تيمية (المولود بحرَّان سنة 612 هـ) سمع من جده الفخر ابن تيمية، وخطب بحرَّان، وحدث بدمشق، ومات بها (سنة 671 هـ)، وجاء في ترجمته: أن جد شيخ الإسلام المجد ابن تيمية لما مات رحمه الله، جاء أبو الفرج هذا -وهو ابن ابن عمه- فغلبهم على الصلاة عليه (2).
* ومنهم أخو أبي الفرج (المتقدم ذكره) علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية، ومات (سنة 701 هـ) بمصر عن اثنتين وثمانين سنة، وممن روى عنه الحافظ الذهبي (3).
(1) سير أعلام النبلاء (23/ 291)، البداية والنهاية (13/ 198)، الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 249)، شذرات الذهب (7/ 443)، جلاء العينين (28)، مختصر طبقات الحنابلة (56).
(2)
الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 282)، شذرات الذهب (7/ 583).
(3)
شذرات الذهب (8/ 6).
* ومن آل تيمية والد شيخ الإسلام عبد الحليم شهاب الدين أبو المحاسن بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية (المولود سنة 627 هـ) تفقه على والده وأكثر عنه، وصار شيخ البلد بعد أبيه وخطيبه، وله اليد الطولى في كثير من الفنون، وكان -كما يقول الذهبي- من أنجم الهدى، وإنما اختفى بين نور القمر وضوء الشمس، يشير إلى أبيه وابنه، وقد عرفت دمشق له فضله لما قدمها مع أهله، وتولى المشيخة والتدريس في إحدى معاهدها العريقة، وهي دار الحديث السُّكَّرية، هذا عدا دروسه بالجامع، وقد خلفه فيهما بعد وفاته ابنه شيخ الإسلام، وقد مات رحمه الله (سنة 682 هـ)(1).
* ومنهم شرف الدين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القاسم بن عبد الغني ابن خطيب حرَّان فخر الدين ابن تيمية، كان تاجرًا، وروى عن جماعة من أهل العلم، وحدث زمانًا، وكان من خيار عباد الله، كما يقول الذهبي (2).
* ولئن كان شيخ الإسلام ابن تيمية هو سليل تلك الأسرة الماجدة، وأشهرها على الإطلاق، فقد كان منها فى فروع معاصرون لشيخ الإسلام أو جاؤوا بعده، ليظل اسم هذه الأسرة المباركة حيًا في عقل الأمة وفؤادها.
* ومن هؤلاء شقيقا شيخ الإسلام عبد الرحمن وعبد الله، فأما الأول فهو زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم (المولود سنة 663 هـ) والمتوفى (سنة 747 هـ)، أخذ العلم والحديث على جماعة من العلماء، وذكر المؤرخ الحافظ علم الدين البرزالي له ستة وثمانين شيخًا، وكان تاجرًا خيرًا دينًا، وقد حبس نفسه مع أخيه شيخ الإسلام محبة له وإيثارًا لخدمته (3).
(1) العبر (5/ 337)، البداية والنهاية (13/ 320)، الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 310)، شذرات الذهب (7/ 656)، مختصر طبقات الحنابلة (59).
(2)
ذيل تاريخ الإسلام (140)، شذرات الذهب (9/ 54).
(3)
البداية والنهاية (14/ 232)، الدرر الكامنة (2/ 330)، شذرات الذهب (8/ 262).
* وأما الثاني فهو أبو محمد شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (المولود سنة 666 هـ) سمع خلقًا من العلماء، وتفقه في المذهب حتى برع، وبرع أيضًا في الفرائض والحساب وعلم الهيئة وفي الأصلين والعربية، وكان إمامًا في التاريخ، ودرَّس في دار الحنبلية مدة، وكان رحمه الله ذا زهد وتأله وخوف، وقد ناظر بعض خصوم الشيخ في مصر فأفحمهم وقطع حجتهم، وكان قوالًا بالحق أمَّارًا بالمعروف، وكان أخوه شيخ الإسلام يتأدب معه ويحترمه، توفي بدمشق (سنة 727 هـ)(1).
* ومن آل تيمية المتأخرين ناصر الدين محمد بن عبد الله (ت سنة 837 هـ) وقد كان تاجرًا عارفًا بالطب، وولي قضاء الإسكندرية مدة من الزمن (2).
* وأما النساء من تلك الأسرة الماجدة، فقد مر من قبل أن والدة جد شيخ الإسلام الأعلى محمد بن الخضر كانت واعظة (3)، ومن هذه الأسرة العالمة بدرة بنت الشيخ فخر الدين ابن تيمية، جدة شيخ الإسلام، وزوجة جده المجد، وهي ابنة عمه، وماتت قبله بيوم واحد (سنة 652 هـ) وروت بالإجازة عن بعض المحدثين، وكانت تكنى أم البدر (4).
ومنها كذلك عمة شيخ الإسلام ست الدار بنت عبد السلام ابن تيمية، وقد روى عنها شيخ الإسلام (5).
ومنها بنت أخي شيخ الإسلام زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلية، روت الحديث عن بعض أهل العلم، وحدَّثت، وأجازت الحافظ ابن حجر رحمه الله، وماتت سنة (799 هـ).
(1) ذيل تاريخ الإسلام (309)، العقود الدرية (241)، الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 382)، شذرات الذهب (8/ 136).
(2)
الضوء اللامع للسخاوي (9/ 124)، شذرات الذهب (9/ 327).
(3)
ممن ذكر هذا العلامة ابن ناصر الدين عند ترجمته لشيخ الإسلام في كتابه "تراجم الأعيان المنظومين في بديعة الزمان" في الطبقة الحادية والعشرين.
(4)
الذيل على طبقات الحنابلة (253)، شذرات الذهب (7/ 446).
(5)
تاريخ الإسلام للذهبي، نقلًا عن أعلام النساء لعمر رضا كحالة (2/ 154).