الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"يا أبا ذر هذا خير من ملء الأرض مثل هذا"(1).
[تفضيل صالحي البشر على الملائكة]
فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصادق الذي لا يجازف (2) فيما يقول: أن الواحد من بني آدم يكون خيرًا من ملء الأرض من الآدميين، وإذا كان الواحد منهم أفضل من الملائكة (3)، والواحد منهم
(1) هذا الحديث لم أجده في صحيح مسلم، وإنما هو في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه رواه برقم (6447) كتاب الرقاق، باب فضل الفقر، ولفظه:
"مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، قال: فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم مر رجل فقال له رسول صلى الله عليه وسلم، ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله هذا رجل عن فقراء المسلمين، هذا حري أن خطب أن لا ينكح وإن شفع أن لا يشفع وإن قال أن لا يسمع لقوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض عن مثل هذا". ورواه ابن ماجه برقم (4120) كتاب الزهد.
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر ارفع بصرك فانظر أرفع رجل تراه في المسجد، قال: فنظرت فإذا رجل جالس عليه حلة قال: فقلت: هذا، قال: فقال: يا أبا ذر ارفع بصرك فانظر أوضع رجل تراه في المسجد، فنظرت فإذا رجل ضعيف عليه أخلاق، قال: فقلت: هذا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لهذا أفضل عند الله يوم القيامة من قراب الأرض مثل هذا"، ورقمه (12475).
وحديث سهل قال فيه: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لرجل عنده: "ما رأيك في هذا؟ . . . الحديث"، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى:"فعلم منه (أي من حديث أبي ذر عند أحمد) أن المسؤول هو أبو ذر، ويجمع بينه وبين حديث سهل أن الخطاب وقع لجماعة منهم أبو ذر، ووجه إليه فأجاب ولذلك نسبه لنفسه" الفتح (11/ 277).
(2)
في (ط): يجاوز، ومعنى يجازف، من الجزف وهو الأخذ بكثرة، وأصلها فارسي، مجمل اللغة لابن فارس (187)، والجزاف والجزافة والمجازفة الحدس في البيع والشراء، معرب، والجزوف من الحوامل: المتجاوزة حد ولادتها، القاموس المحيط (1029)، وهو قريب عن معنى المجاوزة في غير موقعها.
(3)
مسألة التفضيل بين الملائكة والناس مسألة مشهورة، تكلم فيها الكثيرون، وإن كانت تعد من فضول المسائل، وممن تكلم فيها الإمام أبو عبد الله القرطبي في تفسيره (1/ 274)، وللمؤلف رحمه الله كلام طويل في مجموع الفتاوى (4/ 350 - 392) في هذه المسألة، والتفضيل له عدة وجوه ينبغي النظر إليها بعين الاعتبار، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وهذه الوجوه هي: هل يكون كل واحد من آحاد الناس أفضل من كل واحد من آحاد الملائكة؟ وقال شيخ الإسلام: وهذا لا يقوله عاقل (4/ 350)، وهذا وجه، أو أيهما أفضل: الأنبياء أو الملائكة؟ أو أيهما أفضل صالحو البشر أو الملائكة؟ أو أن الملأ الأعلى من الملائكة أفضل بأية حال؟ أو أن حقيقة الملك والطبيعة الملكية أفضل من حقيقة البشر وطبيعتهم؟ (4/ 353)، وبعضهم خصَّ الرسول صلى الله عليه وسلم واستثناه من عموم البشر وفضله على جميع الملائكة؟ أو التوقف في ذلك؟
وقال شيخ الإسلام في أثناء كلامه في التفضيل بين الملائكة والبشر: "وقد ذكر جماعة من المنتسبين إلى السنة أن الأنبياء وصالحي البشر أفضل من الملائكة، وذهبت المعتزلة إلى تفضيل الملائكة على البشر، وأتباع الأشعري على قولين: منهم من يفضل الأنبياء والأولياء، ومنهم من يقف ولا يقطع فيهما بشيء، وحكي عن بعض متأخريهم أنه مال إلى قول المعتزلة. . . "(4/ 356).
ومال شيخ الإسلام إلى تفضيل صالحي البشر على الملائكة، وذكر في ذلك وجهًا لطيفًا جدًا وهو قوله:"وأيضًا فإنا إنما تكلمنا في تفضيل صالحي البشر إذا كملوا ووصلوا إلى غايتهم وأقصى نهاينهم، وذلك إنما يكون إذا دخلوا الجنة، ونالوا الزلفى، وسكنوا الدرجات العلى، وحياهم الرحمن، وخصهم بمزيد قربه، وتجلى لهم، يتمتعون بالنظر إلى وجهه الكريم، وقامت الملائكة في خدمتهم بإذن ربهم، فلينظر الباحث في هذا الأمر، فإن أكثر الغالطين لما نظروا في الصنفين رأوا الملائكة بعين التمام والكمال، ونظروا الآدمي وهو في هذه الحياة الخسيسة الكدرة، التي لا تزن عند الله جناح بعوضة، وليس هذا بالإنصاف"(4/ 372) ثم قال في آخر كلامه: "كما يكون الشيخ العاقل أفضل من عامة الصبيان، لأنه إذ ذاك فيه من الفضل ما ليس في الصبيان، ولعل في الصبيان -من يكون- في عاقبته أفضل منه بكثير، ونحن إنما نتكلم على عاقبة الأمر ومستقره"(4/ 392) وهذا يكون وجهًا جديدًا يضاف على الوجوه السابقة، ويكاد يرجحها جميعًا، والله أعلم، وممن أطال في هذه المسألة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله عند شرحه للطحاوية (2/ 410 - 423)، وذكر أن الشيعة يقولون بتفضيل أئمتهم على الملائكة -وهذا أمر مشهور عنهم- وذكر أيضًا أن الشيخ تاج الدين الفزاري له مصنف في ذلك سماه "الإشارة في البشارة في تفضيل البشر على الملك" وقال إنه ذكر في آخرها أنها مسألة من بدع علم الكلام التي لم تكلم فيها الصدر الأول من الأمة، ولا من بعدهم من أعلم الأئمة، ولا يتوقف عليها أصل من أصول العقائد، ولا يتعلق بها من الأمور الدينية كثير من المقاصد، ولهذا خلا عنها طائفة من مصنفات هذا الشأن، وامتنع من الكلام فيها جماعة من الأعيان (2/ 413).
ويقول المصنف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: "وكنت أحسب أن القول فيها =
[شرًا](1) من البهائم، كان التفاضل [الذي](2) فيهم أعظم من تفاضل الملائكة، وأصل تفاضلهم إنما هو بمعرفة الله ومحبته، فعلم أن تفاضلهم في هذا لا يضبطه إلا الله تعالى، وكل ما يعلم من تفاضلهم في حب شيء من محبوباتهم، فتفاضلهم في حب الله أعظم.
وهكذا تفاضلهم في خوف ما يخافونه، وتفاضلهم في الخضوع والذل (3) لما يذلون له ويخضعون، وكذلك تفاضلهم فيما يعرفونه من المعروفات، ويصدقون به، ويقرون به، وإن كانوا يتفاضلون في معرفة الملائكة وصفاتهم، والتصديق بهم، فتفاضلهم في معرفة الله وصفاته والتصديق به أعظم.
وكذلك إن كانوا يتفاضلون في معرفة روح الإنسان وصفاتها، والتصديق بها، أو في معرفة الجن وصفاتهم، وفي التصديق بهم، أو في معرفة ما في الآخرة من النعيم والعذاب -كما أخبروا به من المأكولات والمشروبات والملبوسات والمنكوحات والمسكونات- فتفاضلهم في معرفة الله وصفاته والتصديق بذلك (4) أعظم من تفاضلهم في معرفة الروح التي هي النفس الناطقة، ومعرفة ما في الآخرة من النعيم والعذاب، بل إن كانوا متفاضلين في معرفة أبدانهم وصفاتها وصحتها ومرضها وما يتبع ذلك، فتفاضلهم في معرفة الله تبارك وتعالى أعظم وأعظم فإن كل ما يعلم ويقال يدخل في معرفة الله تعالى، إذ لا موجود إلا وهو خلقه، وكل ما في المخلوقات من الصفات والأسماء والأقدار والأفعال فإنها شواهد ودلائل على ما لله سبحانه وتعالى من الأسماء الحسنى والصفات العلى، إذ كل كمال في المخلوقات فمن أثر كماله، وكل كمال ثبت لمخلوق فالخالق
= محدث حتى رأيتها أثرية سلفية صحيحة، فانبعثت الهمة إلى تحقيق القول بها فقلنا حينئذٍ بما قاله السلف" ثم ذكر آثارًا عن بعض الصحابة والتابعين في المسألة، والله أعلم.
(1)
في نسخة الأصل: "تر"، والتصحيح من (م) و (ط).
(2)
في نسخة الأصل: "التي"، والتصحيح من (م) و (ط).
(3)
في (ط): "الذل والخضوع".
(4)
في (ط): "به".
أحق به، وكل نقص تنزه (1) عنه مخلوق فالخالق أحق بتنزيهه منه (2)، وهذا على طريق كل طائفة واصطلاحها، فهذا يقول كمال المعلول من كمال علته، وهذا يقول: كمال المصنوع المخلوق من كمال صانعه وخالقه (3).
وفي الحديث الذي رواه أحمد في المسند، ورواه ابن حبان في صحيحه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"ما أصاب عبدًا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه قرحًا، قالوا: يا رسول الله ألا نتعلمهن؟ قال: بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن"(4).
(1) في (م): "ينزه".
(2)
في (م) و (ط): "عنه".
(3)
هذه قاعدة عظيمة ذكرها المؤلف في التدمرية (50) بقوله: "والله سبحانه وتعالى لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه، فإن الله لا مثل له، بل له المثل الأعلى، فلا يجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال فالخالق أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق بالنقص فالخالق أولى بالتنزيه عنه، فإذا كان المخلوق منزهًا عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم فالحق أولى أن ينزه عن مماثلة المخلوق، وإن حصلت موافقة في الاسم". وبالطبع فإن مراد المصنف رحمه الله هو إثبات الكمالات التي تليق بالله عز وجل، وهي كل ما ثبت في القرآن والسنة، وأما ما عداها فلا تطلق إلا من باب الأخبار، لا من باب الصفات، مع التحرز الشديد.
(4)
رواه أحمد برقم (3712) وقال محققه الشيخ أحمد شاكر: "إسناده صحيح"، وابن حبان في صحيحه رقم (972) 3/ 253، وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط:"إسناده صحيح"، ورواه الحاكم في المستدرك (1/ 509)، وقال:"هذا حديث صحيح على شرط مسلم إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه، فإنه مختلف في سماعه عن أبيه"، وتعقبه الحافظ الذهبي بقوله:"وأبو سلمة لا يدرى من هو، ولا رواية له في الكتب الستة"، ورواه أبو يعلى في المسند برقم (5297) 9/ 198، والطبراني في المعجم الكبير برقم (10351) 10/ 169، وذكره الشيخ الألباني في سلسلته الصحيحة برقم (199)، وذكر الجاحظ ابن حجر أن ابن حبان =
فقد أخبر في هذا الحديث أن لله تعالى أسماء استأثر بها في علم الغيب عنده، وأسماء الله متضمنة لصفاته، [ليست](1) أسماء أعلام محضة، بل أسماؤه تعالى: كالعليم والقدير والسميع والبصير والرحيم والحكيم ونحو ذلك كل اسم يدل على معاني صفاته على ما لم يدل عليه الاسم الآخر (2)، مع اشتراكها كلها في الدلالة على ذاته سبحانه وتعالى (3).
وإذا كان من أسمائه ما اختص هو بمعرفته، ومن أسمائه ما خص به من شاء من عباده، علم أن تفاضل الناس في معرفته أعظم من تفاضلهم في معرفة كل ما يعرفونه.
= صححه ولم يتعقبه بشيء، ذكر ذلك مرة في الفتح، ومرة في تلخيص الحبير (4/ 172)، وأجاب الشيخ أحمد شاكر رضي الله عنه عن كلام الحافظ الذهبي بقوله: بأن أبا سلمة هذا هو موسى بن عبد الله أو ابن عبد الرحمن الجهني ويكنى أبا سلمة، فإنه من هذه الطبقة، ووافقه الشيخ الألباني في ذلك وقال:"وليس في الرواة من اسمه موسى الجهني إلا موسى بن عبد الله الجهني وهو الذي يكنى بأبي سلمة وهو ثقة من رجال مسلم، وكان الحاكم رحمه الله أشار إلى هذه الحقيقة حين قال في الحديث: صحيح على شرط مسلم"، وأما الإرسال فقد قال الشيخ الألباني يرحمه الله:"هو سالم منه، فقد ثبت سماعه منه بشهادة جماعة من الأئمة، منهم سفيان الثوري، وشريك القاضي، وابن معين، والبخاري، وأبو حاتم. . . " السلسلة الصحيحة (1/ 338)، وانظر التاريخ الكبير للبخاري (7/ 158)، تهذيب الكمال للمزي (23/ 379)، تهذيب التهذيب (8/ 288)، لسان الميزان (7/ 339).
(1)
في نسخة الأصل: بسبب، وهو خطأ، والتصحيح من (م) و (ط).
(2)
العبارة في (ط): كل اسم يدل على ما لم يدل عليه الاسم الآخر من صفاته.
(3)
قال المؤلف رحمه الله في "التدمرية"(18) في أثناء كلامه عن مذهب المعتزلة في أسماء الله وصفاته: "فأثبتوا له الأسماء دون ما تضمنته من الصفات، فمنهم من جعل الحليم والقدير والسميع والبصير كالأعلام المحضة المترادفات، ومنهم من قال: عليم بلا علم، قدير بلا قدرة، سميع بصير، بلا سمع ولا بصر، فأثبتوا الاسم دون ما تضمنه من الصفات"، وقال في موضع آخر (100):"والله سبحانه وتعالى أخبرنا أنه عليم قدير سميع بصير غفور رحيم، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته، فنحن نفهم معنى ذلك، ونميز بين العلم والقدرة، وبين الرحمة والسمع والبصر، ونعلم أن الأسماء كلها اتفقت في دلالتها على ذات الله، مع تنوع معانيها".
وبهذا يتبين (1) لك أن من زعم من أهل الكلام والنظر أنهم عرفوا الله تعالى حق معرفته، بحيث لم يبق له صفة إلا عرفوها، وأن ما لم يعرفوه ولم يقم لهم دليل على ثبوته كان معدومًا منتفيًا في نفس الأمر، قوم غالطون مخطئون متدعون ضالون، وحجتهم في ذلك داحضة، فإن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول عليه، وعدم العلم ليس علمًا بالعدم (2)، فليس (3) عدم العلم القطعي أو الظني على الشيء دليلًا على انتفائه، إلا أن يعلم أن ثبوته مستلزم لذلك الدليل، مثل أن يكون الشيء لو وجد لتوفرت الهمم والدواعي على نقله، فيكون هذا لازمًا لثبوته، فيستدل بانتفاء اللازم على انتفاء الملزوم، كما يعلم أنه لو كان بين الشام والحجاز مدينة عظيمة مثل بغداد ومصر لكان الناس ينقلون خبرها، فإذا نقل ذلك واحد واثنان وثلاثة علم كذبهم.
وكما يعلم أنه لو ادعى النبوة أحد على عهد (4) النبي صلى الله عليه وسلم مثل مسيلمة الكذاب (5)
(1) في (م): "تبين".
(2)
في (ط) سقط وهو قوله: "فإن عدم الدليل لا يستلزم عدم المدلول عليه، وعدم العلم ليس علمًا بالعدم".
(3)
في (ط): "فإن".
(4)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح في أثناء شرحه لحديث: "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابًا. . . " "فوقع مصداق ذلك في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فخرج مسيلمة باليمامة، والأسود العنسي باليمن، ثم خرج في خلافة أبي بكر طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة، وسجاح التميمية في بني تميم. . .، وقتل الأسود قبل أن يموت النبي صلى الله عليه وسلم، وقتل مسيلمة في خلافة أبي بكر، وتاب طلحة ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر، ونقل أن سجاح أيضًا ثابت، (6/ 617). فتبين أن الأسود ومسيلمة هما اللذان خرجا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأما طليحة وسجاح فخروجهما في أوائل خلافة الصديق، وعلى هذا يحمل كلام المؤلف على التغليب والتعميم، ولقرب خروج الأخيرين من وفاته صلى الله عليه وسلم.
(5)
هو مسيلمة بن ثمامة بن كبير بن حبيب المشهور بالكذاب، من بني حنيفة، وفي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنه أن مسيلمة قدم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: إن جعل محمد الأمر لي من بعده تبعه، وقدم المدينة في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم =
والعنسي (1) وطليحة (2) وسجاح (3) لنقل الناس خبره كما نقلوا أخبار
= قطعة جريد، حتى وقف على مسليمة في أصحابه، فقال: لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن نعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت، يقول ابن عباس، فأخبرني أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمي شأنهما، فأوحي إلي في المنام أن أنفخهما فنفختهما فطارا، فأولهما كذابين يخرجان بعدي، فكان أحدهما العنسي والآخر مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة.
وكان ذلك في أواخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فلما استخلف أبو بكر بعث إليه جيشًا كبيرًا بقيادة خالد بن الوليد، والتف حول مسيلمة أكثر من أربعين ألفًا، ودارت رحى معركة عنيفة -هي معركة اليمامة- انتهت بمقتل مسيلمة وهزيمة قومه، وقد استشهد من الصحابة في هذه المعركة أكثر من خمسمائة بل قيل سبعمائة، منهم ثمانية وستون من المهاجرين والأنصار رضوان الله عليهم أجمعين، وكان ذلك في سنة 11 هـ، وقيل سنة 12 هـ، وجمع الحافظان الذهبي وابن كثير بين ذلك، بأن ابتداء الوقعة كان في آخر سنة 11 هـ، وانتهائها كان في سنة 12 هـ، وكان مسيلمة لعنه الله يكثر من الأسجاع السخيفة يحاول مضاهاة القرآن، إلى غير ذلك مما دل على قلة عقله، وعقل من اتبعه، صحيح البخاري رقم (4378)، صحيح مسلم رقم (2273) 4/ 1780، سيرة ابن هشام (3/ 74)، تاريخ ابن جرير (2/ 275)، سير الخلفاء الراشدين من سير أعلام النبلاء للذهبي (47)، البداية والنهاية (6/ 328)، الفتح (8/ 90).
(1)
هو عبهلة بن كعب بن غوث، من بني عنس كان كاهنًا مشعوذًا يقال له: ذو الخمار لأنه كان يخمِّر وجهه، خرج في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وناصرته عامة مذحج، وكثير من أهل نجران، فاستولى عليها، ثم غلب على صنعاء، وقتل شهر بن باذام أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم في اليمن، وهزم الأبناء -وهم أبناء الفرس في اليمن الذين دخلوا في الإسلام- واستولى على غالب اليمن، وما زال شره في تعاظم حتى تمكن فيروز الديلمي من قتله سنة 11 هـ كما ثبت في الصحيح، وانتهت فتنته بمقتله. صحيح البخاري رقم (4379)، تاريخ الطبري (2/ 225، 2/ 247)، سير الخلفاء الراشدين من سير أعلام النبلاء للذهبي (28)، البداية والنهاية (6/ 310)، الفتح (8/ 93).
(2)
هو طليحة بن خويلد بن نوفل الأسدي، ارتد عن الإسلام بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى النبوة، واجتمعت عليه أسد غطفان، وكثير من الأعراب، والتقى بهم المسلمون بقيادة خالد بن الوليد فهزموهم شر هزيمة؛ وفرَّ طليحة إلى الشام، ثم عاد إلى الإسلام: وقيل: حسن إسلامه، وشهد القادسية ونهاوند مع المسلمين، ويقال إنه استشهد بنهاوند سنة 21 هـ. تاريخ ابن جرير (2/ 260)، سير الخلفاء الراشدين من سير أعلام النبلاء للذهبي (40)، البداية والنهاية (6/ 321)، الإصابة (2/ 234).
(3)
هي سجاح بنت الحارث بن سويد بن عقفان، ذكر ابن جرير وابن حجر أنها =
هؤلاء، ولو عارض القرآن معارض أي (1) بما يظن الناس أنه مثل القرآن لنقل كما نقل قرآن مسيلمة الكذاب (2)، وكما نقلوا الفصول
= تميمية، وذكر ابن كثير أنها تغلبية من نصارى العرب -والأشهر الأول- ادعت النبوة، والتف حولها خلق من الرعاع وسارت بجيش قاصدة اليمامة، ثم تصالحت مع مسيلمة الكذاب، وتزوجت به، وأقامت عنده أيامًا، ثم رجحت إلى قومها، وذكر أنها عادت بعد مقتل مسيلمة إلى الإسلام، وماتت في خلافة معاوية. تاريخ الطبري (2/ 268)، البداية والنهاية (6/ 324)، الإصابة (4/ 340).
(1)
في (م) و (ط): "أتى".
(2)
روى أحمد في المسند برقم (3837) والطبراني في الكبير برقم (8960) والحاكم في المستدرك (3/ 53)، أن رجلًا جاء إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -وكان واليًا على الكوفة- فقال: يا أبا عبد الرحمن إن هاهنا قومًا يقرؤون من قراءة مسيلمة، فقال عبد الله: أكتاب غير كتاب الله أو رسول غير رسول الله بعد فشو الإسلام! ! فرده، فجاء إليه بعد فقال: يا عبد الله والذي لا إله غيره إنهم في الدار ليقرؤون على قراءة مسيلمة، وإن معهم لمصحفًا فيه قراءة مسيلمة -وذلك في زمن عثمان- فأمر عبد الله قرظة -وكان صاحب خيل- فأحاط بهم، وقبض عليهم، وكانوا ثمانين رجلًا، فاستتابهم غير رئيسهم ابن النواحة أبى أن يتوب فضرب عنقه. وقال الحاكم بعد أن رواه: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده حسن، وإسناد الطبراني والحاكم غير إسناد أحمد، فعندهما الحديث من رواية القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود، ولكن عند الحاكم عنه عن أبيه عن جده، وعند الطبراني عنه قال:"جاء رجل إلى عبد الله. . . القصة"، ولكن سماعه ثابت من أبيه كما في التهذيب (8/ 292)، فلهذا صحح إسناده الحاكم والذهبي، وأما إسناد أحمد فهو عن أبي معيز السعدي وهو تابعي كما يقول الشيخ أحمد شاكر ولم يذكر بجرح، فهو على الستر ويكون حديثه حسنًا على الأقل.
وأقول: القصة ثابتة إن شاء الله وتتقوى بالطريقين.
ومما يقوي ذلك أيضًا ما رواه أبو داود في سننه برقم (2762) أن حارثة بن مضرب أتى عبد الله بن مسعود وقال له: إني مررت بمسجد لبني حنيفة، فإذا هم يؤمنون بمسيلمة، فأرسل إليهم عبد الله، فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لولا أنك رسول لضربت عنقك" فأنت اليوم لست برسول، فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق. وذكره الشيخ الألباني في صحيح أبي داود برقم (2400)، ورواه أحمد أيضًا برقم (3642) وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح.
وروى عبد الرزاق في مصنفه برقم (18708) والطبراني في الكبير برقم (8965) =
والغايات (1)
= عن قيس بن أبي حازم قال: جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: إني مررت بمسجد من مساجد بني حنيفة فسمعتهم يقرؤون شيئًا لم ينزله الله: الطاحنات طحنًا، العاجنات عجنًا، الخابزات خبزًا، اللاقمات لقمًا. . . وذكر قصة ابن النواحة. وهذا بعض ما كان يهذر به مسيلمة الكذاب، ويقرؤه الذين في قلوبهم زيغ، وهذا الذي ذكره المؤلف من تناقل بعض قرآن مسيلمة الكذاب، ومن سجع مسيلمة الذي هو خرص وتخمين ووحي شياطين ما ذكره المؤرخون كقوله: يا ضفدع بنت الضفدعين نقي كم تنقين، لا الماء تكدرين، ولا الشارب تمنعين، رأسك في الماء وذنبك في الطين، وقوله: والمبذرات زرعًا، والحاصدات حصدًا، والذاريات قمحًا، والطاحنات طحنًا، والخابزات خبزًا؛ والثاردات ثردًا، واللاقمات لقمًا، إهالة وسمنًا، لقد فضلتم على أهل الوبر، وما سبقكم أهل المدر، رفيقكم فامنعوه، والمعتر فآووه، والناعي فواسوه، وقوله: والليل الدامس، والذئب الهامس، ما قطعت أسد من رطب ولا يابس، إلى آخر هذا السقط من الكلام الذي يأنف من قوله الصبيان وهم يلعبون كما يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى. تاريخ ابن جرير (2/ 234)، البداية والنهاية (6/ 331).
(1)
هذا أحد كتب أبي العلاء المعري -الآتية ترجمته- يقول ابن الجوزي: "وقد رأيت لأبي العلاء المعري كتابًا سماه الفصول والغايات في معارضة السور والآيات على حروف المعجم في آخر كلماته، وهو غاية الركاكة والبرودة، فسبحان من أعمى بصره وبصيرته"، وذكر الذهبي أن اسم الكاب نقلًا عن الباخرزي: الفصول والغايات في محاذاة السور والآيات، ولكن محقق الجزء الذي عثر عليه من كتاب الفصول والغايات -وهو محمود حسن زناتي- أسماء: الفصول والغايات في تمجيد الله والمواعظ، ولا أدري على أي شيء قد اعتمد هذه التسمية، خصوصًا أنه صرح أن النسخة التي أخرج الكتاب عيها مخرومة من أولها، وهل تسمية الكتاب من عند نفسه، أم من بعض النساخ، أم من المعري نفسه، الواقع أنه لم يبين لنا شيئًا يذكر في هذا المقام، مع أن هذا الأمر قد تكلم فيه جل من كتب عن المعري، وهذا الكتاب كما وقع الاختلاف حول المعري بين مادح وقادح، وبين ممجد غال ورام له بالزندقة والإلحاد، فقد وقع الاختلاف في هذا الكتاب، وهل أراد به حقًا محاكاة القرآن الكريم أو معارضته؟ أم أنه ليس كذلك وإنما هو عمل أدبي مجرد لا هدف من ورائه، وأراد مؤلفه أن يتخذ من صعب اللغة وغريبها طريقًا لبث فلسفته ونظرته للعالم من حوله؟ وصنيع المؤلف شيخ الإسلام رحمه الله تعالى يشير إلى الاحتمال الأول، وهو الاحتمال المشهور عند كثير من الفقهاء والعلماء والمؤرخين، وهو أن المعري أراد بمؤلفه أن يحاكي كتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم =
لأبي العلاء المعري (1)
= حميد، وذكر الذهبي بإسناده عن السِّلفي أن المعري سئل عن كتابه الفصول والغايات، فقيل له: أين هذا من القرآن؟ فقال: لم تصقله المحاريب أربع مئة سنة! ! ! ، أما محقق الكتاب فينفي هذه التهمة بشدة ويقول:"وأحسب أن من ذكر ذلك لم ير الكتاب. . . أما القول بأنه قصد به مجاراه القرآن الكريم أو معارضته فذلك من قول حساده" وقول المحقق هذا يرده اطلاع ابن الجوزي وغيره من العلماء على هذا الكتاب، وكذلك صنع قبله عبد العزيز الميمني في كتابه "أبو العلاء وما إليه" حيث نفى هذه التهمة (273).
قلت: والمطالع للفصول والغايات (أعني المطبوع منه) يجد غالبه محشوًا بغريب اللغة ووحشها، وألفاظًا ناشزة، وأسجاعًا منمقة كأسجاعٍ مسيلمة حذو القذة بالقذة، ولا يبعد أن صاحبه قصد ما رماه به من ذكرنا سابقًا، والله أعلم بالسرائر والأحوال. المنتظم (8/ 185)، سير أعلام النبلاء (18/ 31) الفصول والغايات تحقيق محمود محمد زناتي، أبو العلاء وما إليه لعبد العزيز الميمني.
(1)
هو أحمد بن عبد الله بن سليمان الأعمى المعري القضاعي التنوخي الشاعر اللغوي صاحب الدواوين والمصنفات في الشعر واللغة، المتهم في نحلته كما يقول الذهبي، والمشهور بالزندقة كما يقول ابن كثير، ولد في المعرة سنة 363 هـ، وذهب بصره وهو صغير بسبب جدري أصابه، كان إليه المنتهى في حفظ اللغات، وكان نباتيًا لا يأكل اللحم ولا شيئًا نتج من الحيوان، وكان ذكيًا ولم يكن زكيًا، ومصنفاته أكثرها في الشعر، وفي بعضها ما يدل على زندقته، وانحلاله من الدين، وقد نقل عنه ابن الجوزي أشعارًا كثيرة تدل كل قطعة منها على كفره وزندقته وإلحاده كما يقول الحافظ ابن كثير، وذكر أنه أوصى أن يكتب على قبره:
هذا جناه أبي عليَّ. . . وما جنيت على أحد
قال ابن خلكان: هذا أيضًا باعتقاد الحكماء، فإنهم يقولون: اتخاذ الولد وإخراجه إلى هذا الوجود جناية عليه، لأنه يتعرض للحوادث والآفات، وقال الحافظ ابن كثير: وهذا يدل على أنه لم يتغير عن اعتقاده، مع أنه قال: إن بعضهم ذكر أنه أقلع وتاب منه وأنشأ قصيدة يعتذر فيها من ذلك كله، ويقول الحافظ الذهبي في العبر: لعله مات على الإسلام وتاب من كفرياته وزال عنه الشك، والناس في أبي العلاء مختلفون، منهم من يكفِّره ويصمه بالإلحاد والزندقة لما نضحت به بعض كتبه من أشعار تضاد دين الإسلام، ومنهم من يبرئه ويتأول ما يصدر عنه وينافح من أجله، وأن ما كان يصدر منه هو مجون وأنه مسلم في باطنه، وقد أجاد أبو الوفا ابن عقيل -كما نقله عنه ابن كثير- لما بلغه بعض ما كان يتهم به المعري بقوله: "وما الذي ألجأه أن يقول في دار الإسلام ما يكفره به الناس؟ والمنافقون مع قلة عقلهم وعلمهم أجود سياسة منه، لأنهم حافظوا على قبائحهم في الدنيا =
وكما نقلوا غير ذلك من أقوال المعارضين له (1) بخرافات لا يظن عاقل أنها مثله، فكان النقل لما يظهر (2) فيه المشابهة والمماثلة أقوى في العادة والطباع في ذلك (3) أرغب سواء كانوا محبين أو مبغضين، هذا أمر جبل عليه [بنو](4) آدم كما يعلم أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لو طلب الخلافة على عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله عليهم وقاتل عليها لنقل ذلك الناس كما نقلوا ما جرى بعد هؤلاء.
= وستروها، وهذا أظهر الكفر الذي تسلط عليه الناس وزندقوه، والله يعلم أن ظاهره كباطنه".
وقد خرج الدكتور طه حسين وهو الذي ما فتئ يفخر بأبي العلاء ويراه قدوة له -وشاركه غيره في بعض هذه الملاحظات- من دراسته للمعري بأنه كان لا يرى لغير العقل سلطانًا، وأنه كان يقول بقدم العالم، وأنه ينكر النبوات، والبعث والمعاد، ولفت إلى ملاحظة مهمة لعلها تزيل بعض الغموض الذي كان يكتنف شخصية المعري، إلى أنه كان يأخذ بالتقية، ويقول في ذلك:
أهوى الحياة وحسبي من معايبها. . . أني أعيش بتمويه وتدليس
فاكتم حديثك لا يشعر به أحد. . . من رهط جبريل أو من رهط إبليس
ويقول طه حسين معلقًا على ذلك: "فهذه الأبيات كلها (على كثرة أمثالها في اللزوميات) تدل على شدة إحتياطه في إظهار آرائه، والظفر بهذه النصوص ظفر يحل المغلق من فلسفة أبي العلاء فإن الرجل لا يحتاط ولا يصطنع المجاز إلا إذا قال شيئًا لم يألفه الناس. . . "(262).
ومن مؤلفات المعري: لزوم ما لا يلزم، سقط الزند، الأيك والغصون، ورسالة الغفران -وهي من أردأ تواليفه كما قال الذهبي- ومختلف الفصول، وشرح ديوان المتنبي، والفصول والغايات الذي ذكره المؤلف، وغيرها من المؤلفات الكثيرة، التي شرها أكبر من نفعها.
تاريخ بغداد (4/ 240)، المنتظم (8/ 184)، الكامل في التاريخ (9/ 636)، معجم الأدباء لياقوت (3/ 107) وأطال ترجمته جدًا، وفيات الاعيان (1/ 113)، العبر (3/ 220)، ميزان الاعتدال (1/ 112)، سير أعلام النبلاء (18/ 23)، الوافي بالوفيات (7/ 94)، البداية والنهاية (12/ 77)، شذرات الذهب (5/ 209)، تجديد ذكرى أبي العلاء لطه حسين، وأبو العلاء وما إليه لعبد العزيز الميمني -الذي أجهد نفسه كثيرًا في محاولة تبرئة المعري، أبو العلاء المعري للدكتور زكي المحاسني.
(1)
في (ط): "لو".
(2)
في (ط): "تظهر".
(3)
في (ط): "وأرغب".
(4)
في نسخة الأصل: "بني"، وهو خطأ، والتصحيح من (م) و (ط).
و (1) كما يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمره أن يصلي بالناس صلاتهم لنقلوا ذلك، كما نقلوا أمره أبي بكر رضي الله عنه وصلاته بالناس (2)، وكما يعلم أنه لو عهد له بالخلافة لنقلوا ذلك كما نقلوا ما هو (3) دونه.
بل كما يعلم أن لم يكن يجتمع هو وأصحابه على استماع دف أو كف ولا على رقص وزفن (4).
بل كما أنه لم يكن بعد الصلوات يجتمع هو وهم على دعاء ورفع [أيد](5) ونحو ذلك، إذ لو فعل ذلك لنقلوه، بل كما يعلم أنه لم يصل في السفر الظهر والعصر والعشاء أربعًا، وأنه لو صلى في السفر أربعًا بعض الأوقات لنقل الناس ذلك، كما نقلوا جمعه بين الصلاتين بعض الأوقات.
بل كما يعلم أنه لم يكن يصلي المكتوبات وحده، بل إنما كان يصليهن في الجماعة، بل كما يعلم أنه لم يكن هو وأصحابه يحملون التراب في السفر للتيمم، ولا يصلون كل ليلة على من يموت من المسلمين، ولا ينوون الاعتكاف كلما دخلوا مسجدًا للصلاة، بل كما يعلم أنه لم يصل على غائب غير النجاشي (6)، بل كما يعلم أنه لو كان دائمًا
(1) الواو ليست في (م) و (ط).
(2)
ثبت في الصحيح واستفاض -وهو أمر متواتر- أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس في مرض وفاته -بأبي وأمي هو صلى الله عليه وسلم روى ذلك البخاري برقم (664) كتاب الأذان باب حد المريض أن يشهد الجماعة، ومسلم برقم (418) 1/ 311 كتاب الصلاة باب استخلاف الإمام إذا عرض له عذر من مرض وسفر وغيرهما من يصلي بالناس، والنسائي برقم (833) كتاب الإمامة، والترمذي برقم (3672) كتاب المناقب، وابن ماجه برقم (1233) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد برقم (23541).
(3)
كلمة "هو" ليست في (ط).
(4)
في (ط): "زمر". والزفن هو الرقص. الصحاح (5/ 2131)، القاموس المحيط (1553).
(5)
في نسخة الأصل: "وأيدي"، وهو خطأ، والتصحيح من (م) و (ط).
(6)
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بموت النجاشي، وصلاته بأصحابه عليه صلاة الغائب رواها البخاري في صحيحه برقم (1245) كتاب الجنائز، باب الرجل ينعى إلى أهل بيته بنفسه، ومسلم برقم (951) كتاب الجنائز باب في التكبير على الجنائز، والنسائي برقم (1879) كتاب الجنائز، والترمذي برقم (1022) كتاب الجنائز، وأبو داود برقم (3204) كتاب الجنائز، وابن ماجه برقم (1534) كتاب ما ذكر في الجنائز، وأحمد =
يقنت في الفجر و (1) غيرها بقنوت مسنون يجهر به لنقل الناس ذلك، كما نقلوا قنوته العارض الذي دعا فيه لقوم وعلى قوم (2)، وكان نقلهم لذلك أوكد، وكما يعلم أنه لما صلى بالناس بعرفة ومزدلفة قصرًا وجمعًا و (3) لو أمر أحدًا خلفه أن يتم صلاته، أو أن لا يجمع معه لنقل الناس ذلك، كما نقلوا ما دون ذلك، وكما يعلم أنه لم يأمر الحيّض في زمانه المبتدآت بالحيض أن يغتسلن عند انقضاء يوم وليلة، وأنه لم يأمر أصحابه أن يغسلوا ما يصيب أبدانهم وثيابهم من المني، وأنه لم يوقت للناس لفظًا معينًا لا في نكاح ولا (4) بيع ولا إجارة ولا غير ذلك، ولما حج حجة الوداع لم يعتمر عقيب الحج، وأنه لما أفاض من منى إلى مكة يوم النحر
= برقم (7107)، والمؤلف يرمي من كلامه ذلك الرد على الشافعية والمشهور عند الحنابلة حيت يرون جواز الصلاة على الميت الغائب الذي صلي عيه في بلده، خلافًا للحنفية والمالكية الذين لا يرون مشروعية الصلاة على الغائب، ويقولون: إن صلاته صلى الله عليه وسلم على النجاشي خاص به، المجموع (5/ 252)، الروض المربع (142)، والمؤلف رحمه الله يرى التفصيل في ذلك، فإن كان الميت لم يصل عليه كالنجاشي صلي عليه، وإن كان صلي عليه في بلده فلا يصلى عليه، كما نقله عنه تلميذه الحافظ ابن القيم ونصره في زاد المعاد (1/ 520).
(1)
في (م) و (ط): "أو".
(2)
ثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم مكث شهرًا يدعو على قبائل رعل وذكوان وغيرهما التي عدت على القراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم لتعليم الناس في بعض الجهات، وغدرت بهم وقتلوهم، روى ذلك البخاري في صحيحه برقم (4090) كتاب المغازي باب غزوة الرجيع ورعل وذكوان، ومسلم برقم (677) 1/ 468 كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب القنوت في جميع الصلاة إذا نزلت بالمسلمين نازلة، والنسائي برقم (1077) كتاب التطبيق، وأبو داود برقم (1443) كتاب، وأحمد برقم (2741)، وثبت في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم دعا للمستضعفين وبعض الصحابة بمكة، للوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش بن أبي ربيعة، ودعا على مضر بسبع سنين كسني يوسف، رواه البخاري برقم (6393) كتاب الدعوات باب تكرير الدعاء، ومسلم برقم (675) 1/ 466 كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب استحباب القنوت في جميع الصلاة. .، والنسائي برقم (1070) كتاب التطبيق، وأبو داود برقم (1442) كتاب الصلاة، وأحمد برقم (7415).
(3)
الواو ليست في (م) و (ط).
(4)
في (ط): "في بيع".