الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحم جمل غث (1) على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل، فإن كلامهم في "واجب الوجود" ما بين حق قليل، وباطل فاسد كثير.
[معنى الملائكة عند الفلاسفة]
وكذلك كلامهم (2) في "العقول" و"النفوس"(3) التي تزعم أتباعهم من أهل الملل أنها الملائكة التي أخبرت بها الرسل (4)، وليس الأمر كذلك، بل زعمهم أن هؤلاء هم الملائكة من جنس زعمهم أن "واجب الوجود" هو الوجود المطلق بشرط الإطلاق، مع اعترافهم بأن المطلق بشرط الإطلاق لا يكون إلا في الأذهان (5).
وكذلك كلامهم في "العقول" و "النفوس" يعود على (6) التحقيق إلى أمور مقدرة في الأذهان، لا حقيقة لها في الأعيان، ثم فيه من الشرك بالله، وإثبات رب مبدع لجميع العالم سواه -لكنه معلول له- وإثبات رب مبدع لكل ما تحت فلك القمر هو معلول لرب (7) فوقه، و (8) ذلك الرب معلول لرب فوقه ما هو أقبح من كلام النصارى في قولهم: إن المسيح ابن (9) الله
(1) الغث هو: المهزول، القاموس المحيط (221)، وقال في الصحاح:"غثت الشاة هزلت فهي غثة، وغث اللحم. . فهو غث وعثيت إذا كان مهزولًا"(1/ 228).
(2)
كلمة "كلامهم" ليست في (م) و (ط).
(3)
العقول والنفوس: من مصطلحات الفلاسفة الفاسدة، حيث يقسمون الموجودات إلى ما هي في محال كالأعراض والصور، وإلى ما ليست في محال، وهذه قسمان: إلى ما هي في محال لغيرها كالأجسام، وإلى ما ليست بمحال كالموجودات التي هي جواهر قائمة بنفسها، وهي تنقسم بدورها إلى ما يؤثر في الأجسام وتسمى نفوسًا، وإلى ما لا يؤثر في الأجسام بل في النفوس، وتسمى عقولًا مجردة. انظر: تهافت الفلاسفة للغزالي (144).
(4)
يقول الغزالي في "تهافت الفلاسفة"(292): "وقد زعموا (أي الفلاسفة) أن الملائكة السماوية هي نفوس السماوات، وأن الملائكة الكروبيين المقربين هي العقول المجردة".
(5)
انظر: مقاصد الفلاسفة للغزالي (174)، الملل والنحل (2/ 410).
(6)
في (م) و (ط): "عند".
(7)
في (ط): "الرب".
(8)
الواو ليست في (ط).
(9)
في (ط): "بن الله".
بكثير كثير، كما بسط في غير هذا الموضع (1).
وليس لمقدميهم كلام في "النبوات" البتة، ومتأخروهم حائرون فيها، فمنهم من يكذب بها، كما فعل ابن زكريا الرازي (2) وأمثاله مع قولهم
(1) هذه النظرية التي حكاها المصنف رحمه الله تعالى هي نظرية الفيض أو الصدور أو التولد أو الإبداع التي يقول بها ملاحدة المتفلسفة سواء منهم المتقدمون كأفلاطون وأرسطو أو المتأخرون، كالفارابي وابن سينا، وكذلك الإسماعيلية وإخوان الصفا، على اختلاف بينهم في تقريرها وإظهارها، وإن كانت النتيجة واحدة، وهي أن الله لم يخلق الخلق وليس له أسماء وصفات كما جاءت بذلك الشرائع السماوية، وأخبرت به الأنبياء، وقد يقولون: إن الله صانع العالم، وإن العالم صنعه، ومرادهم بذلك أنه صادر عنه، وفائض منه، كالمعلول من العلة، وهذا نفي لخلق الله العالم حقيقة -كما يقول الغزالي- وإنما صنعوا ذلك تلبيًا على المسلمين. تهافت الفلاسفة (134 - 138).
ويقول شيخ الإسلام في موضع آخر من مجموع الفتاوى (3/ 205) عن مذهب بعض هؤلاء الفلاسفة: "إن الحاكم مفعول ومصنوع لشيء يسميه العقل الأول، فجعله هو رب الكائنات" ومبدع الأرض والسماوات، ولكنه لازم للواجب بنفسه ومعلول له، وأنه يلزمه عقل ونفس وفلك، ثم يلزم ذلك العقل عقل ونفس وفلك، حتى ينتهي الأمر إلى العقل العاشر الذي أبدع بزعمه جميع ما تحت السماء. . . وهو الذي يفيض عنه العلم والنبوة والحكمة" ومعنى ذلك كما ذكر شيخ الإسلام في موضع آخر: أنهم يجعلون لله أندادًا، بل يتخذونها آلهة وأربابًا من دون الله عز وجل، ويجعلون هذه العقول هي المبدعة لما سواها. المصدر نفسه (4/ 134)، ولمزيد من الاطلاع انظر: درء التعارض (7/ 368)، (8/ 267)، (9/ 339).
(2)
هو أبو بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب الفيلسوف، من أئمة الأطباء، وكبار المصنفين في الطب، وذكر المصنف رحمه الله تعالى أنه مع إلحاده في الإلهيات والنبوات ونصرته القول بالقدماء الخمسة من أعلم الناس بالطب، حتى قيل له: جالينوس الإسلام"، له مؤلفات أعظمها كتابه في الطب "الحاوي"، ولد ونشأ في الري، واشتغل في صباه بالغناء والموسيقى، ثم أقبل على الطب والفلسفة، قال عنه الحافظ الذهبي: "بلغ الغاية في علوم الأوائل نسأل الله العافية" له من المصنفات غير ما ذكرنا "الطب الروحاني" و"إن للعبد خالقًا" و "المدخل إلى المنطق" و"هيئة العالم"، وقد تولى رئاسة الأطباء في البيمارستان (المستشفى) المقتدري ببغداد، ومات فيها سنة 311 هـ، وقيل سنة 313 هـ، منهاج السنة النبوية (2/ 572)، سير أعلام النبلاء (14/ 354)، العبر (2/ 150)، عيون الأنباء في طبقات الأطباء (415)، الوافي بالوفيات (3/ 75).
بحدوث العالم، لكن (1) أثبتوا القدماء [الخمسة](2)(3)، وأخذوا من المذاهب ما هو شرها وأفسدها، ومتهم من يصدق بها مع قوله بقدم العالم، كابن سينا (4) وأمثاله، لكنهم يجعلون النبي بمنزلة ملك عادل،
(1) كلمة "لكن" ليست في (ط).
(2)
في نسخة الأصل: الجهمية، وهو خطأ، والتصحيح من (م) و (ط).
(3)
القدماء الخمسة كما ذكرها المصنف في موضع آخر هي: الرب، والنفس، والمادة، والدهر، والفضاء، وذكر رحمه الله تعالى أن هذا القول هو قول ديمقراطيس والحرانيين، مجموع الفتاوى (6/ 308)، منهاج السنة النبوية (2/ 572)، وذكرها رحمه الله في موضع آخر بقوله: الواجب بنفسه، والمادة، والمدة، والنفس، والهيولي، منهاج السنة النبوة (1/ 209)، ونلحظ أنه لا فرق بين الموضعين إلا في أمر واحد، حيث ذكر في الموضع الأول الفضاء، وذكر في الموضع الثاني الهيولي، وأما الرازي نفسه فالقدماء الخمسة عنده هي: الباري والنفى والهيولي والمكان والزمان، هو قريب مما ذكره شيخ الإسلام، رسائل فلسفية (191) لأبي بكر الرازي.
أما تكذيب الرازي الطبيب بالنبوات كما ذكر المصنف فهو أمر قد ذكر عنه، وإن حاول بعض المعاصرين أن ينفي تلك التهمة، ويرمي شيخ الإسلام بعدم التثبت، كما صنع الدكتور عبد اللطيف محمد العبد في كتابه "دراسات في الفلسفة الإسلامية"(291) ولم يكن صنيع المصنف بدعًا من القول، بل سبقه إلى ذلك ابن حزم في الفصل حيث ذكر أنه رد عليه في مصنف مفرد (1/ 10).
(4)
وأبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا البلخي، الملقب بالشيخ الرئيس، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق، كان أبوه من دعاة الإسماعيلية، أما هو فقد كان رأس الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام، له من المصنفات أكثر من مئة، منها:"القانون" في الطب، و "الشفاء" في الحكمة، و"أسرار الحكمة المشرقية، و"الإشارات" "عنقاء مغرب" وغيرها، وقد عده المصنف رحمه الله تعالى في مواضع كثيرة من ملاحدة الفلاسفة، وكفره الغزالي مع الفلاسفة القائلين بقدم العالم، وعدم علم الله بالجزئيات، وإنكارهم للمعاد الجثماني.
قلت: وقد أولع به الغرب، وبالغوا في إطرائه -كما أطروا الفارابي وابن زكريا الرازي الطبيب والكندي وابن رشد وغيرهم ممن رمي في دينه واتهم في عقيدته- وكان إطراء الغرب لتراث هؤلاء جملة وتفصيلًا، سواء كان في الطب والعلوم أو في الفلسفة والضلالات؛ وكأنهم يريدون أن يوصلوا رسالة للمسلمين بطريق غير مباشر، بأن التقدم في العلوم التجريبية مرهون بالفلسفة التي غرق فيها هؤلاء المنتسبون إلى الإسلام، أو بمعنى آخر بتنحية الدين جانبًا، والخروج عن تعاليمه ومبادئه، فإن المستشرقين من الغربيين، وتلامذتهم من بني جلدتنا لم يسلطوا =