الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البيوع ما بين الحالي من العاطل (1)، وأوضح الحق من الباطل، وليس هذا مما يستغني عنه العوام، بل هو مما لا يسعهم جهله، ولا يعذر التجار في التساهل في حفظه" (2).
وانظر إلى قوله رحمه الله: وليس هذا مما يستغني عنه العوام، بل هو مما لا يسعهم جهله، ولا يعذر التجار في التساهل في حفظه.
وهل انتشر الربا والمعاملات الربوية، وفشا الغش والخداع، وظهرت المعاملات الفاسدة والبيوع الفاسدة بين الناس، وضج الأخيار، واشتكى الصالحون إلا يوم فرط المسلمون في معرفة أبواب الحلال والحرام، وصارت عند كثير منهم -على أحسن حال- نافلة وفضلة، وظن العوام الذين يتعاملون بالبيع والشراء وسائر المعاملات أنهم مستغنون عنها، وحسب التجار أنهم معذورون يوم تساهلوا في حفظها.
إزالة الضرر من الإحسان الواجب:
وهذه من القواعد الفقهية الهامة التي تعد من مفاخر الفقه في الإسلام، والمصنف أشار إلى هذه القاعدة، واستدل لها بقصة صاحب الشجرة التي كانت في أرض غيره، وكان صاحب الأرض يتضرر بدخول صاحب الشجرة، والقصة في ذلك معروفة (3).
إطعام الطعام من الإحسان:
وذكر رحمه الله إن إطعام الطعام للمحتاج إليه فرض كفاية باتفاق أئمة المسلمين، واستدل على ذلك بما يلي:
1 -
قوله تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا (9)} [الإنسان: 8، 9].
(1) الحالي: اسم فاعل من الحلي، قال صاحب القاموس المحيط (1647):"الحلي بالفتح: ما يزين به من مصوغ المعدنيات أو الحجارة، جمعه حلي".
والعاطل قال في القاموس (1335): "عطلت المرأة. . . وتعطلت: إذا لم يكن عليها حلي، فهي عاطل وعطل".
(2)
شرح حديث جبريل (640).
(3)
المصدر السابق (614).
2 -
وفي البخاري أنه قال صلى الله عليه وسلم: "عودوا المريض، وأطعموا الجائع، وفكوا المعاني".
3 -
وفي المسند: "أيما رجل مات في قوم جوعًا، فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله".
ويعقب على ذلك رحمه الله بقوله: "ولو مات فيهم رجلًا جوعًا لزمتهم ديته، وكذلك كسوة العرايا فرض كفاية، وهذا الفرض على من له فضل من ماله، ومتى رأى محتاجًا وغلب على ظنه أن غيره لا يقوم بحاجته، تعين عليه أن يطعمه. . "(1).
فإطعام الطعام وكسوة العرايا وإغاثة الملهوف كلها من فروض الكفاية -كما ذكر المصنف- والأمر ليس بالخيار، فإذا كان هناك محتاج إلى شيء من ذلك، وجب على من علم بحاجته من الناس، وكان لديه فضل من مال أو طعام أو لباس أن يساعده، واستدل رحمه الله بما وقع للصحابة من فاقة وحاجة شديدتين، وأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدقوا بفضول أموالهم، حتى ظنوا رضوان الله عليهم أنه لا حق لأحد في شيء من فضل ماله.
وهذا هو الصحيح، وإلا فما معنى أن يوجد المحتاجون، وأن يجوع الفقراء، وأن يتعرى المنكوبون، والمجتمع متخم بالأغنياء والأثرياء، ومن لهم فضول كثيرة في الطعام والشراب والدواء والكساء، وهل لو تحقق هذا المعنى، أو شيء منه على الأقل، هل كنا سنرى هذه المجاعات الأليمة التي تفتك بكثير من المسلمين في كثير من بقاع العالم؟ وهل كان كثير من هؤلاء المساكين سيقعون ضحية لحملات التنصير ومنظماته التي لا ترقب فيهم إلَّا ولا ذمة؟ ! ! ! .
وتأمل قول المصنف رحمه الله: "ومتى رأى محتاجًا، وغلب على ظنه أن غيره لا يقوم بحاجته، تعين عليه أن يطعمه. . ".
وكم من المسلمين الأغنياء الذين يرون إخوانهم -ليسوا محتاجين
(1) المصدر السابق (616).