الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا عدم لم يدل عدمه على العدم، وهذا حقيقة قولك، وهو أيضًا خطأ عقلًا، كما هو خطأ شرعًا، وذلك أن هذا ليس بدليل قاطع، إذ هذا يظهر من المنافق [فإنه يبقى](1) دليلًا في بعض الأمور المتعلقة بدار الدنيا، كدلالة اللفظ على المعنى، وهذا حقيقة قولك.
فيقال لك: فلا يكون ما يظهر من الأعمال لا (2) ثمرة للإيمان الباطن، ولا موجبًا له، ولا (3) من مقتضاه، وذلك أن المقتضي لهذا الظاهر إن كان هو نفس الإيمان الباطن لم يتوقف وجوده على غيره، فإن ما كان [معلولًا](4) للشيء وموجبًا له لا يتوقف على غيره، بل يلزم من وجوده وجوده، فلو كان الظاهر موجب الإيمان الباطن لوجب أن لا يتوقف على غيره، بل إذا وجد الموجَب وجد الموجِب.
[مجرد التكلم بالشهادتين ليس مستلزمًا للإيمان النافع عند الله]
وأما إذا وجد معه تارة، وعدم أخرى، أمكن أن يكون من موجب ذلك الغير، وأمكن أن يكون موقوفًا عليهما جميعًا، فإن ذلك الغير إما مستقل بالإيمان، أو مشارك للإيمان، وأحسن أحواله أن يكون الظاهر موقوفًا عليهما معًا: على ذلك الغير، وعلى الإيمان، بل قد علم أنه يوجد بدون الإيمان، كما في أعمال المنافق، فحينئذٍ لا يكون العمل الظاهر مستلزمًا للإيمان، ولا لازمًا له، بل يوجد معه تارة، ومع نقيضه تارة، ولا يكون الإيمان علة له، ولا موجبًا، ولا مقتضًا، فيبطل حينئذٍ أن يكون دليلًا عليه، لأن الدليل لا بد أن يستلزم المدلول، وهذا هو الحق فإن مجرد التكلم بالشهادتين ليس مستلزمًا للإيمان النافع عند الله. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لسعد لما قال له: هو مؤمن، قال: أو مسلم! (5).
وقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ
(1) في نسخة الأصل: "فإنما ينبغي"، وأثبتنا ما في (ط) لأنه أقرب إلى الصواب.
(2)
كلمة "لا" ليست في (ط).
(3)
كلمة "لا" ليست في (م) و (ط).
(4)
في نسخة الأصل و (م): معلومًا، وأثبتنا ما في (ط) لأنه الصواب.
(5)
تقدم تخريج هذا الحديث، وهو في الصحيحين.
اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10] فدل ذلك على أن مجرد إظهار الإسلام لا يكون دليلًا على الإيمان في الباطن، إذ لو كان كذلك لم تحتج المهاجرات اللاتي جئن مسلمات إلى الامتحان، ودل ذلك على أنه بالامتحان والاختبار يتبين باطن الإنسان، فيعلم أهو مؤمن أم ليس بمؤمن.
كما في الحديث المرفوع: "إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان".
فإن الله يقول: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} [التوبة: 18](1).
فإن قيل (2): الأعمال الظاهرة تكون من موجب الإيمان تارة، ومن موجب غيره أخرى، كالتكلم بالشهادين: تارة يكون من موجب إيمان القلب، وتارة يكون للتقية (3) كإيمان المنافقين.
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ
(1) رواه الترمذي برقم (3093) كتاب الإيمان، وقال: حديث حسن غريب، وابن ماجه برقم (802) كتاب المساجد والجماعات، والدارمي برقم (1233) كتاب الصلاة، وأحمد برقم (11669)، وابن خزيمة في صحيحه برقم (1502) 1/ 332 وقال محققه د. محمد الأعظمي: إسناده صحيح، وابن حبان في صحيحه برقم (1721) وقال محققه الشيخ شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف، والحاكم في المستدرك (1/ 212)، وتعقبه الذهبي بقوله: دراج صاحب مناكير، وذكره الشيخ الألباني في كتابه "ضعيف سنن الترمذي" برقم (490)، وفي ضعيف ابن ماجه برقم (802)، والحديث علته درَّاج أبو السمح ضعفه الأئمة، وعدوه من أصحاب المناكير، وخالف ابن معين فوثقه، وأما أبو داود فقال: إن حديثه عن غير أبي الهيثم مستقيم، والحديث هنا من روايته عن أبي الهيثم، الجرح والتعديل (3/ 441)، الكامل في الضعفاء لابن عدي (3/ 112)، الضعفاء للعقيلي (2/ 43)، تهذيب الكمال (8/ 477)، تهذيب التهذيب (3/ 180)، تحرير تقريب التهذيب (1/ 380).
(2)
في (ط): "فإذا".
(3)
في (م): "للبقية"، وهو خطأ، وفي (ط):"تقية".
بِمُؤْمِنِينَ} [البقرة: 8]، ونحن إذا قلنا هو (1) من ثمرة الإيمان إذا كانت صادرة عن إيمان القلب لا عن نفاق، قيل: فإذا كانت صادرة عن إيمان، إما أن يكون نفس الإيمان موجبًا لها، واما أن يقف (2) على أمر آخر، فإن (3) كان نفس [الإيمان](4) موجبًا لها ثبت أنها لازمة لإيمان القلب معلولة له (5) لا تنفك عنه، وهذا المطلوب، وإن توقفت (6) على أمر آخر كان الإيمان جزءًا لسبب (7) جعلها ثمرة للجزء الآخر ومعلولة له، إذ حقيقة الأمر أنها معلولة لهما وثمرة لهما.
فتبين أن الأعمال الظاهرة الصالحة لا تكون ثمرة للإيمان الباطن ومعلولة له، إلا إذا كان [موجبًا](8) لها ومقتضيًا لها، وحينئذٍ فالموجَب لازم لموجِبِه، والمعلول لازم لعلته، وإذا [نقصت](9) الأعمال الظاهرة الواجبة كان ذلك لنقص ما في القلب من الإيمان، فلا يتصور مع كمال الإيمان الواجب الذي في القلب أن تعدم الأعمال الواجبة الظاهرة (10)، بل يلزم من وجود هذا كاملًا، وجود هذا كاملًا، كما يلزم من نقص هذا نقص هذا و (11) تقدير إيمان تام في القلب بلا ظاهر من قول وعمل، كتقدير موجِب تام بلا موجه، وعلة تامة بلا محلولها، وهذا ممتنع (12).
(1) في (ط): "هي"، والضمير أعلاه يعود على التكلم بالشهادتين.
(2)
في (م) و (ط). "تقف".
(3)
في (ط): "فإذا".
(4)
في نسخة الأصل و (م): "إيمان"، وأثبتنا ما في (ط) لأنه أقرب إلى الصواب.
(5)
كلمة "له" ليست في (ط).
(6)
في (م): "توقف".
(7)
في (ط): "جزء السبب".
(8)
في نسخة الأصل: "موجب"، وهو خطأ، والتصحيح من (م) و (ط).
(9)
في نسخة الأصل: "نقضت"، وأثبتنا ما في (م) و (ط) لأنه أكثر اتفاقًا مع السياق.
(10)
في (م) و (ط): "الظاهرة الواجبة".
(11)
في (ط): إذ بدلًا من الواو.
(12)
وخلاصة ما تقدم: أن الأعمال الظاهرة من لوزام الإيمان الباطن، فمتى وُجد الإيمان الباطن وجدت الأعمال الظاهرة بحسبه، ولا يلزم من وجود الأعمال الظاهرة وجود الإيمان الباطن، كما في أعمال المنافق، ولا يتصور أصلًا أن هناك إيمان في الباطن، ولا يظهر على البدن شيء من الأعمال الظاهرة، إلا عند الجهمية ومن اتبعهم.