الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تعالى لما ذكر الأنبياء: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)} [الأنعام: 87، 88].
وقال تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر: 65] مطابق لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 116] فإن الشرك (1) إذا لم يغفر، وأنه موجب للخلود في النار لزم من ذلك حبوط حسنات صاحبه (2)، ولما ذكر سائر الذنوب غير الكفر لم يعلق بها حبوط جميع الأعمال.
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 28]، لأن ذلك كفر، وقوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (2)} [الحجرات: 2]، لأن ذلك يتضمن الكفر فيقتضي الحبوط، وصاحبه لا يدري، والمعنى (3) كراهية أن يحبط أو (4) خشية أن يحبط، فنهاهم عن ذلك لأنه يفضي إلى الكفر المقتضي للحبوط، ولا ريب أن المعصية قد تكون سبباً للكفر، كما قال بعض السلف: المعاصي بريد الكفر، فينهى عنها خشية أن تفضي إلى الكفر المحبط، كما قال تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ [وهى الكفر] (5) أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وإبليس خالف أمر الله فصار كافراً، وغيره أصابه عذاب أليم.
[احتجاج الخوارج والمعتزلة على مذهبهم]
وقد احتجت الخوارج والمعتزلة بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (6)[المائدة: 27] قالوا: فصاحب الكبيرة ليس من المتقين، فلا
(1) في (ط): "الإشراك".
(2)
في نسخة الأصل لفظة زائدة وهي: وإلا لزم.
(3)
هذه الكلمة ليست في (م) و (ط).
(4)
في نسخة الأصل: و.
(5)
هذه الزيادة من (ط).
(6)
قال المؤلف في منهاجِ السنة (6/ 216): "والناس لهم في هذه الآية وهي قوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} ثلاثة أقوال: طرفان ووسط، فالخوارج والمعتزلة يقولون: لا يتقبل الله إلا ممن اتقى الكبائر، وعندهم صاحب الكبيرة لا يقبل منه حسنة بحال، والمرجئة يقولون: من اتقى الشرك، والسلف والأئمة =
يتقبل الله منه عملاً، فلا تكون (1) له حسنة، وأعظم الحسنات الإيمان، فلا يكون معه إيمان فيستحق (2) الخلود [في النار](3).
وقد أجابتهم المرجئة بأن المراد بالمتقين: من يتقي الكفر، فقالوا: اسم المتقين في القرآن يتناول المستحقين للثواب كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ (55)} [القمر: 54، 55].
وأيضًا فابنا آدم حين قربا قرباناً، لم يكن المقرب المردود قربانه حينئذ كافراً، وإنما كفر بعد ذلك، إذ لو كان كافراً لم يتقرب.
وأيضًا فما زال السلف يخافون من هذه الآية، ولو أريد بها من يتقي الكفر لم يخافوا، وأيضاً فإطلاق لفظ المتقين والمراد به من ليس بكافر، لا أصل له في خطاب الشارع، فلا يجوز حمله عليه.
والجواب الصحيح: أن المراد من اتقى الله في ذلك العمل، كما قال الفضيل بن عياض (4) في قوله تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ
= يقولون: لا تقبل إلا ممن اتقاه في ذلك العمل ففعله كما أمر به خالصاً لوجه الله تعالى" ثم أفاض رحمه الله في تقرير هذه القضية.
كما توسَّع في هذه القضية أيضاً قبل ذلك، وأبطل مذهب المرجئة وأطال في الاستدلال لذلك من الكتاب العزيز، وأورد حجج المرجئة التى وافقوا فيها أهل السنة في الرد على ما ذهب إليه المعتزلة والخوارج في هذا المقام، وهذه سمة ظاهرة من أبرز سمات شيخ الإسلام رحمه الله حيث ينقض هذه المذاهب ببعضها، ويبطل حجج مذهب بحجج مذهب آخر، وقال بعد ذلك (5/ 386):"وليس مقصودنا هنا استيفاء الكلام في المسألة، وإنما الغرض التمثيل بالمناظرات من الطرفين، وأهل السنة والحديث وأئمة الإسلام المتبعون للصحابة متوسطون بين هؤلاء وهؤلاء. . " وما بعدها.
(1)
في (م) و (ط): "يكون".
(2)
في نسخة الأصل: يستحق.
(3)
هذه ساقطة من نسخة الأصل.
(4)
هو الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي اليربوعي الخرساني نعته الذهبي بشيخ الإسلام، من سادات العلماء زهداً وورعاً وعبادة، ومن أئمة أهل الحديث، ولد بسمرقند ونشأ بأبيورد، وارتحل في طلب العلم، ثم جاور في مكة، له مواعظ وحكم كثيرة، توفي بمكة سنة 187 هـ.
التاريخ الكبير (7/ 123)، التاريخ الصغير (2/ 241)، الجرح والتعديل (7/ 37)، حلية الأولياء (8/ 84)، سير أعلام النبلاء (7/ 421)، تذكرة الحفاظ (1/ 245)، تهذيب التهذيب (8/ 264).
عَمَلاً} (1)[الملك: 2] قال: "أخلصه وأصوبه، قيل يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً" والخالص: أن يكون لله والصواب: أن يكون على السنة، فمن عمل لغير الله كأهل الرياء لم يقل منه ذلك، كما في الحديث الصحيح:(يقول الله عز وجل: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه غيري، فأنا بريء منه وهو كله للذي أشركه)(2).
وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور، ولا صدقة من غلول"(3).
وقال: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار"(4).
(1) رواه أبو نعيم في الحلية (8/ 95) عن أبيه قال: حدثنا أحمد بن محمد بن يزيد ومحمد بن جعفر، قالا: حدثنا إسماعيل بن يزيد حدثنا إبراهيم بن الأشعث قال: سمعت الفضيل بن عياض. . .
قلت: محمد بن أحمد بن يزيد لم يكن بالقوي في حديثه، طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 542)، ونقل الحافظ عن أبي نعيم أنه كان كثير الخطأ، ولكن روى معه محمد بن جعفر الأشعري، وهو ثقة، (طبقات المحدثين بأصبهان (4/ 126)، لسان الميزان (5/ 41)، وإبراهيم بن الأشعث البخاري هو خادم الفضيل، يروي عن الفضيل الغرائب، قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه إبراهيم بن الأشعث، فقال: هذا حديث باطل موضوع، كنا نظن بإبراهيم بن الأشعث خيراً، فقد جاء بمثل هذا، الجرح والتعديل (2/ 88)، وذكره ابن حبان في الثقات (8/ 66)، لسان الميزان (1/ 36)، وعلى أية حال فما نقل عن الفضيل معنى عظيم تلقاه العلماء الربانيون من أمثال المصنف بالإجلال والقبول، وما انفكوا يحتجون به في كلامهم ومصنفاتهم.
(2)
رواه مسلم بنحوه برقم (2985) 4/ 2289 كتاب الزهد والرقائق باب من أشرك في عمله غير الله، وابن ماجه برقم (4202) كتاب الزهد، وأحمد برقم (7658).
(3)
رواه مسلم برقم (224) 1/ 204) كتاب الطهارة باب وجوب الطهارة للصلاة، ولفظه:(لا تقبل صلاة بغير طهور. .)، والنسائي برقم (139) كتاب الطهارة، وأبو داود برقم (59) كتاب الطهارة، وابن ماجه برقم (273) كتاب الطهارة وسننها، والدارمي برقم (683) كناب الطهارة، وأحمد برقم (4470).
(4)
رواه أبو داود برقم (641) كتاب الصلاة، والترمذي برقم (377) كتاب الصلاة، وابن ماجه برقم (655) كتاب الصلاة، وأحمد برقم (24650).