الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الكلام على حديث ابن عمر]
وحديث النعمان [هذا](1) قديم، فإن النعمان بن قوقل قتل قبل فتح مكة، قتله بعض بني سعيد بن العاص كما ثبت ذلك في الصحيح (2).
فهذه الأحاديث خرجت جوابًا لسؤال السائلين (3)، إلا (4) حديث ابن عمر (5) فإنه مبتدأ.
وأحاديث الدعوة والقتال (6) فيها الصلاة والزكاة كما في الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا [ذلك] (7)، عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله "(8).
(1) كلمة "هذا" ليست في نسخة الأصل، وهي في (م) و (ط).
(2)
روى البخاري في صحيحه برقم (28826) كتاب الجهاد والسير باب الكافر يقتل المسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بخيبر بعدما افتتحوها فقلت: يا رسول الله! أسهم لي، فقال بعض بني سعيد بن العاص: لا تسهم له يا رسول الله، فقال أبو هريرة: هذا قاتل ابن قوقل، فقال ابن سعيد بن العاص: وا عجبًا لوبر تدلى علينا من قدوم ضأن، ينعي علي قتل رجل مسلم أكرمه على يدي، ولم يهني على يديه. . "، وهذا الذي قتل النعمان بن قوقل هو أبان بن سعيد بن العاص كما جاء مصرحًا بذلك في كتاب المغازي برقم (4239)، والقصة رواها أيضًا أبو داود برقم (2724) كتاب الجهاد.
وذكر الحافظ أن إسلام أبان كان قبل خيبر بعد الحديبية، الفتح (6/ 41).
(3)
في (ط): "سائلين".
(4)
في (ط): "أما".
(5)
يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس. . . الحديث" وهو في الصحيحين.
(6)
في (م): "القتل".
(7)
ما بين المعكوفتين مضافة من (ط).
(8)
رواه البخاري برقم (25) كتاب الإيمان باب {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} ، والتاريخ الكبير (1/ 84)، ومسلم برقم (22) 1/ 50 كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة. .، وابن حبان في صحيحه برقم 175) 1/ 401، والدارقطني في سننه (1/ 232)، والبيهقي (3/ 92)، وهذا الحديث ليس في مسند أحمد كما بين الحافظ رحمه الله، والفتح (1/ 76)، ولكن من حديث ابن عمر، كما سنذكره إن شاء الله.
وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي هريرة (1).
(1) حديث أبي هريرة رضي الله عنه لفظه: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه، وحسابه على الله" وليس فيه ذكر الصلاة والزكاة كحديث ابن عمر، وقد رواه البخاري برقم (2946) كتاب الجهاد والسير باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الناس إلى الإسلام والنبوة. . .، ومسلم برقم (21) 1/ 52 كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس. . . والترمذي برقم (2606) كتاب الإيمان، والنسائي، برقم (3090) كتاب الجهاد، وأبو داود برقم (2640)، وابن ماجه برقم (71) في المقدمة، وأحمد برقم (8687).
وقال الحافظ في الفتح (1/ 76): "ولم ينفرد ابن عمر بالحديث المذكور، بل رواه أبو هريرة أيضًا بزيادة الصلاة والزكاة فيه كما سيأتي الكلام عليه إن شاء الله في كتاب الزكاة".
قلت: قد رجعت إلى كتاب الزكاة فلم أجد فيه سوى حديث أبي هريرة في ذكر الخلاف بين الصديق وعمر رضي الله عنهم أجمعين في قال المرتدين، واستدلال عمر بنفس حديث أبي هريرة المتقدم، وليس في ذكر للصلاة والزكاة.
وحين جاء الحافظ على حديث أبي هريرة في كتاب الزكاة قال: "وأما حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة فقد تقدم الكلام عليه في شرح حديث ابن عمر. . . " الفتح (3/ 166) ولم يشر إلى ورود الصلاة والزكاة في حديثه، لكن حين جاء عليه جاء عليه في كتاب الجهاد والسير قال:"لكن في حديث ابن عمر زيادة إقامة الصلاة، وإيتاه الزكاة، وقد وردت الأحاديث بذلك زائدًا بعضها على بعض، ففي حديث أبي هريرة الاقتصار على قول لا إله إلا الله. . . " الفتح (6/ 112).
وقد تبين بعد هذا أن زيادة الصلاة والزكاة لم ترد في الصحيحين إلا من طريق ابن عمر رضي الله عنه، وقد ذكر الصلاة دون الزكاة من حديث أنس عند البخاري برقم (393) كتاب الصلاة باب فضل استقبال القبلة، ولفظه:"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وأكلوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله" ورواه الترمذي برقم (2658) كتاب الإيمان، والنسائي برقم (3966) كتاب تحريم الدم، وأبو داود برقم (2641) كتاب الجهاد، وأحمد برقم (12643)، والبيهقي 3/ 92.
وقد يكون مراد الحافظ رحمه الله بقوله المتقدم أن ابن عمر لم ينفرد بزيادة الصلاة والزكاة، وأن أبا هريرة قد روى الحديث بهذه الزيادة في غير الصحيح.
فقد رويت زيادة الصلاة والزكاة عن أبي هريرة عند ابن ماجه برقم (71) في المقدمة، وأحمد برقم (8525)، وإسحاق بن راهوية في مسنده (1/ 294)، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وابن خزيمة برقم (2248) 4/ 8، والدارقطني في السنن (2/ 89)، والحاكم (1/ 378)، والبيهقي (7/ 4).
ورويت من حديث معاذ رضي الله عنه عند ابن ماجه برقم (72) في المقدمة، وأحمد برقم (22175)، والطبراني في الكبير (20/ 63)، والدارقطني في سننه (1/ 232).
كما رويت أيضًا في حديث أنس رضي الله عنه عند النسائي برقم (3094) في الصغرى (المجتبى)، وفي الكبرى (2/ 280)، وأبي يعلى برقم (68) 1/ 69، والبيهقي (4/ 7).
فثبت أن ابن عمر لم ينفرد بهذا الزيادة، وتابعه أبو هريرة لكن في غير الصحيحين، وقد تابعهما أيضًا -كما بينا- معاذ بن جبل، وأنس بن مالك رضي الله عنهم أجمعين.
لكن هنا إشكال كبير، وهو أنه ورد في بعض الأحاديث السابقة التي رويت فيها زيادة الصلاة والزكاة في غير الصحيحين -كالنسائي والحاكم وابن خزيمة وغيرهما- قول أبي بكر:"إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة" حين استدل عمر بقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها وحسابهم على الله"، وهو خلاف الذي في الصحيحين وهو قوله رضي الله عنه "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالًا. . . ".
يقول القاضي عياض رحمه الله بعد أن ذكر الخلاف بين الصديق وعمر رضي الله عنهما، ثم ساق حديث ابن عمر في الصحيحين الذي في الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة:"هذا هو نص في قال من لم يصلِّ ولم يؤت الزكاة، وأن من لم يفعل ذلك لم يعصم دمه وماله، كمن لم يشهد بالشهادتين، لكن يدل على احتجاج عمر على أبي بكر بالحديث، وليس فيه غير ذكر الشهادتين دون غيرهما أنهما لم يسمعاه، وأن ابن عمر سمع ذلك في موطن آخر، والله أعلم، ولو سمع ذلك عمر لما احتج بالحديث دونها، إذ تلك الزيادة عليه حجة، ولو سمعها أبو بكر لاحتج بها على عمر، ولم يحوج إلى الحجة بالقياس، ولا بعموم فوله: إلا بحقها". كتاب الإيمان من إكمال المعلم (2/ 191)، ووافقه الحافظ، ونقل في الفتح (12/ 277) كلامه هذا مختصرًا.
وقال الحافظ أيضًا في الفتح (1/ 76) عن حديث ابن عمر الذي فيه ذكر الصلاة والزكاة: "ولو كانوا يعرفونه لما كان أبو بكر يقر عمر على الاستدلال بقوله عليه الصلاة والسلام: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، وينتقل عن الاستدلال بهذا النص إلى القياس، إذ قال: لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، =
[و](1) رواه مسلم عن جابر قال #: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه، وحسابه على الله"(2).
وفي لفظ لمسلم: "حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي، وبما جئت به"(3).
وهذا اللفظ الذي كان قد سمعه عمر، وناظر فيه أبا بكر، لما أراد
= لأنها قرينتها في كتاب الله. . . ولم يستدل أبو بكر بالقباس فقط، بل أخذه أيضًا من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه: إلا بحق الإسلام، قال أبو بكر: والزكاة حق الإسلام. . . وفي القصة دليل على أن السنة قد تخفى على بعض أكابر الصحابة، ويطلع عليها آحادهم. . ".
وللمصنف كلام بعد ذلك يوافق ما ذكره القاضي عياض والحافظ ابن حجر.
فالثابت في الصحيحين أن الصديق رضي الله عنه استدل بالقياس الصحيح -كما ذكر القاضي عياض- وبالقياس والاستنباط من قوله عليه الصلاة والسلام: إلا بحقها - كما قال الحافظ ابن حجر.
قلت: وحل الإشكال بأحد أمرين: إما أن يقدم ما ثبت في الصحيحين، ويضرب صفحًا عما سواهما، ويصبح ما خالفهما شاذًا، وإما إن يقال: إن الصديق رضي الله عنه استدل أولًا بالقياس والاستنباط، ثم بلغه النص بعد ذلك فاستدل به.
ثم وجدت أن الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله قد أورد هذا الإشكال في جامع العلوم والحكم (1/ 233)، ونبه إلى أن هناك خطأ في هذه الروايات، وقال:"ولكن هذه الرواية أيضًا أخطأ فيها عمران القطان إسنادًا ومتنًا، قاله أئمة الحفاظ، منهم علي بن المديني، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والترمذي، والنسائي، ولم يكن هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ عند أبي بكر، وإنما قال أبو بكر والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، وهذا أخذه -والله أعلم- من قوله في الحديث: إلا بحقها. . ".
(1)
هذه الواو ليست في النسخ، وأضفناها ليتضح المعنى.
(2)
حديث جابر رواه مسلم (1/ 53) كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. . .، والترمذي رقم (3341)، وابن ماجه برقم (3928) كتاب الفتن، برقم (13797).
(3)
هذا اللفظ في مسلم (1/ 52) من رواية أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه أيضًا الدارقطني في سننه (2/ 89).
قتال مانعي الزكاة، فقال له: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم # (1):"أمرت أن أقاتل الناس، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها".
فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال (2).
فكان من فقه أبي بكر رضي الله عنه أنه فهم من ذلك الحديث [المختصر](3) أن القتال على الزكاة [قتال](4) على حق المال.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم مراده بذلك في اللفظ المبسوط الذي رواه ابن عمر (5).
والقرآن صريح في موافقة حديث ابن عمر قال تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].
وحديث معاذ (6) لما بعثه إلى اليمن لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلا الصلاة والزكاة.
فلما كان في بعض الأحاديث ذكر بعض الأركان دون بعض، أشكل ذلك على بعض الناس.
(1) ما بين العلامتين # سقط كبير من (ط) و (م).
(2)
خلاف عمر مع الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة رواه البخاري برقم (1399) و (1400) كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة، ومسلم برقم (20) كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله. .، والترمذي برقم (2617) كتاب الإيمان، والنسائي برقم (2443) كتاب الزكاة، وأبو داود برقم (1556) كتاب الزكاة، وأحمد برقم (10459)، وابن حبان برقم (216) 1/ 449، والبيهقي (4/ 104).
(3)
في نسخة الأصل: "المختص"، والتصحيح من (م) و (ط).
(4)
في نسخة الأصل: "فقال"، والتصحيح من (م) و (ط).
(5)
هو الحديث الذي تقدم تخريجه، وورد فيه الأمر بالقتال حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة.
(6)
يأتي بتمامه بعد ذلك إن شاء الله.