الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بكر لعمر رضي الله عنهما، وقد ذكره أحمد في رسالته في الصلاة (1)، وذلك لأن قبول النافلة يراد به الثواب، ومعلوم أنه لا يثاب على النافلة حتى تؤدى الفريضة، فإنه إذا فعل النافلة مع نقص الفريضة كانت جبراً له (2) وإكمالاً لها، فلم يكن فيها ثواب نافلة.
[النافلة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم
-]
ولهذا قال بعض السلف: "النافلة لا تكون إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم (3)، لأن الله قد كفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وغيره يحتاج إلى المغفرة، وتأول على هذا قوله تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ} [الإسراء: 79]، وليس إذا فعل نافلة، وضيع فريضة، تقوم النافلة مقام الفريضة
(1) ذكره الإمام أحمد في رسالة الصلاة (1/ 372) وهي مسوقة بكاملها في طبقات الحنابلة، وتسمى رسالة في المسيء صلاته، وقد أنكر الإمام الذهبي في سير أعلام النبلاء (11/ 278) نسبتها إلى الإمام أحمد، ولكن شيخ الإسلام -كما ترى يثبت نسبتها للإمام، وممن أثبتها كذلك ابن أبي يعلى في كتاب الطبقات، وقد جزم بنسبتها وصحتها -من المعاصرين- الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل"(2/ 617).
(2)
في (ط): "لها".
(3)
روى الإمام أحمد في المسند برقم (21692) عن أبي غالب البصري قال: سمعت أبا أمامة يقول: "إذا وضعت الطهور مواضعه قعدت مغفوراً لك، فإن قام يصلي كانت له فضيلة وأجراً، لأن قعد قعد مغفوراً له، فقال له رجل: يا أبا أمامة أرأيت إن قام فصلى تكون له نافلة؟ قال: لا، إنما النافلة للنبي صلى الله عليه وسلم، كيف تكون له نافلة وهو يسعى في الذنوب والخطايا! تكون له فضيلة وأجراً". ورجاله ثقات إلا أن أبا غالب هذا صاحب أبي أمامة مختلف فيه بين أئمة الشأن، قال عنه الذهبي: صالح الحديث (الكاشف 322)، وقال عنه ابن حجر: صدوق يخطئ (التقريب 664)، ولكنه يتقوى أيضاً بما رواه أحمد برقم (21707) عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة رضي الله عنه قال عند قوله تعالى:{نَافِلَةً لَكَ} : إنما كانت النافلة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وشهر بن حوشب كثر الخلاف فيه بين أئمة الجرح والتعديل، ولكن الاحتجاج به مترجح كما قال الإمام الذهبي رحمه الله تعالى (السير 4/ 378) خصوصاً إذا تابعه غيره، وقد احتج به الإمام مسلم في صحيحه وأخرج له مقروناً، فالأثر على ذلك لا يقل عن درجة الحسن لغيره.
وقال الحافظ ابن القيم في مدارج السالكين (1/ 323): "ولهذا كان قيام الليل نافلة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة، فإنه يحمل في زيادة الدرجات، وغيره يحمل في تكفير السيئات، وأين هذا من هذا؟ . ".
مطلقاً، بل قد تكون عقوبته على ترك الفريضة أعظم من ثواب النافلة.
فإن قيل: العبد إذا نام عن صلاة أو نسيها، كان عليه أن يصليها إذا ذكرها بالنص (1) والإجماع، فلو كان لها بدل من التطوعات لم يجب القضاء، قيل: هذا خطأ.
فإن قيل هذا يقال في جميع مسقطات العقاب فيقال: إذا كان العبد يمكنه رفع العقوبة بالتوبة لم ينه عن الفعل، ومعلوم أن العبد عليه أن يفعل المأمور ويترك المحظور، لأن الإخلال بذلك سبب للزوم العقاب (2)، وإن جاز مع إخلاله أن يرتفع العقاب بهذه الأسباب، كما عليه أن يحتمي من السموم القتَّالة (3)، وإن كان مع تناوله لها يمكن رفع ضررها بأسباب من الأدوية، والله عليم حكيم رحيم، أمرهم بما يصلحهم، ونهاهم عما يفسدهم، ثم إذا وقعوا في أسباب الهلاك لم يؤيسهم من رحمته، بل جعل لهم أسباباً يتوصلون بها إلى رفع الضرر عنهم (4).
ولهذا قيل: إن الفقيه كل الفقيه الذي لا يؤيس الناس من رحمة الله،
(1) النص المشار إليه روي بألفاظ مختلفة، رواه البخاري برقم (597) كتاب مواقيت الصلاة باب من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها، ومسلم برقم (684) 1/ 477 كتاب المساجد باب فضل تعجيل الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، والترمذي برقم (177) كتاب الصلاة، والنسائي برقم (613) كتاب المواقيت، وأبو داود برقم (435) كتاب الصلاة، وابن ماجه برقم (696) كتاب الصلاة، والدارمي برقم (1299) كتاب الصلاة.
(2)
في (م) و (ط): "للذم والعقاب".
(3)
في (ط): "القاتلة".
(4)
وجدت في حاشية هذه الصفحة ما يلي: [قلت: أبو هريرة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما أنزل الله داء إلا وأنزل له شفاء" وقال: "تداووا عباد الله فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا السام". قال كاتب نسخة الأصل في أصله: هكذا وجد حاشية في الأصل والله أعلم].
قلت: ولم يتبين لي هل هي من المؤلف أم من الناسخ أم من أحد تلامذة المصنف، ثم إن هناك نصاً صغيراً آخر جاء في أوله: وقال خبيب، ولم أستطع قراءة ما تبقى منه. والحديث الأول رواه البخاري برقم (5778) كتاب الطب، وابن ماجه برقم (3438) كتاب الطب، وأحمد برقم (3397). والثاني رواه الترمذي برقم (2038) كتاب الطب، وأبو داود برقم (3855) كتاب الطب، وابن ماجه برقم (3446) كتاب الطب، وأحمد برقم (17727).
ولا يجرئهم على معاصي الله، ولهذا يؤمر العبد بالتوبة كلما أذنب، قال بعضهم لشيخه: إني أذنبت، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: ثم أعود، قال: تب، قال: إلى متى، قال: إلى أن تحزن الشيطان. وفي المسند عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب العبد المفتَّن التواب)(1)، وأيضاً كان (2) من نام عن صلاة، أو نسيها فصلاته إذا استيقظ أو ذكرها كفارة لها تبرأ بها الذمة من المطالبة، ويرتفع عنه الذم والعقاب، ويستوجب بذلك المدح والثواب، وأما ما يفعله من التطوعات فلا يعلم القدر الذي يقوم ثوابه مقام ذلك، ولو علم فقد لا يمكن فعله مع سائر الواجبات، ثم إذا قدر أنه أمر بما يقوم مقام ذلك صار واجباً فلا يكون تطوعاً، والتطوعات شرعت لمزيد التقرب إلى الله تعالى كما قال تعالى في الحديث الصحيح:(ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)(3) الحديث.
فإذا لم يكن العبد قد أدى الفرائض كما أمر، لم يحصل له مقصود النوافل ولا يظلمه الله، فإنه تعالى (4) لا يظلم مثقال ذرة، بل يقيمها مقام نظيرها من الفرائض، كمن عليه ديون لأناس يريد أن يتطوع لهم بأشياء، فإن وفاهم وتطوع لهم كان عادلًا محسنًا، وإن وفا (5) ولم يتطوع كان عادلاً، وإن أعطاهم ما يقوم مقام دينهم، وجعل ذلك تطوعاً كان غالطاً في جعله تطوعاً (6)، بل يكون من الواجب الذي يستحقونه.
(1) هو في المسند برقم (571) وهو من زيادات عبد الله، وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده ضعيف جداً (2/ 39)، وأبو يعلى في مسنده (1/ 376)، والحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 200)، وقال: رواه عبد الله وأبو يعلى وفيه من لم أعرفه، ولفظه: إن الله يحب العبد المؤمن المفتن التواب، والمفتن بفتح التاء المشددة هو: الذي يفتن ويمتحن بالذنوب. قاله الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى.
(2)
في (م) و (ط): "فإن".
(3)
رواه البخاري برقم (6502) كتاب الرقاق باب، ورواه أحمد بنحوه برقم (25661).
(4)
في (م) و (ط): "فإن الله".
(5)
في (م) و (ط): "وفاهم".
(6)
كلمة "تطوعاً" ليست في (ط).