الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كالقاضي أبي بكر، وأبي المعالي (1)، وأمثالهما، ولهذا عدهم أهل المقالات من المرجئة.
[القول الثاني للأشعري الذي وافق فيه السلف]
والقول الآخر عنه كقول السلف وأهل الحديث: أن الإيمان قول وعمل وهو اختيار طائفة من أصحابه (2)، ومع هذا فهو وجمهور أصحابه على قول أهل الحديث في الاستثناء في الإيمان (3).
= (11/ 346)، الكامل (8/ 392)، سير أعلام النبلاء (15/ 85)، العبر (2/ 202)، الملل والنحل (94)، البداية والنهاية (11/ 187)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 347).
(1)
هو عبد الملك بن عبد الله بن يوسف الجويني النيسابوري، أبو المعالي، الملقب بإمام الحرمين، نعته الذهبي بالإمام الكبير شيخ الشافعية، ولد سنة 419 هـ، وتتلمذ على جماعة منهم والده أبو محمد الجوينى، وأبو نعيم الأصبهاني وغيرهما، وقد تتلمذ على يديه أبو حامد الغزالي، وأبو القاسم الأنصاري -صاحب شرح "الإرشاد" لشيخه أبي المعالي-، وأبو نصر القشيري، والكيا الهراسي، وغيرهم، نفي من نيسابور، وتصدر للتدريس في نظاميتها، له من التصانيف: الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، الشامل في أصول الدين، العقيدة النظامية، الورقات في أصول الفقه، البرهان في أصول الفقه، نهاية المطلب في المذهب، وغيرها، وقد أظهر الندم على توغله في علم الكلام، وأسف على ذلك غاية الأسف، وأنه ما جنى إلا حيرة وجهلاً، وأوصى في بعض كتبه باتباع مذهب السلف، توفي أبو المعالي سنة 478 هـ.
تبيين كذب المفتري (578 - 285)، الكامل (10/ 145)، العبر (3/ 291)، سير أعلام النبلاء (18/ 468)، طبقات الشافعية للسبكي (5/ 165)، شذرات الذهب (3/ 358)، ذيل تاريخ بغداد لابن النجار (16/ 85)، البداية والنهاية (12/ 136).
(2)
ذهب الأشعري في كتابه "الإبانة" ص (27) إلى موافقة السلف والقول بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وذهب في اللمع (ص 75) وغيره من كتبه، وهو المشهور من مذهبه، وعليه أكثر أصحابه كما قال المؤلف، إلى أن الإيمان مجرد التصديق.
(3)
الأشاعرة مختلفون في الاستثناء في الإيمان منهم من يستثني، ومنهم من لا يستثني، وإن كان المؤلف رحمه الله قد ذكر أن جمهور أصحاب الأشعري على جواز الاستثناء في الإيمان أو وجوبه، وقد حكى هذا الخلاف أبو منصور البغدادي من علماء الأشاعرة فقال: "والقائلون بأن الإيمان هو التصديق من أصحاب الحديث (أي من الأشاعرة) مختلفون في الاستثناء فيه: فمنهم من يقول به، وهو اختيار شيخنا أبي سهل محمد بن سليمان الصعلوكي، وأبي بكر محمد بن الحسين بن =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فورك، ومنهم من ينكره، وهذا اختيار جماعة من شيوخ عصرنا، منهم أبو عبد الله بن مجاهد، والقاضي أبو بكر محمد بن الطيب الأشعري، وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرايني" أصول الدين ص (253)، والغزالي يصحح الاستثناء، وله عنده أربعة وجوه: أولاً: عدم تزكية النفس، وثانياً: التأدب مع الله تعالى، وإحالة الأمور كلها إلى مشيئته عز وجل، وثالثاً: الشك في كمال الإيمان لا في أصله، ورابعاً: باعتبار الموافاة وخاتمة الإيمان، وبعد أن ذكر هذه الوجوه الأربعة قال: "فهذه وجوه حسن الاستثناء في الجواب عن الإيمان" إحياء علوم الدين (1/ 148)، ويقول عمر بن محمد النسفي في العقائد النسفية (162): "الأولى ترك الاستثناء للشك في العاقبة والمآل"، وذكر في موضع آخر (163) أن بعض الأشاعرة قال به، بناء على أن العبرة في الإيمان والكفر والسعادة والشقاوة بالخاتمة، ويقول الشيخ محمد بن أحمد السفاريني في "لوامع الأنوار البهية": "ونحن معشر الأثرية ومن وافقنا من الأشعرية وغيرهم في إيماننا الذي تقدم تعريفه نستثني" (1/ 432).
بقي أن نشير في هذا المقام إلى قضيتين هامتين مترابطتين:
(الأولى): تناقض الأشاعرة الذين يستثنون في الإيمان كما بين المؤلف بين المشهور من مذهبهم في الإيمان وهو التصديق، وبين قولهم بالاستثناء فيه، وإيضاح تناقضهم هو أنهم قالوا: إن الإيمان هو التصديق، ثم أنهم يقولون بالاستثناء فيه، بزعمهم أن الإيمان في الشرع هو: ما يوافي به العبد ربه، يقول المؤلف رحمه الله تعالى في "الإيمان الكبير":"ثم أكثر المتأخرين الذين نصروا قول جهم (أي في الإيمان وهو القول بأنه التصديق) يقولون بالاستثناء في الإيمان ويقولون: الإيمان في الشرع هو: ما يوافي به العبد ربه. . . وإن كان في اللغة أعم من ذلك، فجعلوا في مسألة الاستثناء مسمى الإيمان ما ادعوا أنه مسماه في الشرع، وعدلوا عن اللغة، فهلا فعلوا هذا في الأعمال" مجموع الفتاوى (7/ 143).
الثانية: أن الأشاعرة في قولهم بالاستثناء في الإيمان ظنوا أن مأخذهم فيه، هو نفس مأخذ السلف، وهذا خطأ، يقول المؤلف رحمه الله أيضاً في "الإيمان الكبير" (7/ 143):"ودلالة الشرع على أن الأعمال الواجبة من تمام الإيمان لا تحصى كثرة، بخلاف دلالته على أنه لا يسمى إيماناً، إلا ما مات الرجل عليه، فإنه ليس في الشرع ما يدل على هذا، وهو قول محدث لم يقله أحد من السلف، لكن هؤلاء ظنوا أن الذين استثنوا في الإيمان من السلف كان هذا مأخذهم".
وقد ذكرنا سابقاً أن مأخذ عامة السلف الذين جوزوا الاستثناء هو الخوف من نسبة الإنسان نفسه إلى الإيمان المطلق الذي هو فعل كل المأمورات، وترك كل المحرمات، وأنه بهذا الاعتبار يشهد لنفسه بأنه من الأبرار، وهذه من تزكية النفس التي لا تجوز.