الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
إذا عرف أن أصل الإيمان في القلب، فاسم الإيمان تارة يطلق على ما في القلب من الأقوال القلبية، والأعمال القلبية، من الصديق والمحبة والتعظيم ونحو ذلك، وتكون الأقوال الظاهرة والأعمال الظاهرة لوازمه وموجباته ودلائله، وتارة على ما في القلب والبدن، جعلا لموجب الإيمان ومقتضاه داخلًا في مسماه.
[اختلاف دلالات الألفاظ بالإفراد والاقتران]
وبهذا يتبين أن الأعمال الظاهرة تسمى إسلامًا، فإنها (1) تدخل في مسمى الإيمان تارة، ولا تدخل فيه تارة.
وذلك أن الاسم الواحد تختلف دلالته بالأفراد والاقتران، فقد يكون عند الأفراد فيه عموم لمعنيين، وعند الاقتران لا يدل إلَّا على أحدهما، كلفظ الفقير والمسكين، إذا أفرد أحدهما تناول الآخر، وإذا جمع بينهما كان لكل واحد مسمى يخصه، وكذلك لفظ المعروف والمنكر إذا أطلقا كما في قوله تعالى:{يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ} [الأعراف: 157]، دخل فيه الفحشاء والبغي، وإذا قرن بالمنكر أحدهما كما في قوله تعالى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45] أو كلاهما كما في قوله تعالى: {وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} [النحل: 90]، كان اسم المنكر مختصًا بما خرج عن (2) ذلك على قول، أو متناولًا للجميع على قول بناء على أن الخاص المعطوف على العام هل يمنع شمول العام له، أو يكون قد ذكر مرتين؟ فيه نزاع! والأقوال والأعمال الظاهرة موجب (3)[الأعمال](4) الباطنة ولازمها، وإذا أفرد اسم الإيمان فقد يتناول هذا وهذا، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلَّا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق"(5).
(1) في (ط): "وأنها".
(2)
في (ط): "من".
(3)
في (ط): "نتيجة".
(4)
ما بين المعكوفتين ليس في نسخة الأصل، وهو في (م) و (ط) و (ص).
(5)
هذا الحديث متفق عليه، وقد تقدم تخريجه ص 392 من هذا الكتاب.
وحينئذ فيكون الإسلام داخلًا في مسمى الإيمان وجزءًا منه، فيقال حينئذٍ: إن الإيمان اسم لجميع الطاعات الباطة والظاهرة.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لوفد عبد القيس: "آمركم بالإيمان بالله، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلَّا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وأن تؤدوا (1) خمس المغنم"(2) أخرجاه في الصحيحين.
ففسر الإيمان هنا بما فسر به الإسلام؛ لأنه أراد بالشهادتين هنا أن يشهد [بهما](3) باطنًا وظاهرًا، وكان الخطاب لوفد عبد القيس، وكانوا من خيار الناس، وهم أول من صلى الجمعة ببلدهم بعد جمعة أهل المدينة؛ كما قال ابن عباس: "أول جمعة جمعت في الإسلام بعد جمعة المدينة جمعة بجواثا (4)، قرية من قرى البحرين، (5) وقالوا: يا رسول الله:
(1) لفظة (أن) ساقطة من (ط).
(2)
رواه البخاري برقم (53) كتاب الإيمان باب أداء الخمس من الإيمان، ومسلم برقم (17) 1/ 46 كتاب الإيمان باب الأمر بالإيمان بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وشرائع الدين والدعاء إليه، والسؤال عنه، وحفظه وتبليغه من لم يبلغه، والترمذي برقم (2611) كتاب الإيمان، والنسائي برقم (5031) كتاب الإيمان وشرائعه؛ وأبو داود برقم (3692) كتاب السنة وأحمد برقم (2021).
(3)
في نسخة الأصل: "بها"، وأثبتنا ما في (م) و (ط) لأنه أقرب.
(4)
يقول ابن الأثير في النهاية أنها اسم لحصن بالبحرين (1/ 311)، وهي بضم الجيم وتخفيف الواو وقد تهمز ثم مثلثة خفيفة، كما ضبطها الحافظ ابن حجر في الفتح (2/ 380)، وقال: وهذا لا ينافي كونها قرية؛ وعند أبي داود جاءت بلفظ: جوثاء.
(5)
رواه البخاري برقم (892) كتاب الجمعة باب الجمعة في القرى والمدن، وابن خزيمة في صحيحه برقم (1725) 3/ 113 كتاب الجمعة باب ذكر الجمعة التي جمعت بعد الجمعة التي جمعت بالمدينة وذكر الموضع الذي جمعت فيه، والنساني في سننه الكبرى (1/ 515)، وأبو داود برقم (1068) كتاب الصلاة، والحاكم في المستدرك (1/ 417) وقال: على شرط مسلم، ووافقه الذهبي.
ويقول الحافظ ابن رجب في الفتح (8/ 63): "وليس معناه أن الجمعة التي جمعت بجواثا كانت في الجمعة الثانية من الجمعة التي جمعت. . بالمدينة، كما قد يفهم من بعض ألفاظ الروايات، فإن عبد القيس إنما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح كما ذكره ابن سعد".