الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الجواب عن سبب اختلاف الروايات]
[فأجاب بعض الناس](1) أن (2) سبب هذا أن الرواة اختصر بعضهم الحديث الذي رواه، وليس الأمر كذلك، فإن هذا طعن في الرواة و [نسبة لهم](3) إلى الكذب (4)، إذ هذا الذي ذكره إنما يقع في الحديث الواحد، مثل حديث وفد عبد القيس، حيث ذكر بعضهم الصيام، وبعضهم لم يذكره، وحديث ضمام حيث ذكر بعضهم الخمس، وبعضهم لم يذكره، وحديث النعمان بن قوقل حيث ذكر بعضهم فيه الصيام، وبعضهم لم يذكره (5).
فهنا (6) يعلم أن أحد [الراويين](7) اختص بالنقص (8) أو غلط في الزيادة.
فأما الحديثان المنفصلان (9) فليس الأمر كذلك، لا سيما والأحاديث
(1) ما بين المعكوفتين ليس في نسخة الأصل، وهو في (م) و (ط).
(2)
في (ط): "بأن".
(3)
في نسخة الأصل: "ونسبته إليهم".
(4)
قول المصنف هذا يحتاج إلى وقفة وتأمل، فلطالما ذكر شراح الأحاديث أن بعض الرواة قد اختصر الحديث، وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في هدي الساري في الفصل الثالث الذي جعله في بيان تقطيع الإمام البخاري رضي الله عنه للحديث، واختصاره وفائدة إعادته. . (15) في سبب ذلك:"ومنها أحاديث يرويها بعض الرواة تامة، ويرويها بعضهم مختصرة، فيوردها كما جاءت، ليزيل الشبهة عن ناقليها. . ".
وذكر الحافظ أيضًا في الفتح (1/ 133) قولًا لبعض العلماء عند كلامه على حديث وفد عبد القيس، وأن الراوي ترك بعض الأركان اختصارًا أو نسيانًا.
وقال الحافظ في الفتح (3/ 265) في حديث الأعرابي الذي أخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه الحج:"لم يذكر الحج لأنه حينئذٍ كان حاجًا، ولعله ذكره له فاختصره. . . ".
فتبين أن القول بأن بعض الرواة قد يختصرون الحديث الواحد -كما ترى- قول معروف عند أهل العلم، وهو ما أشار إليه المصنف.
(5)
وقد تقدم الكلام على هذه الأحاديث ورواياتها المختلفة.
(6)
في (ط): "فبهذا".
(7)
في نسخة الأصل: "الروايتين"، والتصحيح من (م) و (ط).
(8)
في (م): "اختصر بالبعض"، وفي (ط): اختصر البعض.
(9)
في (م): "المفصلان".
قد تواترت بكون الأجوبة كانت مختلفة، وفيها ما يبين (1) قطعًا أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم بهذا تارة، وبهذا تارة.
والقرآن يصدق ذلك فإن الله سبحانه في بعض الآيات علق الأخوة الإيمانية بالصلاة والزكاة فقط (2) كما في قوله تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة: 11].
كما أنه (3) علق ترك القتال على ذلك في قوله: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} [التوبة: 5].
وقد تقدم حديث ابن عمر الذي في الصحيحين موافقًا لهذه الآية.
وأيضًا فإن في حديث وفد عبد القيس ذكر خمس المغنم، لأنهم كانوا طائفة ممتنعة يقاتلون، ومثل هذا لا يذكر جواب سؤال سائل بما يجب عليه في حق نفسه.
ولكن عن هذا (جوابان):
(أحدهما): أن النبي صلى الله عليه وسلم أجاب بحسب نزول الفرائض، وأول ما فرض الله الشهادتين، ثم الصلاة، فإنه أمر بالصلاة في أول أوقات الوحي (4).
بل قد ثبت في الصحيح أنه أول ما نزل عليه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)} [العلق: 1 - 5](5).
ثم أنزل عليه بعد ذلك: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2)} [المدثر: 1، 2](6)، فهذا الخطاب إرسال له إلى الناس، والإرسال بعد الإنباء، فإن
(1) في (م) و (ط): "بين".
(2)
في (ط): تقديم وتأخير، والعبارة فيها كالتالي: فإن الله علق الأخوة الإيمانية في بعض الآيات بالصلاة والزكاة.
(3)
في (ط): "أن".
(4)
ومال إلى هذا القول الإمام الخطابي في أعلام الحديث (1/ 157 - 159).
(5)
روى ذلك البخاري في حديث نزول الوحي الطويل برقم (3) و (4) كتاب بدء الوحي، ورواه مسلم برقم (160) كتاب الإيمان باب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(6)
كلمة (هو) ليست في (م) و (ط).
الخطاب الأول ليس فيه إرسال وآخر سورة اقرأ: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: 19]، فأول السورة هو أمر [بالقراءة](1)، وآخرها أمر بالسجود، والصلاة مؤلفة من أقوال وأعمال، وأفصل أقوالها القراءة، وأفضل أعمالها السجود، والقراءة أول أقوالها المقصودة، وما بعده تبع له.
وقد روي أن الصلاة أول ما فرضت كانت ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي (2)، ثم فرضت الخمس ليلة المعراج (3)، وكانت ركعتين ركعتين، فلما هاجر أقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر (4).
(1) في نسخة الأصل: من القرآن.
(2)
لعل المؤلف يشير إلى ما رواه البيهقي (1/ 359) عن قتادة قال: "كان بدء الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي".
وقال الحافظ في الفتح (1/ 465): "ذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة، إلا ما كان وبالأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي. . . "، وذكر الحافظ هذا القول في غير موضع (2/ 53)، (7/ 203).
كما حكى رحمه الله عن القاضي أبي بكر ابن العربي (12/ 286) أن قومًا من الخوارج أنكروا الصلوات الخمس، وقالوا: الواجب صلاة بالغداة وصلاة بالعشي.
(3)
رواه البخاري برقم (349) كتاب الصلاة باب كيف فرضت الصلوات في الإسراء، ومسلم برقم (162) 1/ 145 كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماوات، وفرض الصلوات، والنسائي برقم (450) كتاب الصلاة، وابن ماجه برقم (1399) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد برقم (12096).
(4)
يشير المؤلف رحمه الله إلى إحدى روايات عائشة في ذلك المقام، فقد روى البخاري برقم (3935) كتاب المناقب من حديث عائشة قالت:"فرضت الصلاة ركعتين، ثم هاجر النبي صلى الله عليه وسلم، ففرضت أربعًا، وتركت صلاة السفر على الأولى".
ورواه أحمد برقم (25511) بلفظ أطول عن عائشة قالت: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، زاد في كل ركعتين ركعتين، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الفجر لطول قراءتهما" ورواه البيهقي في سننه الكبرى (1/ 362).
أما الرواية الأكثر ورودًا فقد جاءت مطلقة دون ذكر لمكة أو المدينة، ولفظها:"فرض الله الصلاة حين فرضها، ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر" رواها البخاري برقم (350) كتاب الصلاة، وسلم برقم (685) كتاب صلاة المسافرين وقصرها، والنسائي برقم (453) كتاب الصلاة، =
وكانت الصلاة تكمل [شيئًا](1) بعد شيء، فكانوا أولًا يتكلمون في الصلاة، ولم يكن فيها تشهد، ثم أمروا بالتشهد (2)، وحرم عليهم الكلام (3).
= وأبو داود برقم (1198) كتاب الصلاة، ومالك برقم (337) كتاب النداء للصلاة، والدارمي برقم (1509) كتاب الصلاة، وأحمد برقم (25436).
(1)
في نسخة الأصل و (م): شيء، وأثبتنا ما في (ط) لأنه أقرب إلى الصواب.
(2)
روى الشيخان عن ابن مسعود قال: "كنا نقول إذا كنا في الصلاة خلف النبي صلى الله عليه وسلم: السلام على الله، السلام على فلان، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم: إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله. . " واللفظ لمسلم، وقد رواه البخاري برقم (831) كتاب الأذان باب التشهد في الآخرة، ومسلم برقم (402) 1/ 301 كتاب الصلاة باب التشهد في الصلاة، وأبو داود برقم (968) كتاب الصلاة وابن ماجه برقم (899) كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، والدارمي برقم (1340) كتاب الصلاة.
ومن أقوى ما يؤيد كلام المصنف ما رواه النسائي في سننه الصغرى برقم (1277) كتاب السهو، وفي الكبرى برقم (1200) 1/ 378 عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:"كنا نقول في الصلاة قبل أن يفرض التشهد: السلام على الله. . . " الحديث، ورواه الدارقطني في سننه وصححه (1/ 350)، والبيهقي وصححه في السنن الكبرى (2/ 138).
وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي (3/ 41): "قبل أن يفرض التشهد، ظاهره أن التشهد محله فرض، ويحتمل أن المراد قبل أن يشرع التشهد. . . "، وكل ما ذكرناه يؤيد كلام المصنف أن الصلاة لم يكن فيها تشهد، ثم أمروا بالتشهد.
(3)
يشير المؤلف رحمه إلى حديث عبد الله بن مسعود وحديث زيد بن أرقم في الصحيحين، فحديث ابن مسعود رواه البخاري برقم (1199) كتاب العمل في الصلاة باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، ولفظه:"كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيرد علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلمنا عليه فلم يرد علينا، وقال: إن في الصلاة شغلًا"، ورواه مسلم برقم (538) 1/ 381 كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة، ونسخ ما كان من إباحة، والنسائي برقم (1220) كتاب السهو، وأبو داود برقم (923) كتاب الصلاة، وابن ماجه برقم (1019)، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، وكلهم بألفاظ متقاربة، ورواه أحمد برقم (4134) ولفظه: "كنا نتكلم في الصلاة، ويسلم بعضنا على بعض، ويوصي أحدنا بالحاجة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه وهو =
وكذلك لم يكن بمكة لهم أذان، وإنما شرع الأذان بالمدينة بعد الهجرة (1)، وكذلك صلاة الجمعة (2)، والعيد، والكسوف، والاستسقاء،
= يصلي فلم يرد علي، فأخذني ما قدم وما حدث، فلما صلى قال: إن الله عز وجل يحدث من أمره ما شاء، وإنه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة".
أما حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه فرواه البخاري برقم (1200) كتاب العمل في الصلاة باب ما ينهى من الكلام في الصلاة، ولفظه:"إن كنا لنتكلم فى الصلاة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، يكلم أحدنا صاحبه بحاجته، حتى نزلت: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ. . .} الآية فأمرنا بالسكوت"، ورواه مسلم برقم (539) كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب تحريم الكلام في الصلاة. .، ولفظ مسلم:"كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتى نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام"، ورواه أيضًا النسائي برقم (1219) كتاب السهو، والترمذي برقم (405) كتاب الصلاة، وأبو داود برقم (949) كتاب الصلاة" وأحمد برقم (18792).
وقد اختلف أهل العلم في تحريم الكلام في الصلاة، هل كان بمكة أو بالمدينة، وقد ذكر الخلاف الحافظ ابن رجب في الفتح (9/ 292)، والحافظ ابن حجر في الفتح (3/ 72).
(1)
روى الشيخان أن ابن عمر كان يقول: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة، ليس ينادى لها، فتكلموا يومًا في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسًا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: بل بوقًا مثل قرن اليهود، فقال عمر: أولا تبعثون رجلًا ينادي بالصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فناد بالصلاة"، رواه البخاري برقم (604) كتاب الأذان باب بدء الأذان، ومسلم برقم (377) 1/ 285 كتاب الصلاة باب بدء الأذان.
وقد رواه ابن المنذر في كتابه (الأوسط) برقم (1160) 3/ 11 وقال: "هذا الحديث يدل على أن بدء الأذان إنما كان بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وأن صلاته بمكة إنما كانت بغير نداء ولا إقامة. . . ".
والأصل في بدء الأذان حديث عبد الله بن زيد الأنصاري رضي الله عنه، ورؤياه في ذلك، وحديثه رواه الترمذي برقم (189) كتاب الصلاة، وأبو داود برقم (499) كتاب الصلاة، وابن ماجه برقم (706) كتاب الأذان والسنة فيه، وأحمد برقم (16041).
(2)
ذكر الحافظ ابن رجب رحمه الله أن الجمعة فرضت بالمدينة، وذكر أن هذا قول جمهور العلماء، قال: "ويدل عليه - أيضًا- أن سورة الجمعة مدنية، وأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالجمعة بمكة قبل هجرته، ونص الإمام أحمد على أن أول جمعة جمعت في الإسلام هي التي جمعت بالمدينة مع مصعب بن عمير، وكذا =