الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهذين للمؤمنين في قوله: {أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا. .} [الرعد: 17] الآية.
وأما قبل الهجرة فلم يكن الناس إلَّا مؤمن أو كافر، فلم يكن هناك منافق، فإن المسلمين كانوا مستضعفين، فكان من آمن آمن باطناً وظاهراً، ومن لم يؤمن فهو كافر.
فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وصار للمؤمنين بها عز وأنصار، ودخل جمهور أهلها في الإسلام طوعاً واختياراً، كان بينهم من أقاربهم ومن غير أقاربهم، من أظهر الإسلام موافقة رهبة أو رغبة، وهو في الباطن كافر، وكان على (1) رأس هؤلاء عبد الله بن أبي بن سلول، وقد نزل فيه وفي أمثاله من المنافقين آيات.
والقرآن يذكر المؤمنين والمنافقين في غير موضع، كما ذكرهم في سورة البقرة، وآل عمران، والنساء، وسورة العنكبوت، والأحزاب.
[ما أنزل الله عز وجل في المنافقين]
وكان هؤلاء في أهل المدينة والبادية كما قال تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} [التوبة: 101] وكان في المنافقين من هو في الأصل من المشركين، وفيهم من هو في الأصل من أهل الكتاب، وسورة الفتح، والقتال، والحديث، والمجادلة، والحشر، والمنافقين، بل عامة السور المدنية يذكر (2) فيها المنافقين.
قال تعالى في سورة آل عمران: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} إلى قوله: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ
= [البقرة 17، 18]، وقوله تعالى:{أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)} [البقرة: 19]- إلى قوله - {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 19، 20].
(1)
ليست في (م) و (ط).
(2)
الضمير هنا يعود على القرآن.
يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)} [آل عمران: 156 - 167] الآيات.
وقال تعالى في سورة النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61)} إلى قوله: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)} [النساء: 60 - 65].
وقال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} إلى قوله: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ} إلى قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ
لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا (143)} إلى قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (146)} [النساء: 138 - 146].
وقال تعالى في سورة المائدة: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ} [المائدة: 41].
وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ (61) وَتَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (62)} [المائدة: 61، 62].
وقال تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} إلى قوله: {تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ (80) وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (81)} [المائدة: 77 - 81].
وأما سورة براءة فأكثرها في وصف المنافقين وذمهم، ولهذا سميت الفاضحة (1)
(1) روى الشيخان عن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عباس: سورة التوبة. قال: التوبة هي الفاضحة ما زالت تنزل: ومنهم ومنهم حتى ظنوا أنها لن تبقي أحداً =
والمبعثرة (1). وهي نزلت عام تبوك (2) وكانت تبوك سنة تسع من الهجرة (3)، وكانت غزوة تبوك آخر مغازي النبي صلى الله عليه وسلم التي غزاها بنفسه (4)، وتميز فيها من المنافقين من تميز، فذكر الله تعالى من صفاتهم ما ذكره في هذه السورة.
= منهم إلَّا ذكر فيها". رواه البخاري برقم (4882) كتاب تفسير القرآن الكريم ورواه مسلم برقم (3031) كتاب التفسير.
(1)
ذكر الشوكاني في فتح القدير (2/ 3322) أن ابن المنذر أخرج عن ابن إسحاق قال: "كانت براءة تسمى في زمن النبي صلى الله عليه وسلم المبعثرة، لما كشف من سرائر الناس"، وسميت بالمبعثرة لأنها بعثرت أحوال المنافقين، وكشفت خباياهم، يقال: بعثرت المتاع، إذا جعلت أعلاه أسفله، وقلبت جميعه، وقلبته، ومنه:{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)} [الانفطار: 4].
قلت: وقد ذكر أهل العلم -ومنهم المصنف- عدة أسماء لسورة براءة رضي الله عنه غير الاسمين الذين ذُكرا رضي الله عنه فمن تلك الأسماء: سورة التوبة، سميت بذلك لأن الله عز وجل ذكر فيها توبة الثلاثة الذين خلفوا بتبوك.
وتسمى سورة المقشقشة من الجمع، فإنها جمعت أوصاف المنافقين، وكشفت أستارهم.
وتسمى سورة البحوث، من بحث، إذا اختبر واستقصى، وذلك لما تضمنت من ذكر المنافقين والبحث عن أسرارهم.
وتسمى سورة العذاب، وتسمى المنقرة لأنها نقرت عما في قلوب المشركين والمنافقين.
وقد عدد المصنف في موضع آخر أسماء هذه السورة العظيمة، وزاد غير ما ذكرنا: اسم المثيرة.
انظر: أحكام القرآن للقاضي ابن عربي (2/ 444)، تفسير القرطبي (8/ 3)، العقود الدرية (93)، مجموع الفتاوى (28/ 436)، فتح القدير (2/ 332).
(2)
تفسير القرآن العظيم (2/ 332)، والبداية والنهاية (5/ 33)، وروى البخاري في صحيحه عن البراء رضي الله عنه يقول:"آخر آية نزلت: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ}، وآخر سورة نزلت سورة براءة" رقم (4654) كتاب التفسير باب (براءة من الله ورسوله. . .)، وقال الحافظ رحمه الله في الفتح (8/ 316):"الظاهر أنَّ المراد معظمها (أي السورة)، ولا شك أنَّ غالبها نزل في غزوة تبوك وهي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم".
(3)
كانت في شهر رجب منها، سيرة ابن هشام (4/ 128)، طبقات ابن سعد (2/ 165)، المغازي للواقدي (3/ 989)، تاريخ الطبري (3/ 100)، دلائل النبوة (5/ 213) ، والبداية والنهاية (5/ 3).
(4)
البداية والنهاية (5/ 32).
وقد قال تعالى في سورة النور: {وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47)} إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51)} [النور: 47 - 51] الآيات.
وقال تعالى في سورة العنكبوت: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)} [العنكبوت: 10، 11].
وقال تعالى في سورة الأحزاب: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الأحزاب: 1]، وذكر فيها (1) شأنهم في الأحزاب، وذكر من أقوال المنافقين وجبنهم وهلعهم كما قال تعالى:{وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا (12)} إلى قوله: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20)} [الأحزاب: 12 - 20].
وقال تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا (60) مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا (61)} إلى قوله: {لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 60 - 73].
وقال تعالى في سورة القتال: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ
(1) في (ط): "فيه" وهو خطأ.
يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: 29، 30] إلى ما في السورة من نحو ذلك.
وقال تعالى في سورة المجادلة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ} إلى قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14) أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15) اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (16)} [المجادلة: 14 - 16] إلى آخر السورة وقوله: {مَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ} كقوله: {مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} [النساء: 143].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة (1) بين الغنمين تعير
(1) العائرة هي المترددة الحائرة لا تدري أيهما تتبع، قاله النووي في شرح مسلم (17/ 128)، وقال في النهاية (5/ 279): العائرة هي التي تذهب كذا وكذا.
إلى هذه مرة وإلى هذه مرة" (1).
وقد ذكر في سورة المنافقين قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ (1)} [المنافقون: 1] إلى آخر السورة.
والمقصود بيان كثرة ما في القرآن من ذكر المنافقين وأوصافهم.
والمنافقون هم في الظاهر مسلمون.
وقد كان المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يلتزمون أحكام الإسلام الظاهرة، لا سيما في آخر الأمر [ما] (3) لم يلتزمه كثير من المنافقين الذين من بعدهم لعز الإسلام وظهوره إذ ذاك بالحجة والسيف تحقيقاً لقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة: 33، الصف: 9].
ولهذا قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وكان من أعلم [الصحابة](4) بصفات المنافقين وأعيانهم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أسر إليه عام تبوك أسماء جماعة من المنافقين بأعيانهم (5)، فلهذا كان يقال هو صاحب السر الذي لا
(1) رواه مسلم برقم (2784) 4/ 2146 كتاب صفات المنافقين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ورواه النسائي برقم (5037) كتاب الإيمان وشرائعه، وأحمد برقم (5059) ، (5578) ، (5756) ، (6262).
(2)
قوله في سورة الحشر: في نسخة الأصل فقط.
(3)
ليست في نسخة الأصل، وهي مضافة من (م)، (ط).
(4)
ليست في نسخة الأصل، وهي مضافة من (م)، (ط).
(5)
روى مسلم في صحيحه عن قيس بن عباد قال: قلت لعمار: أرأيتم صنيعكم هذا فيما كان من أمر علي أرأياً رأيتموه أو شيئاً عهده إليكم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: ما =
يعلمه غيره (1).
ويروى أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه لم يكن يصلي على أحد حتى يصلي عليه حذيفة لئلا يكون من المنافقين الذين نهى [الله](2) عن الصلاة عليهم (3).
= عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً لم يعهده إلى الناس كافة ولكن حذيفة أخبرني عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "في أصحابي اثنا عشر منافقاً منهم ثمانية لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط. . " كتاب صفات المنافقين وأحكامهم برقم (2779) 2143، وروى البيهقي في دلائل النبوة (5/ 256): قصة طويلة في رجوع النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، وفي تآمر جماعة من المنافقين بطرحه صلى الله عليه وسلم في عقبة على الطريق وكيف أنَّ الله أظهر كيدهم لنبيه صلى الله عليه وسلم ومما جاء في تلك القصة أنه صلى الله عليه وسلم سمى هؤلاء النفر لحذيفة وعمار رضي الله عنهما وأمرهما أن يكتما أسماءهم، ورواها الإمام أحمد في المسند بسند جيد عن يزيد بن هارون قال: أخبرنا الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل رضي الله عنه.
ويدل على صحة أصل القصة ما رواه مسلم في صحيحه عن الوليد بن عبد الله بن جميع قال: حدثنا أبو الطفيل قال: "كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟ قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك، فقال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أنَّ اثني عشر منهم حرب لله ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الحياة الدنيا، ويوم يقوم الأشهاد وعذر ثلاثة. . " كتاب صفات المنافقين برقم (2779) / 2144.
وكون عمار رضي الله عنه علم أسماء المنافقين يخالف ما في الصحيح الذي يبين أنَّ أسماءهم لم يعلمها إلَّا حذيفة رضي الله عنه.
روى البخاري عن إبراهيم النخعي قال: "ذهب علقمة إلى الشام، فلما دخل المسجد قال: اللهم يسر لي جليساً صالحاً، فجلس إلى أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: ممن أنت؟ قال من أهل الكوفة، قال: أليس فيكم أو منكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟ يعني: حذيفة، قال: قلت: بلى. . " كتاب فضائل الصحابة باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنه برقم (3742) وفي مناقب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه برقم (3761) ورواه أحمد برقم (26099) ورقم (27001).
(2)
ليست في (م) و (ط).
(3)
ذكر الإِمام ابن عبد البر رحمه الله في الاستيعاب (1/ 278) عند ترجمته لحذيفة رضي الله عنه أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يسأله عن المنافقين وكان ينظر إليه عند موت من مات مهم فإن لم يشهد جنازته حذيفة لم يشهدها عمر. =
قال حذيفة رضي الله عنه: "النفاق اليوم أكثر منه على عهد رسول الله" وفي روية: "كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم يسرونه، واليوم يظهرونه"(1).
وذكر البخاري في صحيحه عن ابن أبي مليكة (2) قال: "أدركت ثلاثين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كل منهم يخاف النفاق على نفسه"(3).
= وقال المؤلف في منهاج السنة (5/ 237): "وكان إذا مات الميت المجهول حاله لا يصلي عليه عمر حتى يصلي عليه حذيفة خشية أن يكون من المنافقين. . ".
وقال الحافظ ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} : "وكان عمر بن الخطاب لا يصلي على جنازة من جهل حاله حتى يصلي عليها حذيفة بن اليمان لأنه كان يعلم أعيان المنافقين قد أخبره بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ثم نقل عن أبي عبيد من كتابه الغريب أنَّ عمر أراد أن يصلي على جنازة رجل فمرزه حذيفة كأنه أراد أن يصده عن الصلاة عليها، ثم حكى عنه أنَّ بعضهم يقول إنَّ المرز بلغة أهل اليمامة هو القرص بأطراف الأصابع. تفسير القرآن العظيم (2/ 381)، والقصة في غريب القرآن لأبي عبيد (2/ 36).
(1)
روى البخاري نحوه عن حذيفة رضي الله عنه قال: "إن المنافقين اليوم شر منهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون" كتاب الفتن برقم (7113) باب إذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه.
وروى عنه أيضاً قوله: "إنما كان النفاق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان". وكل هذه الألفاظ متقاربة المعنى، وهي تدل على تفشي النفاق وإظهار أهله له دون مواراة، وهذا في زمن حذيفة رضي الله عنه الذي هو من خير الأزمان، كيف لو أدرك زماننا هذا! ! ، ورأى أنَّ المنافقين فيه أشر وأخطر وأكثر عدداً وعدة من المنافقين في عصره، بل رأى الزنادقة والملاحدة وهم يجهرون بزندقتهم وإلحادهم بدعوى حرية الفكر والتعبير، والله المستعان.
(2)
هو عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة زهير بن عبد الله بن جدعان أبو بكر الأحول، وقيل: أبو محمد القرشي التيمي المكي الإِمام الحجة الحافظ القاضي المؤذن، كان عالماً مفتياً قاضياً لابن الزبير ومؤذناً له، من كبار التابعين، أدرك خلقاً من الصحابة نحواً من ثمانين صحابياً، وهو معدود في طبقة عطاء بن أبي رباح، مات سنة سبع عشرة ومائة. طبقات ابن سعد (5/ 473)، التاريخ الكبير للبخاري (5/ 137)، الجرح والتعديل (5/ 99)، تذكرة الحفاظ (1/ 101)، العبر (1/ 145)، سير أعلام النبلاء (5/ 88)، تهذيب التهذيب (5/ 268)، شذرات الذهب (2/ 80).
(3)
ذكره البخاري في كتاب الإيمان وعنون به باباً (1/ 32).
وقد أخبر الله تعالى عن المنافقين أنهم يصلون ويزكون، وأنه لا يقبل ذلك منهم فقال (1) تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142)} [النساء: 142].
فقد (2) كانوا يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم مغازيه، كما شهد عبد الله بن أبي بن سلول وغيره من المنافقين الغزوة التى قال فيها ابن أبي:{لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ} [المنافقون: 8] وأخبر بذلك زيد بن أرقم النبي صلى الله عليه وسلم، وكذبه قوم حتى أنزل الله القرآن بتصديقه (3).
(1) في (ط): "وقال".
(2)
في (م) و (ط): "وقد".
(3)
رواها البخاري في صحيحه برقم (4900) كتاب تفسير القرآن باب قوله: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ - إلى قوله- لَكَاذِبُونَ} ومسلم برقم (2772) كتاب صفات المنافقين وأحكامهم (4/ 2140)، والترمذي برقم (3312) كتاب تفسير القرآن، وأحمد برقم (18799).
والغزوة التي عناها المؤلف رحمه الله تعالى هي غزوة المريسيع، وتسمى غزوة بني المصطلق، وقد كانت في شهر شعبان سنة خمس على الراجح من أقوال أهل العلم، خلافاً لما ذهب إليه ابن إسحاق وغيره من أهل السير والمغازي الذين ذهبوا إلى أنها كانت سنة ست للهجرة، وممن رجح أنها سنة خمس موسى بن عقبة، كما ذكر الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (3/ 241) والواقدي في مغافله (1/ 404) وابن سعد (2/ 63) والإمام الذهبي في العبر في خبر من غبر (1/ 7)، وقال في كتابه السيرة النبوية من سير أعلام النبلاء (1/ 468):"غزوة المريسيع، وتسمى غزوة بني المصطلق، كانت في شعبان سنة خمس على الصحيح، بل المجزوم به. . "، والحافظ ابن القيم في زاد المعاد (3/ 256)، والحافظ ابن حجر في الفتح (7/ 430)، ومقالة ابن أبي وإخبار زيد بن أرقم النبي صلى الله عليه وسلم بها كانت في هذه الغزوة وهو الصحيح، وذكر بعض أهل العلم أن هذه المقالة قالها ابن أبي في غزوة تبوك، والصحيح الأول، وهو ما ذكره الواحدي في أسباب النزول (278)، وقال: إنه قول أهل التفسير وأصحاب السير.
ولمزيد من الاطلاع على هذه الغزوة انظر: مرويات غزوة بني المصطلق لإبراهم بن إبراهم قريبي من إصدارات المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية.
والمقصود أن الناس ينقسمون في الحقيقة إلى مؤمن، ومنافق كافر في الباطن مع كونه مسلماً في الظاهر، وإلى كافر باطناً وظاهراً.
ولما كثرت الأعاجم في المسلمين تكلموا بلفظ الزنديق (1)، وشاعت في لسان الفقهاء، وتكلم الناس في الزنديق هل تقل توبته في الظاهر، إذا عرف بالزندقة ودفع إلى ولي الأمر قبل توبته؟ .
فمذهب مالك، وأحمد في أشهر الروايتين عنه، وطائفة من أصحاب الشافعي، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة أن توبته لا تقبل.
والمشهور من مذهب الشافعي قبولها، كالرواية الأخرى عن أحمد، وهو القول الآخر في مذهب أبي حنيفة، ومنهم من فضل (2).
(1) قال صاحب لسان العرب: "الزنديق: القائل ببقاء الدهر، فارسي معرب، وهو بالفارسية: زند كراي، يقول بدوام بقاء الدهر، والزندقة الضيق، وقبل الزنديق منه لأنه ضيق على نفسه".
قال في القاموس المحيط (1151): "الزنديق بالكسر: في الثنوية، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان، أو هو معرب: زن دين، أي دين المرأة. . . "
(2)
قال في البحر الرائق شرح كنز الدقائق -وهو من كتب الحنفية- لا تقبل توبة الزنديق في ظاهر المذهب وهو من لا يتدين بدين، وذكر قولاً آخر وهو إن جاء الزنديق قبل أن يؤخذ فأقر أنه زنديق فتاب ذلك تقبل توبته، وإن أخذ ثم تاب لم تقل توبته (5/ 136).
وذكر النووي رحمه الله في روضة الطالبين (8/ 339) أحد مصادر فقه الشافعية في قبول توبة الزنديق خمسة وجوه وهي: (الأول): قبول توبة الزنديق، وذكر أن هذا الوجه هو الصحيح المنصوص للشافعي، و (الثانى): عدم قبول توبته، و (الثالث): أن المتناهين في الخبث كدعاة الباطنية لا تقبل توبتهم ويقبل من عوامهم، و (الرابع): أنه إن أخذ لقتل فتاب لم تقل، وإن جاء تائباً ابتداء وظهرت أمارات الصدق قبلت، و (الخاص) لا يقبل إسلام من تكررت ردته.
وانظر أيضاً نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (7/ 399) لشهاب الدين الرملي.
وقال الخرشي في شرحه على مختصر خليل المالكي (8/ 167)"أن المستسر هو الزنديق يقتل ولا تقبل توبته، ولكن إذا جاء تائباً في الظهور عيه فإن توبته تقبل".
وذكر علي بن سليمان المرداوي في الإنصاف أحد مصادر الفقه الحنبلي =