الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إن الولاية أعظم من النبوة، كما يقول كثير من الفلاسفة: إن الفيلسوف أعظم من النبي، فإن هذا قول الفارابي (1) ومبشر بن [فاتك](2) وغيرهما،
[قول بعض الفلاسفة: إن الفيلسوف أعظم من النبي]
= الحق بانقطاع النبوة والرسالة، إلا أن الله لطف بعباده فأبقى لهم النبوة العامة التي لا تشريع فيها، وأبقى لهم التشريع في الاجتهاد في ثبوت الأحكام، وأبقى لهم الوراثة في التشريع فقال: العلماء ورثة الأنبياء، وما ثم ميراث في ذلك إلا فيما اجتهدوا فيه من الأحكام فشرعوه، فإذا رأيت النبي يتكلم بكلام خارج عن التشريع، فمن حيث هو ولي وعارف، ولهذا مقامه من حيث هو عالم أتم وأكمل من حيث هو رسول أو ذو تشريع وشرع، فإذا سمعت أحدًا من أهل الله يقول أو ينقل إليك عنه أنه قال: الولاية أعلى من النبوة، فليس يريد ذلك القائل إلا ما ذكرناه، أو يقول: إن الولي فوق النبي والرسول. . ".
قلت: وكل هذه النصوص تؤكد ما ذكره المصنف عن ابن عربي أنه يرى أن الولي أفضل من النبي، وأنه يرى نفسه خاتم الأولياء -الذي هو بزعمه أفضل من خاتم الأنبياء- لتعليلات فاسدة منها: أن النبوة تنقطع والولاية لا تنقطع، والولي يأخذ عن الله بلا واسطة، والنبي يأخذ بواسطة الملك، بل الأنبياء لا يأخذون علمهم إلا من مشكاة خاتم الأولياء.
وقد قام المصنف رحمه الله في الرسالة التي تسمى "حقيقة مذهب الاتحاديين أو وحدة الوجود" الموجودة ضمن مجموع الفتاوى (2/ 207) بنقل نصوص كثيرة من كتب ابن عربي، من كتابه "فصوص الحكم" و"الفتوحات المكية" وغيرها، وانظر أيضًا مجموع الفتاوى (2/ 228)، (5/ 355).
ويؤيد الدكتور عبد القادر محمود ما ذهب إليه المصنف في مذهب ابن عربي في الولاية والنبوة في كتاب "الفلسفة الصوفية في الإسلام"(514)، (632).
(1)
هو أبو نصر محمد بن محمد بن طرخان التركي الفارابي -نسبة إلى فاراب إحدى المدن بأطراف فارس- أحد الفلاسفة الكبار، له مصنفات مشهورة، من ابتغى الهدى منها ضل وحاد -كما قال الذهبي- ومن مصنفاته تخرج ابن سينا -كما قال ابن خلكان- وقد حكم بكفره الغزالي أيضًا مع ابن سينا، وكان من أعلم الناس بالموسيقى، ويقول بالمعاد الروحاني لا الجثماني، اتصل بسيف الدولة الحمداني -الشيعي- فأعجب به وأكرمه، له نحو مئة مصنف منها: آراء المدينة الفاضلة، الموسيقى الكبير، النواميس، وغيرها، ومات بدمشق سنة 339 هـ، وفيات الأعيان (5/ 153) سير أعلام النبلاء (15/ 416)، العبر (2/ 257)، البداية والنهاية (11/ 238)، شذرات الذهب (4/ 209).
ولمعرفة مذهب الفارابي في النبوة انظر: آراء المدينة الفاضلة (21)، (114).
(2)
جاء في نسخة الأصل: "ماتك"، وهر خطأ، وما بين المعكوفتين من (م) و (ط).
ومبشر بن فاتك هو أبو الوفاء مبشر بن فاتك الملقب بالأمير، فيلسوف اشتغل =
وهؤلاء يقولون: إن النبوة أفضل الأمور عند الجمهور، لا عند الخاصة، ويقولون: خاصة النبي جودة [التخييل و](1) التخيل.
فجاء هؤلاء (2) الذين أخرجوا الفلسفة في قالب الولاية، وعبروا عن المتفلسف بالولي، وأخذوا معاني الفلاسفة وأبرزوها في صورة المكاشفة والمخاطبة، قالوا (3): إن الولي أعظم من النبي، لأن المعاني المجردة يأخذها عن الله بلا واسطة تخيل لشيء في نفسه، والنبي يأخذها عن الله بواسطة ما يتخيل في نفسه من الصور والأصوات، ولم يكفهم هذا البهتان، حتى ادعوا أن جميع الأنبياء والرسل يستفيدون العلم بالله من مشكاة خاتم الأولياء، الذي هو من أجهل الخلق بالله، وأبعدهم عن دين الله، والعلم بالله هو عندهم العلم (4) بأنه الوجود المطلق الساري في الكائنات، فوجود كل موجود هو عين وجود واجب الوجود.
وحقيقة هذا القول هو (5) قول "الدهرية الطبيعية"(6) الذين ينكرون أن يكون للعالم مبدع أبدعه، وهو واجب الوجود بنفسه، بل يقولون: العالم نفسه واجب الوجود بنفسه، فحقيقة قول هؤلاء شر من قول "الدهرية الإلهيين"(7)،
= بالأدب، أصله من دمشق، وعاش في مصر، من مؤلفاته "مختار الحكم ومحاسن الكلم"، وقد نقل منه كثيرًا ابن أبي أصيبعة في كتاب "عيون الأنبياء في طبقات الأطباء"، وكتاب في الطب، واعتنى بكتب الأوائل وفلسفاتهم، وملك من الكتب ما لا يحصى كثرة، مات سنة 500 هـ؛ وقيل سنة 480 هـ، تاريخ الحكماء (399).
(1)
ما بين المعكوفتين ليس في نسخة الأصل، وهو في (م) و (ط).
(2)
يعني بذلك ابن عربي ومن تبعه على مذهبه الفاسد.
(3)
في (ط): "وقالوا".
(4)
كلمة "العلم" ليست في (ط).
(5)
كلمة "هو" ليست فى (ط).
(6)
في (ط): "الطبيعة".
والفلاسفة الطبيعية هم الذين لا يقرون بواجب أبدع الممكن، وهو قول فرعون، درء التعارض (5/ 4)، وهم يقولون بالمحسوس، ولا يقولون بالمعقول، الملل والنحل (2/ 307)، ويجعلون المحسوس واجبًا بنفسه، درء التعارض (9/ 256)، وربما أطلق عليهم الدهرية المحضة، المصدر نفسه (9/ 255).
(7)
الفلاسفة الدهرية قسمان:
(الأول): الدهرية الطبيعية، وقد مضى الحديث عنهم. =