الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خيانة امرأة لوط عليه السلام في الدين لا في الفراش]
وكانت في الظاهر مع زوجها على دينه، وفي الباطن مع قومها على دينهم خائنة لزوجها، تدل قومها على أضيافه كما قال تعالى فيها:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا} [التحريم: 10].
وكانت خيانتهما لهما في الدين لا في الفراش، فإنه ما بغت امرأة نبي قط، إذ نكاح الكافرة قد يجوز في بعض الشرائع، ويجوز في شريعتنا نكاح بعض الأنواع، وهن الكتابيات (1).
وأما نكاح البغي فهو دياثة، وقد صان الله النبي عن أن يكون ديوثاً، ولهذا كان الصواب قول من قال من الفقهاء بتحريم نكاح البغي حتى تتوب (2).
والمقصود أن امرأة لوط لم تكن مؤمنة، ولم تكن من الناجين المخرجين، فلم تدخل في قوله تعالى:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35)} وكانت من أهل البيت المسلمين، وممن وجد فيه، ولهذا قال تعالى:{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} .
(1) قال تعالى مبيحاً نكاح الكتابيات: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5].
(2)
خلافاً لمذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية الذين ذهبوا إلى أنه لا تشترط التوبِة، وذهب أحمد وهو الصحيح إلى اشتراط التوبة لقوله تعالى:{وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 3] قال الموفق: "لأنها إذا كانت مقيمة على الزنا لم يأمن أن تلحق به ولد غيره وتفسد فراشه". انظر هذه المسألة وأقوال الفقهاء فيها وأدلة كل فريق في "المغني"(7/ 515 - 517).
وقال المؤلف في موضع آخر: "وذلك أن الزانية فيها إفساد فراش الرجل، وفي مناكحتها معاشرة الفاجرة دائماً ومصاحبتها، والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه. . " ثم قال بعد كلام: "فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم، وفيه آثار عن السلف، وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه، وليس من أباحه ما يعتمد عليه" دقائق التفسير (4/ 403)، وانظر: تفسير ابن كثير (3/ 263) عند قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً. . .} .
وبهذا تظهر حكمة القرآن حيث ذكر الإيمان لما أخبر بالإخراج، وذكر الإسلام لما أخبر بالوجود.
وأيضاً فقد قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35]. وفرق (1) بين هذا وهذا، فهذه [ثلاثة](2) مواضع في القرآن (3).
وأيضًا فقد ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجالاً ولم يعط رجلاً (4)، فقلت: يا رسول الله، أعطيت فلاناً وتركت فلاناً وهو مؤمن، فقال: أو مسلم، قال: ثم غلبني ما أجد فقلت: يا رسول الله أعطيت فلاناً وفلانًا وتركت فلانًا وهو مؤمن،
(1) في (ط): "ففرق".
(2)
في نسخة الأصل و (م): "ثلاث" وهو خطأ.
(3)
المقصود بهذه المواضع الثلاثة هي آية الحجرات: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات: 14]، وآيتا الذاريات:{فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)} [الذاريات: 35، 36] والآية الأحزاب: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب: 35] وهي التي يستدل بها المؤلف رحمه الله على الفرق بين الإسلام والإيمان.
(4)
هذا الرجل اسمه جعيل بن سراقة الضميري، قال الحافظ في الفتح: سماه الواقدي في المغازي، وذكر في الإصابة أن ابن إسحاق روى في المغازي عن محمد بن إبراهيم التيمي قال:"قيل: يا رسول الله أعطت عيينة بن حصن والأقرع بن حابس مائة مائة وتركت جعيلاً" فقال: (والذي نفسي بيده لجعيل بن سراقة خبر من طلاع الأرض مثل عينة والأقرع لكني أتألفهما وأكل جعيلاً إلى إيمانه). وقال الحافظ: (هذا مرسل حسن لكن له شاهد موصول روى الروياني في مسنده وابن عبد الحكم في فتوح مصر من طريق بكر بن عوادة عن أبي سالم الجيشاني عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: كيف ترى جعيلاً؟ قلت: مسكيناً كشكله من الناس يعني من المهاجرين قال: وكيف ترى فلاناً؟ قلت: سيداً من سادات المسلمين قال: لجعيل خير من ملء الأرض مثل هذا قال: قلت: يا رسول الله ففلان هكذا وتصنع به ما تصنع قال: إنه رأس قومه فأتألفهم). وإسناده صحيح، وذكر الحافظ أن البخاري أخرجه من حديث سهل بن سعد وأبهم جعيلًا وأبا ذر، وقد رواه البخاري برقم (5091) كتاب النكاح، ورواه أيضاً ابن ماجه برقم (4120) كتاب الزهد، انظر: الفتح 1/ 80 والإصابة 1/ 239.
فقال: أو مسلم، مرتين أو ثلاثاً. وذكر في تمام الحديث أنه يعطي رجالًا ويدع من هو أحب إليه [منهم] (1) خشية أن يكبهم الله في النار على مناخرهم) (2) قال الزهري:"فكانوا يرون أن الإسلام الكلمة والإيمان العلم"(3).
فأجاب سعدًا بجوابين:
أحدهما: أن هذا الذي شهدت له بالإيمان قد يكون مسلماً لا مؤمناً (4).
الثاني: إن كان مؤمناً وهو أفضل من أولئك، فأنا قد أعطي من هو أضعف إيماناً لئلا بحمله الحرمان على الردة، فيكبه الله في النار على وجهه، وهذا من إعطاء المؤلفة قلوبهم (5).
وحينئذ فهؤلاء الذين أثبت لهم القرآن والسنة الإسلام دون الإيمان،
(1) في نسخة الأصل: "منه" والتصحيح من (م) و (ط).
(2)
رواه البخاري برقم (27) كتاب الإيمان باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة، ورواه مسلم برقم (150) 1/ 132 كتاب الإيمان باب تألف قلب من يخاف على إيمانه لضعفه، والنهي عن القطع بالإيمان من غير دليل قاطع، ورواه النسائي برقم (4992) كتاب الإيمان وشرائحه، وأبو داود برقم (4683) كتاب السنة، وأحمد برقم (1583).
(3)
أثر الزهري رواه أبو داود برقم (4684) كتاب السنة، وإسناده صحيح، ولم يظهر لي وجه إيراد المؤلف هذه العبارة في هذا المكان.
(4)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: (فهذا الحديث محمول عند البخاري على أن هذا الرجل كان منافقاً، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم نفى عنه الإيمان وأثبت له الاستسلام دون الإسلام الحقيقي.
ثم قال: إن هذا في غاية البعد وآخر الحديث يرد عليه وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه") فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/ 131).
(5)
قال ابن رجب رحمه الله عند كلامه على هذا الحديث: "والظاهر والله أعلم أن صلى الله عليه وسلم زجر سعداً عن الشهادة بالإيمان لأن الإيمان باطن في القلب لا اطلاع للعبد عليه فالشهادة به شهادة على ظن فلا ينبغي الجزم بذلك" الفتح لابن رجب (1/ 132) وذكر الحافظ ابن حجر الوجهين الذين ذكرهما المؤلف عند شرحه للحديث. الفتح (1/ 80).
هل هم المنافقون الكفار في الباطن؟ أم يدخل فيهم قوم فيهم بعض الإيمان؟ .
فقالت طائفة من أهل الحديث (1) والكلام وغيرهم: بل هم المنافقون الذين استسلموا وانقادوا في الظاهر، ولم يدخل إلى قلوبهم شيء من الإيمان، وأصحاب هذا القول قد يقولون: الإسلام المقبول هو الإيمان، ولكن هؤلاء أسلموا ظاهرًا لا باطناً، فلم يكونوا مسلمين في الباطن، فلا يكونوا مؤمنين (2)، وقالوا إن الله يقول:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} [آل عمران: 85]، بيانه كل مسلم مؤمن، فما ليس من الإسلام فليس [مقبولًا](3) يوجب أن يكون الإيمان منه، وهؤلاء يقولون كل مؤمن مسلم، وكل مسلم مؤمن إذا كان مسلمًا في الباطن.
وأما الكافر المنافق في الباطن، فإنه خارج عن المؤمنين المستحقين للثواب باتفاق المسلمين.
ولا يسمون بمؤمنين عند أحد من سلف الأمة وأئمتها، ولا عند أحد من طوائف المسلمين، إلا عند طائفة من المرجئة وهم الكرامية (4)، الذين
(1) هذا مروي عن طائفة من السلف منهم: مجاهد، وابن زيد، ومقاتل بن حيان، وغيرهم، ورجحه البخاري، ومحمد بن نصر المروزي في "تعظيم قدر الصلاة"(2/ 510)، وهو اختيار ابن عبد البر وحكاه عن أكثر أهل السنة من أصحاب مالك والشافعي وداود، وهؤلاء لا يفرقون بين الإسلام والإيمان. انظر فتح الباري لابن رجب (1/ 126).
(2)
في (م): "فلم يكونوا"، وفي (ط):"ولم يكونوا".
(3)
في نسخة الأصل و (م): "مقبول"، والتصحيح من (ط).
(4)
المرجئة: اسم فاعل من الإرجاء يأتي بمعنيين في اللغة: (الأول): التأخير قال تعالى في قصة موسى- عليه السلام: {قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)} [الأعراف: 111] أي أخره وأمهله، و (الثاني): إعطاء الرجاء، والمرجئة إذاً على هذين المعنيين هم الذين يؤخرون العمل عن الإيمان، ويعطون العصاة الرجاء في ثواب الله، لأنهم كانوا يقولون:"لا تضر مع الإيمان معصية كما لا تنفع الكفر طاعة".
وبدعة الإرجاء من أشد البدع التى كان لها آثار وخيمة في حياة المسلمين. انظر: مقالات الإسلاميين (1/ 213)، الملل والنحل (139)، الفرق بين الفرق =
قالوا: إن الإيمان هو مجرد التصديق في الظاهر، فإذا فعل ذلك كان مؤمناً، وإن كان مكذباً في الباطن، وسلموا أنه معذب مخلد في الآخرة، فنازعوا في اسمه لا في حكمه (1).
ومن الناس من يحكي عنهم أنهم جعلوهم من أهل الجنة، وهو غلط عليهم (2)، ومع هذا فتسميتهم له مؤمناً بدعة ابتدعوها مخالفة [للكتاب](3) والسنة وإجماع سلف الأمة.
وهذه البدعة الشنعاء هي التي انفردت (4) بها الكرامية دون سائر مقالاتهم.
= (122)، الفصل لابن حزم (5/ 73)، الخطط للمقريزي (2/ 349).
والكرامية: هم أنباع محمد بن كرام أبو عبد الله السجستاني المتوفى عام 255 هـ، الذين بالغوا في إثبات الصفات حتى وصلوا إلى التجسيم والتشبيه، ولهم بدع كثيرة خالفوا بها ما عليه أهل السنة، ووافقوا في بعضها المعتزلة وغيرهم من أهل البدع، وكان لهذه الفرقة أتباع في خرسان البلد الأصلي لابن كرام وفي فلسطين التي توفي بها، وقد تولى محمود بن سبكتكين السلطان نصر هذه الفرقة، واعتبر الشهرستاني أن مذهبهم أقرب المذاهب إلى الخوارج، ولكن الكرامية اندثرت بعد ذلك ولله الحمد والمنة. مقالات الإسلاميين (1/ 223)، والملل والنحل (108)، الفرق بين الفرق (130)، والفصل (4/ 5، 111).
(1)
لا بد من التذكير بأن كتب الكرامية قد اندرست، ولم يكد يصلنا منا شيء، انظر: موقف شيخ الإسلام ابن تيمية من الكرامية (607) للدكتور عبد القادر بن محمد عبد الله، وهي رسالة ماجستير في قسم العقيدة بجامعة أم القرى قدمت عام 1409 هـ.
يقول الشهرستاني عن الكرامية: فالمنافق عندهم مؤمن في الدنيا على الحقيقة، مستحق للعقاب الأبدي في الآخرة.
الملل والنحل (113).
(2)
كما ذكر ذلك الأشعري عنهم في المقالات (1/ 233)، والبغدادي في الفرق بين الفرق (223)، وابن حزم في الفصل (5/ 74) على أن ابن حزم قد ذكر عنهم قولاً آخر يوافق ما ذهب إليه المصنف جث قال:"المنافقون مؤمنون مشركون من أهل النار" الفصل (5/ 74).
(3)
في نسخة الأصل: مخالفة الكتاب.
(4)
في (ط): "انفرد".
و (1) قال الجمهور من السلف والخلف (2): بل هؤلاء الذين وصفوا بالإسلام دون الإيمان، قد لا يكونون كفاراً في الباطن، بل معهم بعض الإسلام المقبول، وهؤلاء يقولون: الإسلام أوسع من الإيمان، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، ويقولون في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"(3) أنه يخرج من الإيمان إلى
(1) الواو ليست في (ط).
(2)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله "وأما من يفرق بين الإسلام والإيمان، فإنه يستدل بهذه الآية (يعني آية الحجرات) على الفرق بينهما، ويقول: "نفي الإيمان عنهم لا يلزم مه نفي الإسلام، كما نفى الإيمان عن الزاني والسارق والشارب، وإن كان الإسلام عنهم غير منفي". الفتح (1/ 126) وقال أيضاً:"والقول بالفرق بين الإسلام والإيمان مروي عن الحسن، وابن سيرين، وشريك، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى بن معين، ومؤمل بن إهاب، وحكي عن مالك أيضاً وقد سبق حكايته عن قتادة، وداود بن أبي هند، والزهري، وابن أبي ذئب، وحماد بن زيد، وأحمد، وكذلك حكاه أبو بكر السمعاني عن أهل السنة جملة. . ".
ثم قال: "فحكاية ابن نصر وابن عبد البر عن الأكثرية التسوية بينهما غير جيد، بل قد قيل: إن السلف لم يرو عنهم غير التفريق. . "الفتح (1/ 130).
وقال الحافظ ابن كثير في تفسير القرآن العظيم (4/ 220): "وقد استفيد من هذه الآية الكريمة، أن الإيمان أخص من الإسلام، كما هو مذهب أهل السنة والجماعة، ويدل عليه حديث جبريل عليه الصلاة والسلام، حين سأل عن الإسلام والإيمان والإحسان، فترقى من الأعم إلى الأخص ثم للأخص منه. . ".
ثم أورد حديث سعد رضي الله عنه السابق فقال بعد ذلك: "فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاماً أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك وهذا معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما وإبراهيم النخعي وقتادة واختاره ابن جرير. وإنما قلنا هذا لأن البخاري رحمه الله ذهب إلى أن هؤلاء كانوا منافقين يظهرون الإيمان وليسوا كذلك".
(3)
رواه البخاري برقم (6772) كتاب الحدود باب الزنا وشرب الخمر، ومسلم برقم (57) كتاب الإيمان باب نقصان الإيمان بالمعاصي، والترمذي برقم (2645) كتاب الإيمان، والنسائي برقم (4870) كتاب قطع يد السارق، وأبو داود برقم (4689) كتاب السنة، وابن ماجه برقم (3936) كتاب الفتن، وأحمد برقم (27419).
الإسلام، ودوروا [للإسلام](1) دارة، ودوروا [للإيمان](2) دارة أصغر منها في جوفها، وقالوا: إذا زنا خرج من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر، ودليل ذلك أن الله تعالى قال:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15) قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (16) يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (17)} [الحجرات: 14 - 17] فقد قال تعالى: {قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} .
وهذا [الحرف](3)[أي لمّا](4) ينفى به ما قرب وجوده وانتظر وجوده (5) ولم يوجد بعد، فنقول (6) لمن ينتظر غائباً، وتقول (7) قد جاء، لما يجيء بعد، فلما قالوا: آمنا قيل: لم تؤمنوا بعد، بل الإيمان مرجو منتظر منهم، ثم قال تعالى:{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ} : أي لا ينقصكم من
(1) في نسخة الأصل: الإسلام.
(2)
في نسخة الأصل: الإيمان.
(3)
في نسخة الأصل: الخوف بدل الحرف والصواب ما أثبتاه.
(4)
ليست في نسخة الأصل و (م) وهي من (ط).
ومعنى (لما) في اللغة كما قال ابن هشام في معرض كلام عن الفرق بين (لم) و (لما) الجازمتين: "أن منفي لما متوقع ثبوته بخلاف منفي لم، ألا ترى أن معنى (بل لما يذوقوا عذاب) أنهم لم يذوقوه إلى الآن، وأن ذوقهم له متوقع. . " مغني اللبيب عن كتاب الأعاريب لابن هشام.
وقال أبو هلال العسكري في كتابه "الفروق في اللغة"(306) في معنى لما يأتي زيد: "معناه أنه لم يأت وإنما يتوقعه".
وقال السيوطي عند كلامه على (لما): "حرف وجود لوجود" همع الهوامع في شرح جمع الجوامع (3/ 219)، وانظر "الكواكب الدرية على متممة الأجرومية"(2/ 488) لمحمد بن أحمد بن عبد الباري الأهدل.
(5)
ليست فى (م).
(6)
فى (ط): "فيقول".
(7)
في (م، و (ط): "يقول".
أعمالكم المثبتة شيئاً، أي في هذه الحال، فإنه لو أراد (1) طاعة الله ورسوله بعد دخول الإيمان في قلوبهم، لم يكن في ذلك فائدة لهم ولا لغيرهم، إذ كان من المعلوم أن المؤمنين يثابون على طاعة الله ورسوله، وهم كانوا مقرين به فإذا قيل لهم: المطيع (2) يثاب والمراد به المؤمن الذين يعرف أنه مؤمن لم تكن (3) فيه فائدة جديدة.
وأيضاً فالخطاب لهؤلاء المخاطبين قد أخبر عنهم لما يدخل الإيمان (4) في قلوبهم، وقيل لهم:{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} فلو لم يكونوا في هذه الحال [مثابين](5) على طاعة الله ورسوله، لكان خلاف مدلول الخطاب، وبين (6) ذلك أنه وصف المؤمنين الذين أخرج هؤلاء منهم فقال:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} وهذا نعت المحقق للإيمان (7)، لا نعت من معه مثقال ذرة من إيمان، كما في قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} [الأنفال: 2 - 3].
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن. . " وأمثال ذلك.
فدل البيان (8) على أن الإيمان المنفي عن هؤلاء الأعراب هو هذا
(1) في (ط): "أرادوا".
(2)
في (ط): "المطاع".
(3)
في (م) و (ط): "يكن".
(4)
ليست في (ط).
(5)
في نسخة الأصل: "مثابون" والصحيح ما أثبتناه من (م) و (ط).
(6)
في (م) و (ط): "فبين".
(7)
في (ط): "محقق الإيمان".
(8)
أطال المصنف رحمه الله تعالى في "الإيمان الكبير"(187 - 200) الكلام على هذه الآية الكريمة، وذكر أقوال المفسرين فيها، وما روي في أسباب نزولها، والاستدلال بها على التفريق بين الإسلام والإيمان.