الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومثال ذلك أن الإسلام والإيمان والإحسان كمثل بيت واحد من ثلاث طبقات، فالطبقة العليا هي الإحسان، والطبقة الوسطى هي الإيمان، والطبقة الدنيا هي الإسلام، فإذا خرج من الإحسان لم يخرج من الإيمان، وإذا خرج من الإيمان لم يخرج من الإسلام (1).
و
الأقوال في الإسلام والإيمان والفرق بينهما
أربعة أقوال:
القول الأول:
أن الإسلام هو الإيمان.
القول الثاني:
أن الإسلام هو الكلمة، والإيمان العمل، ونقل هذا القول عن الإمام الزهري.
القول الثالث:
أن الإيمان خصلة من خصال الإسلام، وهذا قول الأشاعرة (2).
القول الرابع:
أن الإسلام والإيمان، كالشهادتين، وكاسم الفقير والمسكين، إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا.
فإذا اجتمعا افترقا، وصار الإيمان هو الأعمال الباطنة، والإسلام هو الأعمال الظاهرة.
وإذا افترقا اجتمعا، فإذا ذكر الإسلام مفردًا، دخل فيه الإيمان، وإذا ذكر الإيمان مفردًا دخل فيه الإسلام.
وهذا القول هو الذي نصره المصنف رحمه الله كتاب "شرح حديث جبريل"(3) وكذلك في كتابه "الإيمان الكبير"(4)، وهو القول الراجح الذي تؤيده الأدلة الصحيحة الصريحة من الكتاب والسنّة، وهو ما عليه جمهور السلف الصالح رضوان الله عليهم.
(1) الإيمان (281).
(2)
قال القاضي أبو بكر الباقلاني في تمهيد الأوائل (390): "فإن قال قائل: ما الإسلام عندكم؟ قل له: الإسلام هو الانقياد والاستسلام، وكل طاعة انقاد العبد بها لربه تعالى، واستسلم فيها لأمره فهي إسلام والإيمان خصلة من خصال الإسلام، وكل إيمان إسلام، وليس كل إسلام إيمانًا".
(3)
شرح حديث جبريل (482 - 483).
(4)
الإيمان (204).
ولشيخ الإسلام رحمه الله تفريق بين الإسلام والإيمان من حيث الأفضلية، يقول رحمه الله: "ولهذا صار الناس في الإيمان والإسلام على ثلاثة أقوال:
فالمرجئة يقولون: الإسلام أفضل، فإنه يدخل فيه الإيمان.
وآخرون يقولون: الإيمان والإسلام سواء، وهم المعتزلة والخوارج، وطائفة من أهل الحديث والسنة، وحكاه محمد بن نصر عن جمهورهم، وليس كذلك.
والقول الثالث: أن الإيمان أكمل وأفضل، وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنّة في غير موضع، وهو المأثور عن الصحابة، والتابعين لهم بإحسان (1).
ويفرق المصنف بين الإسلام والإيمان بقوله: " وحقيقة الفرق أن الإسلام دين، والدين مصدر دان يدين دينًا، إذا خضع وذل، ودين الإسلام الذي ارتضاه الله، وبعث به رسله هو الاستسلام لله وحده، فأصله في القلب هو الخضوع لله وحده، بعبادته وحده دون ما سواه، فمن عبده وعبد معه إلهًا آخر، لم يكن ملمًا، ومن لم يعبده بل استكبر عن عبادته لم يكن مسلمًا، والإسلام هو الاستسلام لله، وهو الخضوع له، والعبودية له، هكذا قال أهل اللغة: أسلم الرجل إذا استسلم، فالإسلام في الأصل من باب العمل، عمل القلب والجوارح. وأما الإيمان فأصله تصديق وإقرار ومعرفة، فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب، والأصل فيه التصديق، والعمل تابع له، فلهذا فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان بإيمان القلب وبخضوعه، وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، وفسر الإسلام باستسلام مخصوص هو المباني الخمس. . "(2).
فأما القول الأول: فقد رد المصنف عليه، ومن ذلك أن الله عز وجل لم يعلق دخول الجنة إلا باسم الإيمان، لا باسم الإسلام "مع إيجابه الإسلام، وإخباره أنه دينه الذي ارتضاه، وأنه لا يقبل دينًا غيره، ومع هذا
(1) المصدر السابق (323).
(2)
المصدر السابق (207)
فما قال: إن الجنة أعدت للمسلمين، ولا قال: وعد الله المسلمين بالجنة، بل إنما ذكر ذلك باسم الإيمان. . " (1).
ولتوضيح العلاقة المتلازمة بين الإسلام والإيمان يشبه المصنف الإسلام والإيمان في تلازمهما بالروح والبدن، وليس يلزم من تلازمهما أن يكون أحدهما هو الآخر، "إذا قيل: إن الإسلام والإيمان التام متلازمان، لم يلزم أن يكون أحدهما هو الآخر، كالروح والبدن، فلا يوجد عندنا روح إلا مع البدن، ولا يوجد بدن حي إلا مع الروح، وليس أحدهما الآخر، فالإيمان كالروح، فإنه قائم بالروح ومتصل بالبدن، والإسلام كالبدن، ولا يكون البدن حيًا إلا مع الروح، بمعنى أنهما متلازمان، لا أن مسمى أحدهما هو الآخر" (2).
ويذكر لذلك تشبيهًا آخر فيقول: "وليس كل من صلى ببدنه يكون قلبه منورًا بذكر الله والخشوع وفهم القرآن، وإن كانت صلاته يثاب عليها، ويسقط عنه الفرض في أحكام الدنيا، فهكذا الإسلام الظاهر بمنزلة الصلاة الظاهرة، والإيمان بمنزلة ما يكون في القلب حين الصلاة من المعرفة بالله والخشوع وتدبر القرآن، فكل من خشع قلبه خشعت جوارحه، ولا ينعكس. . "(3).
وأما القول الثاني: وهو قول من يقول: الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، فينظر في المراد بذلك، فإن كان مراد من قال ذلك أنه بالكلمة يدخل في الإسلام، ولم يأت بتمام الإسلام فنعم، وإن كان مراده أنه أتى بجميع الإسلام فهذا غلط قطعًا.
فمن قال: إن الأعمال الظاهرة ليست من الإسلام فقوله باطل أيضًا (4).
وأما القول الثالث: وهو قول الأشاعرة الذين جعلوا الإيمان خصلة
(1) المصدر السابق (272).
(2)
الصدر السابق (288).
(3)
المصدر السابق (288).
(4)
المصدر السابق (290).
من خصال الإسلام، فقد تصدى له المصنف بالرد والإبطال، وبين تناقضهم، حيث قال بعد أن أورد كلام الباقلاني الذي تقدم قريبًا: "وهذا الذي ذكروه مع بطلانه ومخالفته للكتاب والسنّة هو تناقض، فإنهم جعلوا الإيمان خصلة من خصال الإسلام، فالطاعات كلها إسلام، وليس فيها إيمان إلا التصديق، والمرجئة وإن قالوا: إن الإيمان يتضمن الإسلام، فهم يقولون: الإيمان هو تصديق القلب واللسان، وأما الجهمية فيجعلونه تصديق القلب، فلا تكون الشهادتان، ولا الصلاة ولا الزكاة ولا غيرهن من الإيمان، وقد تقدم ما بينه الله ورسوله، من أن الإسلام داخل في الإيمان، فلا يكون الرجل مؤمنًا حتى يكون مسلمًا، كما أن الإيمان داخل في الإحسان، فلا يكون محسنًا حتى يكون مؤمنًا.
وأما التناقض، فإنهم إذا قالوا: الإيمان خصلة من خصال الإسلام، كان من أتى بالإيمان إنما أتى بخصلة من خصال الإسلام، لا بالإسلام الواجب جميعه، فلا يكون مسلمًا حتى يأتي بالإسلام كله، كما لا يكون عندهم مؤمنًا حتى يأتي بالإيمان كله، وإلا فمن أتى ببعض الإيمان عنده لا يكون مؤمنًا، ولا فيه شيء من الإيمان، فكذلك يجب أن يقولوا في الإسلام، وقد قالوا: كل إيمان إسلام، وليس كل إسلام إيمانًا، وهذا إن أرادوا به أن كل إيمان هو الإسلام الذي أمر الله به، ناقض قولهم: إن الإيمان خصلة من خصاله، فجعلوا الإيمان بعضه ولم يجعلوه إياه، وإن قالوا: كل إيمان فهو إسلام، أي هو طاعة لله، وهو جزء من الإسلام الواجب، وهذا مرادهم، قيل لهم: فعلى هذا يكون الإسلام متعددًا بتعدد الطاعات، وتكون الشهادتان وحدهما إسلامًا، والصلاة وحدها إسلامًا، والزكاة إسلامًا، وكل تسبيحة في الصلاة أو غيرها إسلامًا.
ثم المسلم إن كان لا يكون مسلمًا إلا بفعل كل ما سميتموه إسلامًا، لزم أن يكون الفساق ليسوا مسلمين، مع كونهم مؤمنين، فجعلتم المؤمنين الكاملي الإيمان عندكم ليسوا مسلمين، وهذا شر من قول الكرامية، ويلزم أن الفساق من أهل القبلة ليسوا مسلمين، وهذا شر من قول الخوارج
والمعتزلة وغيرهم، بل وأن يكون من ترك التطوعات ليس مسلمًا، إذ كانت التطوعات طاعة لله، إن جعلتم كل طاعة قرضًا أو نفلًا إسلامًا. . .
وإن قلتم: بل كل من فعل طاعة سمي مسلمًا، لزم أن يكون من فعل طاعة من الطاعات ولم يتكلم بالشهادتين مسلمًا، ومن صدق بقلبه ولم يتكلم بلسانه أن يكون مسلمًا عندكم، لأن الإيمان عندكم إسلام، فمن أتى به فقد أتى بالإسلام، ويكون مسلمًا عندكم من تكلم بالشهادتين وما أتى بشيء من الأعمال" (1).
(1) المصدر السابق (126 - 127).